لم يجد امحند العنصر وزير الداخلية وهو يرد على سؤال لأحد المواقع الإلكترونية الوطنية بخصوص موعد الانتخابات الجماعية المقبلة، بدا من الاعتراف بأنه "عندما تكون الوزارة والكتلة السياسية والمجتمع المغربي جاهزين، يمكن تنظيم هذه الانتخابات"، وهو جواب سياسي ودبلوماسي يمكن أن نستشف منه أن الوزارة وبالتالي الحكومة غير مستعدتين حتى الآن لتحديد موعد قار ونهائي لتنظيم الانتخابات الجماعية. الدفوعات والمبررات التي قدمها الوزير، لتسويغ وتعليل قضية التأجيل المستمر، أو بالأحرى التأخير، الذي أضحى لازمة لعمل الحكومة بالنسبة لعدد كثير من الملفات والقضايا، لن تقدم ولن تؤخر في الموضوع، لأن كل المعطيات الحالية تؤكد أن الحكومة الحالية، ومعها الوزارة الوصية، تعيش حالة تخبط حقيقية، ولا تدري أين تضع رجلها، وتمعن في التعتيم والتعويم، والهروب من ملاحقة الانتقادات الموجهة إليها من قبل المعارضة والرأي العام الوطني، وحتى من قبل بعض مكونات أغلبيتها، بسبب هذا التأجيل الذي يبدو أنه غير مفهوم، لأسباب لا نعرف من يقف وراءها، والتي تثير بالفعل مزيدا من الشكوك في نوايا الحكومة والحزب الذي يقودها، وكذلك مزيدا من المخاوف من الالتفاف على مقتضيات الدستور، من أجل صنع خارطة انتخابية لا تصب إلا في مصلحة الحزب الأغلبي على حساب بقية الأحزاب الأخرى في إطار سياسة الهيمنة والرغبة في التحكم في المجتمع، وإقصاء المكونات التي لا تتفق مع مرجعية هذا الحزب. التصريحات الغامضة وغير المقنعة لوزير الداخلية بشأن "جاهزية النصوص التشريعية" وقرب انطلاق الاستشارة مع الاحزاب السياسية خلال أيام" أو أن "إجراء الانتخابات ليس مشكلا في حد ذاته، إذ يمكن إجراءها في أجل 3 أشهر"، تشي بأن الحكومة حتى الآن قد لا ترغب في تنفيذ ما أعلنت عنه سابقا، من ضرورة إخراج القوانين والتشريعات الخاصة بالانتخابات الجماعية ولا نعرف لماذا هذا التماطل؟. فالعنصر أكد أن " كل القوانين التي تؤطر الانتخابات هي جاهزة من اليوم ويمكن إجراء الانتخابات". فلماذا التأخير أو التأجيل؟ المشكل حتى الآن وكما اعترف الوزير يكمن في " أن الدستور لم يدخل تغييرات على طريقة الانتخاب بالنسبة للجماعات المحلية، وتبقى مدونة الانتخابات الحالية سارية المفعول"، وأن " الإشكال المطروح سيكون في انتخاب " مجالس جديدة بناء على قوانين قديمة على ميثاق جماعي قديم على قانون الجهات الحالي، على 16 جهة" وكم سيصبح هذا العدد في القانون الجديد هل 16 أم 12؟ إشكال لا نفهم لماذا لم تبادر الحكومة حتى الآن إلى تحمل مسؤولياتها وتسارع إلى معالجته في إطار مقاربة تشاركية وتشاورية مع القوى الحية في البلاد، وتعكف على إخراج القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والميثاق الجماعي ومجلس المستشارين. فهل ستكون لدى الحكومة الإرادة الحقيقية وروح المسؤولية السياسية الحقة، لتناقش هذا الموضوع المستعجل والحساس خلال الدورة الاستثنائية للبرلمان المخصصة لمناقشة والمصادقة على مشاريع ومقترحات القوانين التي ما زالت تنتظر الإفراج عنها، للمصادقة أيضا علىالقوانين المؤطرة للانتخابات الجماعية أم لا؟ ذلك هو السؤال الذي نطرحه وننتظر من الحكومة أن تجيب عنه دون لف أو دوران؟ لأن من مهام البرلمان التشريعية إنتاج التشريعات والقوانين. والدستور الحالي ينص على أن "نظام الجماعات الترابية، ومبادئ تحديد دوائرها الترابية، والنظام الانتخابي للجماعات الترابية، ومبادئ تقطيع الدوائر الانتخابية" من صميم عمل السلطة التشريعية وفق الفصل 71 منه. فأي تأجيل في إخراج القوانين الخاصة بتنظيم الانتخابات الجماعية والتي من المفروض أنها لبنة من لبنات الإصلاح الدستوري لعام 2011، لم يعد مقبولا تحت أي مبرر من المبررات، بما أن هذا التأجيل يجعل بلادنا في وضع دستوري متناقض، حيث يشتغل مجلس النواب وفق الدستور الجديد، والمجالس البلدية والقرورية ومجالس المدن والمجالس الجهوية، وقبل ذلك مجلس المستشارين ما زالت تشتغل طبقا لدستور 1996، وهو ما يخلق حالة تناف مؤسساتي كامل بين الغرفتين وفق الدستور الحالي. وكل قول أن التأجيل يصب في مصلحة الحزب الأغلبي أو في مصلحة الأحزاب التي لا تملك قاعدة انتخابية معتبرة، هو من قبيل الهروب إلى الأمام، أو من قبيل تغطية الشمس بالغربال، لأن الدستور الجديد كان واضحا في هذا الموضوع، أي فيما يتعلق بإعداد القوانين والتشريعات والقوانين التنظيمية، الخاصة بالانتخابات الجماعية المقبلة، وتحميل الحكومة مسؤولية هذا الإعداد بتشاور مع الأحزاب السياسية داخل البرلمان وخارجه، وعرضها على البرلمان للمناقشة والمصادقة خلال ولايته الحالية. لقد شهد شاهد من أهلها إذن وأكد أن الحكومة ورئيسها تماطل وتناور حتى الآن، وما قرار تأجيل موعد الانتخابات الجماعية وانتخابات مجلس المستشارين إلى غاية 2015، إلا دليل واضح على أن القائمين على المطبخ الحكومي، قد تكون لديهم حسابات، لن تصب بالتأكيد في صالح تكريس الخيار الديمقراطي التعددي، بقدر ما تهدف إلى التحكم في الخارطة الانتخابية الوطنية. فالمهم بالنسبة إلينا في الوقت الحالي هو إخراج القوانين والشريعات والقوانين التنظيمية إلى دائرة النور، وقيام الرلمان بدوره الدستوري في المناقشة والمصادقة، من أجل فتح الباب أم التنزيل الحقيقي لمقتضيات الدستور في هذا الشأن.