في إطار الاحتفال بالذكرى 30 لتأسيس حزب الاتحاد الدستوري، عقد المنتدى الليبرالي للدراسات والأبحاث، ندوة فكرية تحت عنوان "قراءة في المخطط التشريعي"، وذلك أول أمس السبت بالمقر المركزي للحزب بالدارالبيضاء بحضور عدد من الإخوة أعضاء المكتب السياسي للحزب وفعاليات فكرية وثقافية وأكاديمية. وتندرج هذه الندوة في إطار البرنامج السنوي للمنتدى، الذي يعتبر فضاء فكريا وعلميا وثقافيا حرا، يتم في إطاره تبادل الأفكار والآراء والتجارب بشأن العديد من الملفات والقضايا الراهنة، كما هو الشأن بالنسبة للموضوع المطروح والمتعلق ب "المخطط التشريعي" وهو موضوع يستأثر باهتمام الرأي العام الوطني والساحة السياسية، باعتباره أول مخطط تضعه الحكومة عوض البرلمان كمؤسسة تشريعية، مما يطرح تساؤلات عريضة بخصوص مبدأ فصل السلط والتنزيل السليم للدستور. في هذا الإطار، شدد الأخ محمد أبيض الأمين العام للاتحاد الدستوري، في كلمة افتتاحية "أن الإصلاح التشريعي ورش كبير يهم جميع القوى الحية في البلاد، لأنه بكل بساطة ورش جاء نتيجة حراك شعبي متعقل وتجاوب ملكي مسؤول ومتطلع إلى آفاق أكثر شساعة من الديمقراطية والحرية والحقوق والتنمية". وأشار الأخ محمد أبيض إلى أن الحكومة أصبحت تتطاول على مجال التشريع مما يطرح التساؤل عن الحدود الحقيقية في المبادرة التشريعية لكل من الحكومة والبرلمان، أين تبتدئ اختصاصات البرلمان وأين تنتهي حدود الحكومة؟ وعبر الأمين العام للاتحاد الدستوري، عن أسفه كون الحكومة تنهج أسلوب الانغلاق على الذات والتفرد في اتخاذ القرارات ووضع الاستراتيجيات، عوض أن تلجأ الحكومة إلى توسيع المشاركة بخصوص إستراتيجية التنزيل العام للقوانين المرتبطة بالإصلاحات التي يتضمنها الدستور الجديد. وقال الدكتور حسن عبيابة عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الدستوري، ورئيس المنتدى الليبرالي للدراسات والأبحاث، إنه على الرغم من أن الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، نالت الشرعية من الشعب، من خلال انتخابات نزيهة، وحققت الاستقرار بالمغرب، لكنها في المقابل، لا تملك رؤية مستقبلية لحل مشاكل المواطنين، حيث عجزت إلى حدود الآن عن تحقيق التنمية في البلاد، موضحا أن "الديمقراطية يجب أن تؤدي إلى التنمية". وأضاف الدكتور حسن عبيابة أن المخطط التشريعي الذي أعدته الحكومة وعرضته على البرلمان، لن يعرف طريقه نحو التنفيذ، معتبرا في السياق ذاته أن الفصل 100 من الدستور، الذي ينص على أن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان وأمام جلالة الملك، "ضمانة للمغرب في حال فشلت الحكومة في تسيير الشأن العام للبلاد، وأظهرت عجزها قبل متم ولايتها". ودعا عبيابة المجتمع المدني والشباب إلى الاهتمام بالشأن العام من أجل الاطمئنان على المستقبل وقال في هذا الصدد إن "عدم مشاركة المواطنين في ما يقع من تحولات داخل المجتمع، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، سيمنح الآخرين فرصة لفعل ما يشاؤون، وإن أردنا محاسبتهم سيحتكمون إلى الديمقراطية، وسنبقى بذلك خارج التغطية". إلى ذلك، وقف عبيابة عند فشل الحكومة في الإشراف على الانتخابات الجزئية الأخيرة ل28 فبراير الماضي، مشيرا بالقول إلى أن "الحكومة التي لا تستطيع الإشراف على انتخابات جزئية تهم خمسة مقاعد برلمانية، يصعب عليها الإشراف على الاستحقاقات المقبلة". ومن جهته، وصف الدكتور أحمدو الباز عضو المكتب السياسي للحزب، المخطط التشريعي الذي أعدته حكومة عبد الإله بنكيران، وقدمته قبل أسابيع إلى البرلمان، ب "التقليعة الحكومية الجديدة". وقال الدكتور أحمدو الباز "إن الوثيقة التي عرضتها الحكومة على البرلمان، بدءا من الإسم الذي اختير لها، لا تحترم مبدأ فصل السلط وتوزانها، كما أن مضمونها يحتوي على العديد من المغالطات الصارخة." وذكر عضو المكتب السياسي للحزب في هذا الصدد مثالا عن تلك المغالطات بقوله "هناك نصوص قانونية، صدرت في الجريدة الرسمية، ورغم ذلك برمجتها الحكومة في ما يسمى بالمخطط التشريعي، ومثال على ذلك، القانون المتعلق بانتخابات الجماعات الترابية الذي صدر في شتنبر 2011. واعتبر أحمدو الباز المخطط التشريعي مجرد "إعلان نوايا حسنة" لكنه ليس تشريعا، لأنه غير مبني على أي أساس، وتوقع فشل مناقشته أمام غرفتي البرلمان، وقال "إنه شيء من العبث، ومن العبث مناقشة أمور غير