وفي حديثه عن المالية العمومية، حذر إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات منتقم تفاقم دين الخزينة بشقيه الداخلي والخارجي، داعيا الحكومة إلى اتخاذ “تدابير جريئة لتقليص عجز الخزينة”، وتخفيف مديونيتها. وكشف جطو، قي عرض قدمه مساء أمس الثلاثاء حول أعمال المحاكم المالية برسم سنتي 2016-2017، خلال جلسة عمومية مشتركة بين مجلسي النواب والمستشارين، أن دين الخزينة واصل وتيرته التصاعدية، حيث بلغ مع نهاية سنة 2017 ما يناهز 692,3 مليار درهم بنسبة 65,1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مسجلا مديونية إضافية تناهز 35 مليار درهم. وأوضح جطو أن مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، بشقيها المضمون وغير المضمون من طرف الدولة، واصلت ارتفاعها، إذ بلغت مع نهاية 2017 ما يناهز 277,7 مليار درهم بنسبة 26,1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وبزيادة قدرها 16,5 مليار درهم مقارنة مع سنة 2016. كما أشار جطو إلى أن أن الدين الخارجي، يشكل هو الآخر “جزءا مهما من مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية”، حيث بلغ سنة 2017 ما قدره 178,3 مليار درهم وهو ما يمثل نسبة 53,9 في المائة من الدين العمومي الخارجي. وخلص الرئيس الاول للمجلس الأعلى للحسابات إلى أن الحجم الاجمالي لمديونية القطاع العام، ارتفع “من 918,2 مليار درهم سنة 2016 إلى 970 مليار درهم مع متم 2017″، أي بزيادة 51,8 مليار درهم في ظرف سنة واحدة، بينما انتقلت حصته من الناتج الداخلي الخام إلى 91,2 في المائة. وبخصوص خدمة دين الخزينة المتكونة من أصل القرض والفوائد والعمولات، فقد بلغت، وفق جطو، 8,127 مليار درهم، أي ما يعادل 9,11 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مواصلة بذلك انخفاضها التدريجي، بعد أن عرفت مستواها القياسي سنة 2013 بما يناهز 150 مليار درهم وبنسبة 7,16 في المائة من الناتج الداخلي الخام، لافتا إلى أن هذا التحسن يعزى أساسا إلى معالجة وتمديد آجال الديون، وكذا إلى تراجع معدل المتوسط المرجح لنسب الفائدة الذي انخفض خلال الفترة ما بين 2013 و2016، من 4,5 في المائة إلى 2,82 في المائة. ومن المعطيات المقلقة التي كشف عنها جطو ضمن عرضه، أن حجم المديونية، واصل منحاه التصاعدي خلال الفترة ما بين 2010 و2017، حيث انتقلت مديونية الخزينة من 384,6 مليار درهم إلى 692,3 مليار درهم، والمديونية العمومية من 534,1 مليار درهم إلى 970 مليار درهم، أي بتحملات إضافية بلغت 435,9 مليار درهم، بمعدل يناهز 55 مليار درهم سنويا، وذلك “على الرغم من الظرفية الملائمة والتي تميزت بتنامي موارد المساعدات الخارجية، وبتراجع أسعار بعض المواد الأساسية في الأسواق العالمية وانخفاض نفقات المقاصة، حيث تراجعت نسبتها مقارنة بالنفقات العادية من 25,4 في المائة سنة 2012 إلى 5,5 في المائة مع نهاية سنة 2017″، يورد جطو. وفي هذا الإطار، اعتبر الرئيس الاول للمجلس الأعلى للحسابات، أن تفاقم مديونية الخزينة، يؤشر من خلال تزايد العجز والتوجه نحو الاقتراض، إلى أن “الهدف الذي رسمته الحكومة، لتقليص نسبة المديونية إلى 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام في أفق 2021، سيكون من الصعب بلوغه”، داعيا في هذا الصدد الحكومة الى “اتخاذ تدابير جريئة لتقليص عجز الخزينة بتوسيع الوعاء الضريبي والتحكم في النفقات والعمل على تسريع وتيرة النمو، بما يخفف من المديونية ويضمن القدرة على تحمل أعباءها على المديين المتوسط والطويل”. من جهة أخرى، عاد جطو ليحذر مجددا من شبح انهيار أنظمة التقاعد، وخاصة الصندوق المغربي للتقاعد، حيث خاطب البرلمانيين قائلا إنه “على غرار عروضي السابقة أمامكم كل سنة، أود ان أعود مجددا الى وضعية الصندوق المغربي للتقاعد، نظرا للمخاطر الكبيرة التي تمثلها مؤشرات العجز في هذا الشأن على توازن المالية العامة، وذلك بالرغم من أهمية الاصلاح الذي باشرته دخل حيز التنفيذ ابتداء من شهر أكتوبر 2016 “. وأفاد جطو بأن “مؤشرات ديمومة نظام المعاشات المدنية برسم سنة 2017 استمرت في التدهور حيث تقلص عدد النشيطين إلى 2,12 بالنسبة لكل متقاعد واحد خلال 2017 بدل 2,24 سنة 2016. كما ارتفع عدد المتقاعدين إلى 358 ألف مستفيد سنة 2017 بدل 337 ألفا في 2016”. وأضاف جطو أن مجموع المساهمات المستوفاة خلال سنة 2017 بلغ “ما يناهز 18,6 مليار درهم”، في حين وصل حجم المعاشات المؤداة إلى “24,2 مليار درهم،” مما ترتب عنه عجز “تقني بلغ 5,6 مليار درهم السنة الماضية مقابل عجز ناهز 4,76 مليار درهم سنة 2016”. وزاد جطو أن “كل التوقعات الاكتوارية تخلص إلى أن ارتفاع التزامات النظام تجاه المتقاعدين بمن فيهم المستفيدون لاحقا، سيبقى أكبر من ارتفاع موارده، وذلك راجع إلى عدة أسباب منها على الخصوص وتيرة الترقية في الوظيفة العمومية وما يترتب عنها من ارتفاع لشريحة الموظفين الذين يرتبون كأطر، حيث انتقلت حصة الأطر في فئة المتقاعدين الجدد من 79,5 في المائة سنة 2016 إلى 88,6 في المائة سنة 2017، وهو ما يساهم بشكل كبير في الرفع المطرد من مستوى المعاشات”. وأورد جطو كمثال على ذلك، أن متوسط المعاش بالنسبة لمجموع المتعاقدين في النظام، بلغ عند متم سنة 2017، ما قدره 7,162 درهم، في حين بلغ هذا المتوسط بالنسبة للمحالين على التقاعد برسم سنة 2017 لوحدها 10,126 درهم، أي بفارق تفوق نسبته 41 في المائة. وتابع جطو أن احتياطيات نظام المعاشات المدنية استمرت في الانخفاض، إذ بلغت 79,9 مليار درهم في متم 2017 مقابل 82,6 مليار درهم سنة 2016. متوقعا “استمرار انخفاض الاحتياطيات في السنوات القادمة مع نفادها الكامل في حدود 2027”. وفي هذا الاتجاه، شدد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات على أن إصلاح صناديق التقاعد “يظل غير كاف ولا يمكن أن يشكل سوى مرحلة أولية في إطار إصلاح شمولي، يتم التأسيس له عبر الحوار والتوافق بين مختلف الفرقاء من حكومة وفاعلين اقتصاديين واجتماعيين، ويضع ضمن أولوياته إحداث قطب موحد للقطاع العمومي بهدف بناء نظام للتقاعد يستجيب لشروط التوازن والاستدامة ولقواعد الحكامة الجيدة”.