كما يفعل مع كل الاقتصاديات المحترمة لتوجهاته يقدم صندوق النقد الدولي ضمانات سيولة تمويلية للميزانية العمومية، نستعملها كلما احتاجت إلى تقويم التوازنات الماكرو اقتصادية. خط ائتمان استفادت منه الحكومة الحالية منذ شهر غشت 2012. تم تجديده من طرف صندوق النقد الدولي بترخيص احتياطي يبلغ 5 ملايير دولار، انطلاقا من شهر يوليوز من السنة الماضية. إلا أن هذه المساعدة، المضافة إلى القروض السابقة واللاحقة، تطالب الأجهزة التنفيذية المغربية بشروط إصلاحية متعددة، لم تحقق منها الحكومة إلا جزءا من أجزائها المحاسباتية الكمية، على حساب الاستثمارات العمومية والفرص التشغيلية والتوازنات الاجتماعية والترابية. فما تدعيه الحكومة من "انتصارات" للمالية العامة يستحق مساءلتها عن "الثمن" الاقتصادي والاجتماعي الذي يدفعه المغاربة من أجل الامتثال المطلق للمنطق المالي الضيق، مع العلم أن نفس صندوق النقد الدولي يطالب في العديد من تقاريره بتفعيل الوعد بالإصلاحات العميقة المنتظرة (المنظومة التكوينية، التعليمية، القضائية، الإدارية الجبائية، الاستراتيجية والتشغيلية، الفوارق الاجتماعية، الشفافية التنافسية، الحكامة الفعلية بالتحكم في الثروات البشرية والوسائل التدبيرية، لربط المسؤولية بالمحاسبة... إضافة إلي ما ذكرنا به مرارا من توصيات ملحة للبنك الدولي المؤيدة لصندوق النقد الدولي. عندما يحث على عدم تجاوز عجز ميزانية الدولة لمستوى محدد من الناتج الداخلي الخام، ويوصي بحصر التضخم المالي في نسبة ضئيلة، وتقليص كتلة الأجور العمومية (دون الإشارة أبدا إلى تقليص كتلة الأرباح الرأسمالية). كما ينادي بمواصلة الخوصصة ولو تطلب ضخ رأسمال عمومي إضافي Recapitalisation لمؤسسات عمومية محتاجة إلى الخروج من قرب الإفلاس إلى قاعة الإنعاش من أموال دافعي الضرائب! كما لازال البنك الدولي يلح على الحكومة الحالية بالمراجعة الجذرية لمجانية التعليم، خاصة في مستواه الجامعي، بفتح ما أمكن من الجامعات الخصوصية، وهو ما استجابت إليه الحكومة بإدماج بعضها في الخريطة الجهوية الجديدة، بمساعدة خطاب وزاري ينادي بأهمية اللغة الفرنسية، بل بتجاورها نحو اللغة الانجليزية مع ترك الأبواب المفتوحة للتسجيل في كليات مضطرة إلى استقبال حاملي بكالوريا جلها مغربة، مضطرين إلى التسجيل في تخصصا جلها مفرنسة. على أن يترك جل المتدخلين عن المتابعة لعرضهم على مراكز النداء الهاتفية وعلى الجمعيات المتزايدة لحاملي الشهادات غير التشغيلية! وهكذا، في انتظار كل الإصلاحات العميقة، لجأت الأسبقيات الحكومية إلى القص من دعم صندوق المقاصة، مفضلة تجاوز "الحيط القصير" بين كل العقبات البنيوية القائمة، دون أدنى تغيير للواقع الإداري المحتاج إلى لا تمركزية فعالة وناجعة، إلى الواقع الأخلاقي والتنافس الحقيقي بين كل الفاعلين المنتخبين المنتجين والمرتفعين المستهلكين لكل الخدمات المعروضة شريطة عدم تقزيم مازال منتظرا، دستوريا، من هيئة محاربة الرشوة ومن مجلس المنافسة! وهكذا نجد حكومة تقودها هيئة حزبية واعدة ب"العدالة والتنمية"، حضرت إسلاموية، ترشحت شعبوية، لتصير أكثر لبرالية من الأولتراليبرالية، عند الممارسة التنفيذية، المتناسية "صوت علينا الشعب"، من أجل الاقتراب من أهداف المؤسسات الدولية المالية، في شقها المالي المحاسباتي الماكرو اقتصادي، لتتحول خطاباتها من "محاربة الفساد" إلى "عفا الله كما سلف". فصار، في أجوائهم، مناخ المال والأعمال ملوثا بشبه استراتيجية عرجاء، تقوم على أسبقية التوازنات المالية، على حساب الأعمال الإصلاحية ذات الدينامية الاقتصادية وآثارها الاجتماعية!.