قضية الأموال المهربة أو تهريب الأموال إلى الخارج، شكلت حتى الآن إحدى الملفات التي برز فيها فشل الحكومة بشكل واضح، وسلط الضوء أكثر على محدوديتها ومقاربتها أو سياستها في هذا الشأن، رغم دفاعها المستميت أمام ممثلي الأمة عن نجاعة الإجراءات التي اتخذتها من أجل استرداد ما يفوق 30 مليار أورو، التي جرى تهريبها خارج البلاد خلال العقود الماضية. فقد تبين أن الأمر كله ليس إلا نوعا من التوظيف السياسوي لملف يمثل بالفعل تحديا حقيقيا للدولة المغربية، بالنسبة لتفعيل النصوص القانونية المتعلقة بمحاربة تهريب الأموال إلى الخارج، والذي استنزف الرأسمال الوطني، وجعل الحكومات المتعاقبة غير قادرة على وقف هذا النزيف، ومواجهة اللوبيات والشبكات التي نجحت في كسر كل الإجراءات القانونية، وتمكنت من عبور الحدود بشكل أو بآخر، دون أن يتم كشفها أو إيقافها في حال معرفة من يقف وراءها. إذن لم تتمكن الحكومة الحالية من استرداد إلا 200 مليون أورو، وهو رقم هزيل بالنسبة للملايير المهربة، التي كادت تصيب الاقتصاد الوطني بالإفلاس، في بعض الفترات لولا تدخل الدولة عبر إجراءات استعجالية، كالاقتراض من الخارج والزيادة في الأسعار، والحصول على هبات ومساعدات مالية من الأشقاء والأصدقاء. عدم استرداد تلك الأموال المهربة الضخمة كما أكدت على ذلك مؤسسات دولية ومنها مؤسسة بوسطن، تقف وراءه عراقيل متعددة منها غياب ضغط حكومي علاوة على تبييض الأموال في الخارج، ومن ثم لا يمكن وصف ما قامت به الحكومة الحالية من استعادة، 2 مليار درهم أي 200 مليون أورو، بالعمل الناجح، بقدر ما يؤكد أن مقاربة الحكومة في معالجة هذا الملف الشائك والمعقد، ظلت عاجزة عن تحقيق اختراق حقيقي، رغم التنازلات التي قدمتها لمن هربوا أموالهم إلى الخارج، طيلة السنوات الماضية، إما عبر سيولة نقدية مودعة في البنوك أو استثمارات في البورصة أو عقارات. ومن بين تلك التنازلات: تفادى استعمال مصطلح أو تعبير "الأموال المهربة"، رغم تلاعب مواطنين مغاربة بالفواتير أو ارتكاب أخطاء مالية. إعفاء أصحاب الأموال المهربة من العقوبات والغرامات مقابل إعادة أموالهم إلى البلاد، وتنتهي العملية نهاية العام الجاري، رغم الطابع الجنائي لعمليات التهريب.. تشجيع المغاربة المقيمين بالخارج على التصريح بما يمتلكونه في دول الإقامة.. وحتى الآن لم تنجح حكومة بنكيران في إقناع من تورط في هذه الجريمة التي يعاقب عليها القانون، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بعرضها السخي لهم ، بل ولم تنجح في استعادة إلا نزرا يسيرا من الأموال المهربة، وهو ما لم تمتلك بشأنه معلومات دقيقة حول الأموال المهربة والحسابات المصرفية باستثناء الأموال التي رخصت الدولة بإخراجها عبر مكتب الصرف، حيث إن التقديرات الموجودة هي لمؤسسات دولية وليس مغربية التي لم تبد في يوم من الأيام أي اهتمام بتهريب الأموال. ورغم رفع شعار محاربة الفساد لدى الحكومات المتعاقبة ومنها حكومة عبد الإله بكيران، لم تقدم على توجيه طلب الى الدول الأوربية لكي تسلمها لائحة أسماء المغاربة غير المقيمين في أوربا والذين يمتلكون حسابات بنيكة وعقارات. ويبقى التساؤل، لماذا لم تبادر الحكومة في إطار صلاحياتها التي منحها إياها الدستور الجديد لكي تطلب من الدول الأوربية بمدها بحسابات هؤلاء والتعرف على حجم ما تم تهريبه من أموال وتفعيل الإجراءات القانونية المتعلقة بذلك، من أجل وقف هذا النزيف الخطير والمدمر لاقتصادنا الوطني؟ إن ملف تهريب الأموال إلى الخارج يطرح اليوم تحديا حقيقيا أمام بلادنا، ومن واجب ومسؤولية الحكومة التحرك بقوة وفعالية ونجاعة لمعالجته طبقا للقانون، وفي إطار التنزيل السليم لمقتضيات الدستور، التي تنص على محاربة كل أشكال الفساد المالي والإداري والريع الاقتصادي، والتي من بينها تهريب الأموال، الذي لازال في مقدمة الجرائم الاقتصادية والاجتماعية المسكوت عنها، بسبب ما تثيره حتى الآن من حساسيات ومزايدات سياسية، وبفعل موقع وتموقع المتورطين فيها، علاوة على ما تكشف عنه من قصور قانوني في زجر المهربين الكبار وتغاضي الطرف عنهم. فمتى يبدأ ثلج الصمت المطبق السميك الذي ظل يغطي على هذه الجرائم في الذوبان، بعد أن صارت بلادنا تصنف ضمن مقدمة الدول التي ينتشر فيها هذا السرطان المدمر؟.