شهد النصف الاول من شهر نونبر الحالي مجموعة من الأحداث التي لا يمكن فصل بعضها عن بعض، فمن انفجار الطائرة الروسية في سيناء والتي ما يزال الغموض يلف أسبابه ، إلى انفجارات بيروت التي جاءت بعد يومين من انعقاد أعمال مؤتمر «متحدون من أجل فلسطين»، الذي دعا إليه «الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة»، في بيروت والذي شارك فيه نخبة من علماء الدين من خمس وخمسين دولة، والذي لم يحظ بالتغطية الإعلامية الكافية وذلك لما يحمله من دلالة تجاه مواقف العلماء المسلمين مما يجري في الشرق الأوسط برمته وخصوصا في فلسطين، ثم بعد ذلك أحداث فرنسا التي تصدرت عناوين الصحف الأوربية والقنوات العربية والدولية بمختلف ميولاتها وتوجهاتها، وأضيئت الشموع أمام القنصليات الفرنسية حزنا على الضحايا من الأبرياء، نظرا للطابع المأساوي الذي اكتسته هذه الانفجارات، وباعتباره كذلك عملا موجها ضد كل دول العالم ويهدد حياة الإنسانية جمعاء وليس فرنسا وحدها. غير أن ما غفله المحللون السياسيون الذين قاموا بتسليط الأضواء على هذه الأحداث وعدم ربطها بما يجري في فلسطين، وفي جانب منها بالموقف الذي صدر عن العلماء المسلمين، الذي حدد موقفه من هذا الإرهاب الذي أنتجته آخر ما توصلت إليه عقول المخابرات الغربية وبعض المخابرات العربية التي كان الهدف منها زعزعة الاستقرار في المنطقة العربية تحت لافتة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وبالقيام بحروب بالوكالة عن الدول التي ترعى مصالح شركاتها البترولية والغازية الكبرى في هذه المنطقة وما يحاذيها، أن انفجارات بيروت، جاءت كرد فعل على نتائج وأهداف المؤتمر وبيانه الختامي، وأنه لا يجب أن نفصل ما يجري بصفة عامة في المنطقة وبصفة خاصة في فلسطين، التي تعيش انتفاضتها الثالثة عن هذه الأحداث التي تصب كلها في خدمة الدولة العبرية، ولتقول للرأي العام، إن وجود الفلسطينيين في لبنان هو الذي يهدد الأمن والاستقرار الداخليين لهذا البلد، وليس إسرائيل التي هي ضحية من ضحايا الإرهاب الذي يطالها من الداخل بسبب هذه الانتفاضة التي تضعها في إطار الإرهاب الذي يهدد إسرائيل، وليست انتفاضة من أجل الحرية واسترجاع الحق المغتصب كما يزعم الفلسطينيون ومعهم بعض العرب. أما فيما يخص انفجارات باريس، فيبدو أنها قد أعطت الضوء الأخضر لفرنسا للتدخل عسكريا في سوريا تحت دعوى محاربة الإرهاب، وستليها تركيا في ذلك، ما دام مؤتمر فيينا الثاني ينص على أن العالم يجب أن يتحد لمحاربة الإرهاب الذي يتهدد العالم، ولكنه في يحمل طياته المزيد من الدمار للدولة السورية ولتفكيك وحدتها. الترابية. ونعود إلى مؤتمر علماء المسلمين، الذي مر مرورا باهتا على القنوات الإعلامية المسخرة كلها لخدمة التوجهات الإعلامية المعادية للقضية الفلسطينية، بسبب أنه كان يهدف فيما يهدف إليه في نتائجه وختام بيانه، إلى تفنيد وتعرية كل المزاعم والادعاءات التي يصوغها الغرب بأن ما يجري في الشرق الأوسط إنما هو نتيجة للخلافات المذهبية بين المسلمين وباقي المكونات الدينية في المنطقة، وكانت الإشارة الكبرى التي صدرت عن العلماء الذين حضروا هذا الاجتماع بأنه لا خلاف بين السنة والشيعة حيث قاموا بتأدية صلاة واحدة، جمعت بين علماء السنة والشيعة، وهي إشارة تحمل في مضمونها رسالة إلى كل المسلمين ، أن الخلاف القائم بين هذين المذهبين هو خلاف حول أصول الحكم في الإسلام، أي حول الدولة الدنيوية بمفهومها المعاصر والدولة الدينية، ممل جعله يكتسي صبغة سياسية أكثر منها دينية،. وهو ما يسقط جميع التأويلات التي نؤدي إلى تقسيم الإسلام والمسلمين. إن الدول الكبرى التي تنسب لنفسها أنها تمثل الضمير الإنساني، لم تنجز شيئا لهذه الإنسانية التي تنظر إليها بمعيارين من خلال مواقفها السلبية تجاه ما يطال الإنسان الفلسطيني من تقتيل وتهجير على مدى أكثر من سبعة عقود، وما على الذين يحاولون أن يفصلوا بين ما تقوم به إسرائيل وداعش من جرائم، أن يستوعبوا أن معظم الرأي العام العلمي ينظر إلأيهما بأنهما وجهان لعملة واحدة، ويوم يستيقظ الضمير الإنساني العالمي حقا، ويقرر أن يضع حدا لجرائم إسرائيل، كما قرر أن يفعل ما داعش، فستختفي كل أسباب التقتيل والدمار ليس في الشرق الأوسط فقط، بل في غالب أنحاء المعمور.