محمد كرميم البيهي – الفدش- بداية نهنئكم السيد الوزير المحترم على الثقة التي حضيتم بها لتوليكم مهام تدبير الشأن التعليمي بالمغرب. كما نتمنى لكم التوفيق و النجاح في عملكم الذي من المؤكد أنه سيكون شاقا و مكتفا نظرا لما تركه لكم سلفكم من ملفات ثقيلة و صعبة يتطلب حلها الجرأة اللازمة و التقدير الحقيقي للمسؤولية. ثم بعد هذا كله نتمنى أن لا تستمروا في إقصاء النهج التدبيري الديمقراطي كتوجه توافق حوله المغاربة ملكا و شعبا و حكومة، و أن لا تغضوا الطرف عن الطريقة التي يتم بها إنفاق المال العام في قطاع التعليم.هذه الطريقة التي عصفت بميزانيات قطاع التعليم و تسببت في العدبد من الأخطاء الجسيمة التي دمرت المدرسة العمومية و دفعت بالمغرب إلى إحتلال المراتب الدنيا في حضيرة الأمم المماثلة لنا . السيد الوزير المحترم، لا نريد أن نخاطبكم بأسلوب عدمي و لا بصورة سوداوية عن قطاع التعليم و ما أصابه من ويلات. بل قصدنا هو أن نبسط أمامكم بعض الملاحظات التي تؤرقنا على مر الزمان. في الوقت ذاته لسنا في حاجة إلى تذكيركم بأن الدولة المغربية تولي أهمية بالغة لقطاع التعليم منذ بداية الاستقلال. لا أدل على ذلك من الميزانيات الضخمة التي تخصص سنويا لهذا القطاع الحيوي و الاجتماعي. ناهيك عن تنظيم عدة مناظرات كان الهدف منها البحث عن المسار الصحيح الذي ينبغي أن تسلكه السياسة التعليمية ببلادنا. إلى أن إنتهى بنا الأمر إلى صياغة وثيقة تربوية غاية في الأهمية، متوافق حولها من طرف كل الشركاء المعنيين، إنه الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي رسم خارطة الطريق من أجل المضي قدما في اتجاه تطوير تعليمنا. لكن كما تعلمون و يعلم الجميع أنه بقدر ما تبدل مجهودات جبارة في مجالات التمويل و التحديث و التأليف….الخ بقدر ما يتدهور تعليمنا إلى الدرك الأسفل. مرجعي في هذا القول هو التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي : سنة 1980 كنا في الرتبة 124 و سنة 2005 نزلنا إلى الرتبة 131 و سنة 2012 سقطنا سقوطا حرا إلى الرتبة 146!! المفارقة العجيبة هنا هو أننا تدهورنا من الرتبة 131 إلى الرتبة 146خلال المدة التي كان ينفد فيها البرنامج الاستعجالي (2012- 2009) بميزانيته الضخمة غير المسبوقة و التي وصلت 43 مليار درهم. أمام هذا الإرث الثقيل لن تنجحوا في مهمتكم إلا إذا انطلقتم من حيث ينطلق كل مسؤول وطني شجاع و ذلك ب: أولا: لضمان انطلاقة موفقة لابد من البدء بنزع فتيل الاحتقان في هذا القطاع الاجتماعي الذي توليتم زمام أموره. ذلك بنبذ السلوك الشاذ لسلفكم و العودة إلى جادة الصواب، بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع النقابات ذات التمثيلية في حضيرة اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء من أجل بناء جسر تواصلي رفيع المستوى يمكنكم من الإنصات الجيد لنبض رواد المدرسة و من تلقي المقترحات التي سترد عليكم من طرف دوي التجارب الناجحة و الخبرات الجيدة في مجال التربية و التكوين. يكون الهدف من هذا التفاوض هو بلورة صيغ توافقية حول النقط العالقة من قبيل إرجاع القدر المالي الذي تم إقتطاعه من أرزاق المضربين عن العمل الذين لم يقوموا إلى بممارسة حق يكفله القانون.