إن أحزاب المعارضة؛ إذ تجدد التعبير عن خيبة أملها إزاء خواء وصورية ما تدعوه الحكومة مشاورات سياسية مع الاحزاب السياسية بشأن القوانين المرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية؛ وإذ تعيد تسجيل الاختلالات المنهجية والإجرائية المتعلقة بمسار إنتاج مشاريع القوانين كما تم تضمينها في مذكرتها السياسية المشتركة بشأن مسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهة المؤرخة في 17 يوليوز 2014.. و بعد دراستها المعمقة لمسودة مشروع القانون التنظيمي حول الجماعات خلصت إلى ما يلي إن مسودة مشروع القانون التنظيمي حول الجماعات، كما هو الشأن بالنسبة لمسودة مشروع القانون التنظيمي حول الجهة: 1. لم تستثمر التراكم الإيجابي للتجارب الناجحة للتدبير المحلي و المسجلة بشكل خاص منذ 2003 و لا حصيلة النقاش العمومي بشأن تعديل الميثاق الجماعي الحالي و الذي تميز في السياق الحالي بالمبادرة الذاتية للمنتخبين و جمعياتهم و الفاعلين المدنيين المعنيين بقضايا التنمية الترابية و الديمقراطية التشاركية و هو ما شكل تميزا عن سياق ما قبل دستور 2011 حيث كانت تتم إدارة هذا النقاش العمومي من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية. 2. لا تؤدي مقتضيات المسودة إلى التفعيل الأمثل للمبادئ و القواعد الدستورية و كذا الأهداف ذات القيمة الدستورية المرتبطة بحكامة الجماعات الترابية و الديمقراطية التشاركية، ولا سيما المنصوص عليها في الفصول 12 ، 13، 15، 19، و الفقرة الأولى من الفصل 30، و كذا الفصول 136، 139، 140و 145 من الدستور. 3. تتضمن مقتضيات قانونية عامة تتعلق بمبدأ التفريع ، حيث إن المادتين 6 و 91 من المسودة تعيد التذكير بهذا المبدأ الدستوري كما لا تقدم إلا حدا أدنى من الشروط المسطرية المتعلقة به دون التحديد الدقيق لكيفيات إجرائه و للشروط و المعايير الواجب استيفاؤها لدى مجالس الجماعات و مجالس العمالات و الأقاليم المعنية به. و هو ما يشكل إخلالا بالوظيفة الأولى لقانون تنظيمي و المتمثلة في التحديد الدقيق لكيفيات و شروط و أشكال إعمال المقتضيات الدستورية، و ذلك في حدود مجال القانون التنظيمي وهو ما يستفاد من مقتضيات الفصل 146 من الدستور. 4. تقدم، في سياقات مختلفة، نسقا من العلاقة بين مجالس الجماعات وسلطة الوصاية يختل فيها التوازن لصالح الاخيرة، بالرغم من الدور المحوري الذي سيلعبه القضاء الإداري في المراقبة القضائية لشرعية قرارات و مقررات الجماعة. حيث يستفاد من تحليل المواد 80 إلى 84 من مسودة المشروع حفاظ هذه المواد على نفس القواعد الأساسية المتعلقة بالوصاية باستثناء استعمال مصطلح مراقبة الشرعية و آليتي التعرض و الإحالة على المحكمة الإدارية. فيما عدا ذلك تتضمن بعض مقتضيات مسودة القانون التنظيمي مصطلحات غير دقيقة تحمل مخاطر التوسع العملي لسلطة المراقبة الإدارية بشكل يتجاوز منطوق و معنى الفقرة الثانية من الفصل 145 من الدستور، و من ذلك مثلا مصطلح "مهام المراقبة الإدارية على الجوانب المرتبطة بشرعية قرارات و مقررات الجماعة" الوارد في المادة 9 من مسودة المشروع، عوض الاكتفاء بالمصطلح الدستوري الدقيق الذي هو "ممارسة المراقبة الإدارية". و في نفس الإطار تندرج مخاطر التوسع العملي للوصاية من خلال المفهوم الواسع " للملاحظات المفيدة و التوضيحات المتعلقة بمداولات المجلس بخصوص النقط المدرجة في جدول الأعمال" الوارد في المادة 22 من مسودة المشروع لا سيما في حالة قيام العامل أو من يمثله بمبادرة منه بذلك. و هكذا فإن مسودة المشروع تتضمن توسيعا لمجال المراقبة الإدارية المنصوص عليها في الفصل 145 من الدستور على حساب مبدا التدبير الحر المنصوص عليه في الفصل 136 من الدستور. 5. لا تتضمن آليات كافية للتمييز الإيجابي للرفع من التمثيلية السياسية للنساء لتحقيق المبادئ و الأهداف ذات القيمة الدستورية المنصوص عليها في الفصلين 19 و 30 من الدستور ، لاسيما على مستوى مكاتب المجالس الجماعية التي تقتصر فيها آلية التمييز الإيجابي على المناصب المتعلقة بنيابة الرئاسة (المادة 16 من المسودة). 