مما لا شك فيه، أن المغرب حقق، في ظل أجرأة دعامات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، تقدما ملحوظا على مستوى تعميم ولوج أطفال المغرب البالغين سن التمدرس، كما سعى حثيثا نحو تعميم الاحتفاظ إلى غاية نهاية المرحلة الثانوية الإعدادية من خلال توسيع العرض التربوي وتوسيع شبكة الدعم الاجتماعي بالزيادة في عدد الداخليات والنقل المدرسي والمبادرة الملكية مليون محفظة وبرنامج " تيسير" التحويلات المالية المشروطة، وموازاة مع ذلك خطا خطوات مهمة على مستوى حكامة منظومة التربية والتكوين بإعداده العدد والمرجعيات القانونية والتنظيمية إداريا وتربويا، إن على المستوى المركزي أو الجهوي أو المحلي، كما أعاد النظر في التكوينات الأساس والتكوينات التأهيلية ونوعية التكوينات المستمرة المواكبة من لقاءات تأطيرية وتواصلية ودورات تكوينية موضوعاتية، لكن، رغم كل هذا، بقي سؤال تعميم جودة المدرسة، في بنياتها التحتية وحياتها المدرسية ومدرسة الجودة في مشروعها وتدبيرها وإنتاجيتها، سؤالا استراتيجيا مطروحا على مختلف الفاعلين من داخل منظومة التربية والتكوين كما هو شأن القائمين على إعداد السياسات العمومية في شأنها، مادامت نتائج التحصيل الدراسي، في حده الأدنى، مازالت دون المستوى المطلوب. وجودة مردودية مختلف العمليات محدودة، ومخرجات هذه المنظومة لا تلبي حاجات الفرد والمجتمع، ولا تتجاوب مع متطلبات محيطها. ومن ثمة تخلفها عن قيامها بوظيفتها وضعف مساهمتها في مساعدة الفرد على تأهيل ذاته لتحقيق مشروعه الشخصي، وتأهيل المجتمع لتحقيق مشروعه التنموي والإنساني الذي يعتبر شرط استقرار واستمرار هذا المجتمع، الأمر الذي يجعلنا، رغم كل شيء، نسائل في العمق هذه المنظومة في مختلف مكوناتها ومستوياتها ومنها المنهاج التربوي بمكوناته وبدعاماته وآليات أجرأته ووضعيات إنجازه. من خلال الأدبيات التربوية الحديثة وعلوم المنهاج التربوي، يمكن القول، بأن المنهاج هو مجموع الخبرات التربوية التي توفرها المدرسة لمساعدة المتعلمين على النجاح في بناء شخصيتهم بناء متوازنا وفي استكمال مسارهم الدراسي واكتساب مختلف الكفايات المعرفية والمهارية والاجتماعية التي تساعدهم على الاندماج الإيجابي في حياتهم الخاصة والعامة داخل مجتمعهم. وهذه الخبرات التربوية نوعان: خبرات في صيغة الماضي، وهي مختلف المعارف ذات الطابع الثقافي والمفاهيمي والمنهجي توفرها المدرسة، وخبرات في صيغة الحاضر، وهي مختلف المهارات التي يكتسبها المتعلمات والمتعلمون من خلال انخراطهم المباشر في الأنشطة المدرسية الفصلية والمندمجة. مما يعني أن المدرسة فضاء لتنمية وتطوير مختلف الكفايات ذات البعد المعرفي والمهاري والعاطفي الوجداني، وفضاء للتربية على جملة القيم الدينية والوطنية والحضارية والإنسانية التي أقرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين وفصّلتها الوثيقة الإطار للاختيارات والتوجهات التربوية، كما هو فضاء للتربية على الاختيار والمساعدة على التوجيه في المسار الدراسي المناسب، بشكل خاص، والاختيار في الحياة، بشكل عام. مما سبق، نستنتج أن الكفايات التي تسعى المدرسة إلى ضبطها وتحديدها، ومن ثمة العمل على تنميتها وتطويرها، نوعان: كفايات مدرسية مرتبطة بالمسار الدراسي والتوجيه الوظيفي والمهني، وكفايات حياتية مرتبطة بنمو شخصية المتعلم في بعدها الذاتي والاجتماعي، وهي تنمو وتتطور بشكل عمودي متنام ومتراكم، وأفقي مستعرض وشامل. وأن الحياة المدرسية باعتبارها الفضاء الزماني والمكاني الذي يتموقع فيه المتعلمات والمتعلمون ويعيشونه في علاقتهم بذواتهم أو في علاقتهم بمختلف مكونات المجتمع المدرسي