مبنية على أي أساس"، منتقدا في الوقت ذاته عدم إشراك الحكومة للفاعل السياسي والمجتمع المدني خلال تحضيرها لمخططها التشريعي، وذلك بالنظر إلى أن الدستور نص في مقتضياته على مبدأين هامين هما الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية. كما تحدث الدكتور أحمدو الباز عن المراحل التي ينبغي أن يخضع لها النص القانوني، والمتمثلة في مراحل الإعداد والتقديم والتنزيل والتقييم، هذا الشرط، يضيف أحمدو الباز، غائب تماما في حالة المخطط التشريعي الذي أعدته الحكومة من جانب واحد، وبالتالي "نحن أمام حالة من اللاجدوى وغياب الحكامة التشريعية. من جانبه، قال طارق أتلاثي، أستاذ القانون الدستوري، إن الغرض من المخطط التشريعي، الذي أعدته الحكومة، يتمثل في سعي هذه الأخيرة إلى التغطية عن عجزها في تنزيل مقتضيات الدستور، ومحاولتها إظهار الانسجام بين مكوناتها، كما أن هذا المخطط يحاول بالأساس التقليص من الدور المحوري الذي تلعبه الأمانة العامة للحكومة، وبالتالي تصبح السلطة التنفيذية مسيطرة سواء على المؤسسات التي تنفلت من بين يديها أو على المؤسسة التشريعية التي يتجلى دورها في التشريع ومراقبة العمل الحكومي. وأضاف أتلاثي أن عرض الحكومة هذا المخطط على البرلمان، الذي يعتبر من اختصاصه هذا الأمر، يحمل قراءة وحيدة تتجلى في رغبتها في التأثير والضغط المباشر على السلطة التشريعية، بل الأكثر من ذلك يندرج في إطار التوجيه الذي يحتمل أن يرمي إلى الاحتكار والحجر على البرلمان، مشددا على أن هذا الأخير ملزم بخلق زمن برلماني لهذا المخطط خارج الزمن الذي حدد له مسبقا. وخلص أستاذ القانون الدستوري إلى أن المخطط التشريعي هو بمثابة ناقوس خطر فيما يرتبط بتنزيل مضامين الدستور، لأنه، برأيه، في غياب مبدأ التشارك فإن هذه المضامين سوف تنزل بطريقة تخدم دون شك جهة على حساب جهة أخرى. من جهتها، انتقدت الأخت فوزية البيض، عضو فريق الاتحاد الدستوري بمجلس النواب بشدة الطريقة التي اعتمدتها الحكومة في الإعداد للمخطط التشريعي٬ معتبرة أنها استولت على الحقوق الدستورية للبرلمان بدون أخذ الترخيص منه بصفته سلطة تشريعية أو إشراكه في عملية الإعداد والإشراف. وقالت الأخت البيض "إن المعارضة إذا كانت قد تقدمت على مستوى القانون والدستور الجديد للمملكة الذي وسع من صلاحياتها٬ فإنه قد تم تهميشها على مستوى الممارسة بسبب هذا النوع من التعامل من طرف الأغلبية الحكومية في محاولة لتقليص تحركاتها، متسائلة في السياق ذاته عن مدى استجابة هذا المخطط لانتظارات المواطن المغربي. وأعربت الأخت البيض عن تخوفها من أن تتحكم حكومة بنكيران في الأجندة التشريعية وجدولة أعمال اللجان، من خلال الضغط على المؤسسة التشريعية للمصادقة على مشاريع ترى من زاويتها الأحادية أن لها الأولوية، معلنة رفضها لهذه السياسة، وقالت في هذا الصدد "إننا لن نقبل أبدا أن تفرض علينا الحكومة إملاءاتها"، مؤكدة عزم المعارضة التصدي بقوة لهذا النهج الذي وصفته ب "التحكمي". وطرح المشاركون في هذا اللقاء أسئلة جوهرية عدة بشأن إعداد المخطط التشريعي هل يدخل في اختصاصات الجهاز التنفيذي أم التشريعي؟ وهل البرلمان ملزم دستوريا وقانونيا بالتقيد بما جاء به المخطط، وبالتالي الاشتغال وفق الأجندة التشريعية الموضوعة من طرف الحكومة؟ الأمر الذي يضع قيودا في يد المؤسسة التشريعية ويفرض رقابة قبلية على حرية وعمل البرلمان ومصادرة لحقه في التشريع. ويذكر أن هذه الندوة تأتي في إطار الاحتفال بالذكرى الثلاثين (30) لتأسيس حزب الاتحاد الدستوري، وستعقبها ندوات ولقاءات تتوج بحفل ختامي سيعرف تقديم شهادات من مناضلين دستوريين ممن عايشوا لحظة تأسيس الحزب وعملوا على هيكلته وتنظيمه، ثم سيعرف هذا الحفل تكريم بعض الشخصيات وتقديم فقرات فنية وثقافية. كما تندرج الندوة ذاتها، في إطار البرنامج السنوي للمنتدى الليبرالي للدراسات والأبحاث، الذي يعتبر فضاء فكريا وعلميا وثقافيا حرا، يتم في إطاره إشراك الطاقات الفكرية الشابة لتبادل الأفكار والآراء حول العديد من القضايا الراهنة. وقد عقد المنتدى الليبرالي للدراسات والأبحاث جمعه العام وشكل مكتبه الذي يضم 23 إطارا من بينهم أربعة أساتذة جامعيين وشباب، كما يضم 350 منخراطا. ويستعد المنتدى للانطلاق في تأسيس منتديات جهوية ابتداء من شهر ماي المقبل بدءا بتأسيس مكتب جهة الدارالبيضاء الكبرى وجهة فاس بولمان.