6. تتخلى عن المبدأ المهيكل للتخطيط الجماعي و الذي شكل في حد ذاته مكسبا، خاصة بعد تعديل الميثاق الجماعي لسنة 2009 لفائدة مفهوم برنامج العمل الجماعي كما يتضح من التسمية الجديدة للجنة الدائمة المتعلقة بالميزانية و الشؤون المالية و البرمجة (المادة 24 من مسودة المشروع) و كذا في المواد 38 و 86 من مسودة المشروع. كما تسجل أحزاب المعارضة المتقدمة بهذه المذكرة، بكل أسف، عدم تضمين بعض المبادئ الأساسية المتعلقة بمسطرة إعداد المخطط الجماعي كما حددها مرسوم عدد 2.10.504 ل (28 أبريل 2011) المتعلق بتحديد مسطرة إعداد المخطط الجماعي للتنمية في مسودة مشروع القانون التنظيمي، و الحال أن ذلك كان ممكنا، بقليل من الإبداع القانوني و بالحفاظ على الحدود الدستورية بين مجال القانون و مجال السلطة التنظيمية. 7. لا تقدم إلا ربطا محدودا بين أدوات التخطيط والبرمجة المالية والتقييم من أجل التنمية على مستوى الجماعة، حيث إن المسودة وإن كانت تربط بمقتضى المادة 87 بين برنامج عمل الجماعة والبرمجة متعددة السنوات، كما نصت على هذا الربط في المادة 130 بالنسبة لبرامج التجهيز متعددة السنوات، فإن المسودة لم تربط بين هذه الأدوات وبين مبادئ التقييم الواردة في المادة 245 التي تبقى ذات طابع عام و غير محدد على الأقل بالنسبة للجوانب المتعلقة بالتخطيط والبرمجة من أجل التنمية. 8. انبنت على منطق تقييدي في إعمال الفصل 139 من الدستور، بتضمنها شروطا توسع من مجال السلطة التقديرية في قبول العرائض . ومن هذه الشروط ذات الطابع التقييدي المفهوم غير المحدد "للمصلحة المباشرة الجماعية" بالنسبة للأشخاص الذاتيين وكذا المفهوم غير المحدد "لارتباط نشاط الجمعية المعنية بموضوع العريضة" بالنسبة للجمعيات، و هما مفهومان واردان في المادة 45 من مسودة مشروع القانون التنظيمي. 9. لم تستثمر تجارب المشاركة المواطنة للأطفال التي تم إنجازها في بعض الجماعات الحضرية و القروية بشراكة مع اليونيسيف من أجل بلورة آلية للديمقراطية التشاركية خاصة بالأطفال على مستوى مسودة مشروع القانون التنظيمي ، و ذلك باحترام مقتضيات الدستور و الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. 10. تتضمن إعمالا محدودا فقط للمبدأ الدستوري المتعلق بمعاقبة القانون على الحالات المتعلقة بتنازع المصالح و المنصوص عليه في الفصل 36، حيث لا تتضمن مسودة المشروع في المادة 54 أي مقتضى صريح يتعلق بالتصريح بتنازع المصالح ، في حين أن هذه الآلية غدت من المقومات الأساسية لشفافية اتخاذ القرار في مجالس الجماعات الترابية في عدد من الدول الديمقراطية. 11. لم تستثمر البيئة المعيارية الجديدة المتمثلة بشكل خاص في مقتضيات الفصلين 136 و 145 و كذا الفقرة الثانية من الفصل 140 من الدستور من أجل توزيع جديد لاختصاصات الشرطة الإدارية بين رئيس(ة) المجلس الجماعي و بين ممثل(ة) السلطة الإدارية المحلية. 12. لا تقدم أي تصور جديد بالنسبة لأدوار مجالس المقاطعات على ضوء التجربة الحالية من جهة و لا بشان آليات تطوير برامج التأهيل الحضري في المدن الكبرى المعنية بهذا النظام. و هكذا، فإن إبقاء مسودة مشروع القانون التنظيمي على صيغته الحالية لن يمكن بلادنا من إعمال مبدأ التدبير الحر على مستوى الجماعات كما حددها القانون الدستوري للجماعات الترابية في دستور 2011 بناء على جميع العناصر المشار إليها في هذه المذكرة وعلى ملاحظاتها المبدئية والمنهجية الواردة في مذكرتها المشتركة بتاريخ 17 يوليوز 2014، فان أحزاب المعارضة تعتبر أن العرض الحكومي المتضمن في مسودة مشروع القانون التنظيمي حول الجماعات يمثل ردة ديمقراطية بامتياز و تجاهلا لأهم التجارب الناجحة للديمقراطية المحلية التي عرفتها بلادنا بشكل خاص منذ 2003 . و من ثم تعلن رفضها للمشروع في صيغته الحالية وتدعو الحكومة إلى إعادة صياغة جديدة لمشروع القانون التنظيمي بما يحقق إعمالا فعليا لديمقراطية الجماعات الترابية و خاصة على ضوء مقترحات المنتخبين و الفاعلين المدنيين. كما تدعو الحكومة إلى استثمار الخلاصات القيمة للحوار الذي أدارته الجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات واعتبار ما ورد فيها من توصيات ومقترحات حدا أدنى مشتركا في إنتاج نسخة ثانية من مسودة مشروع القانون التنظيمي. حرر بالرباط يوم الاربعاء 13 ذو الحجة 1435 الموافق ل 8 اكتوبر 2014 حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال مصطفى بكوري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ادريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية محمد أبيض، الأمين العام للاتحاد الدستوري