هي دعامة وحامل هذه الخبرات. وهي الحقل الخصب لتنمية وتطوير هذه الكفايات، من خلال ثلاثة أنواع من الأنشطة المدرسية: أنشطة نظامية انضباطية لتنفيذ المقررات الدراسية المركزية، وأنشطة انضباطية تعاقدية لتنفيذ البرامج المحلية التي تُعدها المدرسة من خلال مجلسها التربوي، وأنشطة اختيارية للتفتح والانفتاح ينظمها المتعلم ويمارسها لإبراز قدراته الإبداعية ومواهبه من خلال النوادي المدرسية وغيرها. إن القول بضرورة جعل المتعلم في قلب الاهتمام والتفكير والفعل كما دعا إلى ذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين يقتضي جعل هذا المتعلم قطب الرحى في مختلف الأنشطة المدرسية، فصلية كانت أو مندمجة، يكون هو الوسيلة والغاية، هو الفاعل المتفاعل، هو المنطلق بخصوصياته وحاجاته، والمنتهى بتطلعاته ومستقبله. وجعل المتعلم يحظى بهذه المكانة يقتضي أن تعمل المؤسسة التعليمية على تنويع أنشطتها في المضمون والشكل، وتوفير الأجواء المناسبة لخلق الدافعية والرغبة في الانخراط، فلا تعلم بالإكراه، ولا اكتساب بالترهيب. كما على باقي مكونات المجتمع المدرسي من أطر تربوية وإدارية وشركاء التدبير الإداري والتربوي (جمعية أمهات وآباء وأوليات التلاميذ – الجماعات المحلية) تصويب اهتمامهم تجاه ما يستحقه هذا المتعلم والتفاعل بإيجابية معه، وخلق الوضعيات التعلمية الدالة والمناسبة ذات السياق المساعد له على التعبير والتواصل والتقاسم والاكتساب الفعال. إن المساهمين في وضع الاستراتيجية الوطنية لإصلاح منظومة التربية والتكوين في ظل ميثاق التربية والتكوين ورؤيته للفرد والمجتمع ووظيفة المدرسة يتوفرون على ما يكفي من المؤشرات الدالة، وعلى تشخيص شامل لحالة منظومة التربية والتكوين والاختلالات التي عرفتها استراتيجية أجرأة دعامات الميثاق الوطني للتربية والتكوين وتشخيص واف للحالة الراهنة التي توجد عليها هذه المنظومة بل وحتى الأسباب العميقة لهذه الاختلالات مما يعني أن هذه الاستراتيجية الوطنية لإصلاح منظومة التربية والتكوين غير مسموح لها، مرة أخرى، بقوة المسؤولية التاريخية والوطنية، أن تخلف موعدها، وتغامر بمستقبل الوطن والمجتمع، مادامت التربية والتكوين الرهان الأول لتحقيق المشروع التنموي الوطني الكفيل بتأمين الاستقرار وتحقيق النهضة المجتمعية الشاملة. وفي إطار الإعداد لإطلاق هذه الاستراتيجية، لا بد من الإشارة، إلى أن شيطان التعثر يكمن في التفاصيل، وأن من هذه التفاصيل اختيار وتحديد مضامين الجهاز المفاهيمي الذي يشكل في حد ذاته مرجعا أساسيا يجب أن يحظى بالأولوية. فالمنهاج التربوي والحياة المدرسية والنشاط المدرسي والزمن المدرسي مفاهيم مازالت أدبياتنا التربوية تعاني نقصا حادا في تحديدها وضبطها في علاقتها بالمقاربة بالكفايات التي اعتمدها الميثاق الوطني للتربية والتكوين والوثائق الإجرائية لدعاماته اختيارا بيداغوجيا استراتيجيا. وعليه، إن لم نخطط لحياة مدرسية ناجعة تجعل المؤسسة التعليمة فضاء مفعما بالحياة منفتحا وجاذبا وملبيا لحاجات المتعلمات والمتعلمين، فضاء زمانيا ومكانيا وظيفته تنمية وتطوير الكفايات التي وُجدت المدرسة لتنميتها وتطويرها، والقيم التي وجدت بهدف إكسابها وترسيخها، والاختيارات الفردية والمجتمعية التي تتطلع إلى بنائها وإرسائها، فإننا نخطط لفشل هذه المؤسسة في القيام بوظيفتها ومن ثمة نخطط لإعادة إنتاج مختلف الاختلالات التي عانت ولا زالت تعانيها منظومة التربية والتكوين والمساهمة في تعثر المجتمع في تحقيق نهضته ومواكبته لعصره. الحياة المدرسية والاستراتيجية الوطنية لإصلاح منظومة التربية والتكوين الأستاذ عبد الرحمان زيطان، مفتش تربوي