إعادة فتح مؤسسات التعليم الأولي التي أغلقها الوزير السابق بقرار إنفرادي و تعسف غير مبال بالأدوار التي تؤديها رياض الأطفال و في مقدمتها أن الطفل في سنته الرابعة يمكن أن تترسخ في ذهنه 500 كلمة في السنة. التسريع بصرف التعويض عن الوسط القروي إنصافا للعاملين به. حذف الساعات التطوعية التي أنهكت نساء و رجال التعليم طيلة ربع قرن. العمل على ترقية حوالي 4000 من نساء و رجال التعليم المقبلين على التقاعد و الذين لا يزالون مرتبين في السلم العاشر. بدل مجهود حقيقي للدفع في اتجاه تنفيذ اتفاق 26 أبريل 2011 لا سيما الشق المتعلق بخلق درجة جديدة و ذلك حفاظا على مصداقية المفاوضات و الاتفاقيات. إلغاء المذكرة الإطار السيئة الذكر المنظمة للحركات الانتقالية الوطنية و الجهوية و المحلية و تعويضها بمذكرة جديدة متوافق حولها مع النقابات الأكثر تمثيلية. إعادة النظر في المسطرة المتبعة في تحديد الفائض لأن في تطبيقها الكثير من العبث. استغلتها المصالح النيابية من أجل الانتقام من نساء و رجال التعليم و التسلط على حقهم المكتسب الذي هو الاستقرار. إتخاذ قرار جريء من أجل توحيد الكتاب المدرسي كي لا تبقى المقررات الدراسية عبارة عن نظام مشتت((système éclaté. توسيع الاستشارة مع الخبراء و العلماء و رجال الاقتصاد المرموقين من أجل الحسم في الورش الإصلاحي للقطب البيداغوجي …إلى غير ذلك من النقط العالقة التي نعتبرها مفتاح المصالحة مع المدرسة و روادها. ثانيا:محاسبة جميع المسؤولين في الإدارة مركزيا و جهويا و إقليميا الذين ساهموا في سرقة أو اختلاس أو تبدير ميزانية البرنامج الاستعجالي (43 مليار درهم) سواء كانوا مدراء أكاديميات أو نوابا إقليميين أو مهندسين أو مقاولين أو مكاتب دراسات……..الخ و مطالبتهم بإرجاع الأموال المسروقة إلى خزينة الدولة من أجل برمجتها من جديد لاستكمال ما جاء به المخطط الاستعجالي من بناء الاعداديات و الثانويات و الداخليات و دور الطالبة و المدارس الجماعتية و الوحدات المدرسية و الزيادة في عدد الممنوحين بالثانوي بسلكيه و تحسين مستوى الإطعام بالابتدائي. إن ربط المسؤولية بالمحاسبة يقتضي معاقبة هؤلاء بإعفائهم من مهامهم و تقديمهم للعدالة والحجز عن جميع ممتلكاتهم، كيفما كانت انتماءاتهم السياسية و مراتبهم في الدولة. بهذا الإجراء سوف تضعون حدا للإفلات من العقاب و تقدمونا خدمة جليلة للمدرسة المغربية. ثالثا: ضرورة الانكباب على إيجاد مخارج لإصلاح ما أفسده الأولون: ستجدون في العديد من المؤسسات قاعات الدرس مهترئة و المختبرات فارغة و المرافق الصحية منعدمة و السيبة مستشرية داخل المؤسسات و في محيطها. بل ستندهشون لمؤسسات محدثة، زمن البرنامج الاستعجالي، تشتغل منذ سنوات دون أن يكتب لها الربط بشبكة الكهرباء و لا بشبكة الماء الشروب ! ناهيك عن عدد من الأقسام بدون سقوف و أخرى بدون نوافذ… بل هناك أقسام محدثة بقيت بدون تجهيز لا يعيرها المسؤولون أي إهتمام. لا بد لكم السيد الوزير من تقويم الاصلاح تقويما علميا لأننا لا يمكن أن نستمر في الإصلاح في غياب التقويم مع العلم أن أساس الإصلاح هو توفير الموارد البشرية الكفأة التي تغطي حاجيات المدرسة حاليا و مستقبلا لأن تعليمنا يسير اليوم بأستاذ واحد لكل 35 تلميذ (1/35) في حين نجد في فرنسا مثلا أستاذ لكل 15 تلميذ (1/15). السيد الوزير المحترم: إننا في النقابة الوطنية للتعليم(ف- د- ش) عندما نلح على ربط إصلاح التعليم بإصلاح الأوضاع المادية لنساء و رجال التعليم فإن الهدف من هذا الربط هو تحقيق الجودة المنشودة. لأن جودة التربية و التكوين من جودة القائمين عليها و في مقدمتهم المدرسات و المدرسون.إننا نريد للمدرسة العمومية أن ترقى إلى منزلة مرموقة و ذلك بالرفع من المستوى العلمي للموارد البشرية. حيث تصبح المدرسة مجالا لاستقطاب الشباب ذوي الكفاءات العليا في التخصصات العلمية و في اللغات كما هو الشأن بالنسبة للمدارس العليا للمهندسين و كليات الطب. هذه الكفاءات إذا ما تم استقطابها من طرف المدرسة العمومية كما تستقطبها مدارس أخرى، ستكون دون شك هي الضامن لتحقيق الجودة في تعليمنا العمومي. نعتقد أن هذا هو المدخل الطبيعي لبناء جودة التربية و التكوين ببلادنا و ربطها بالتنمية المستدامة.