لا يجادل اثنان في أن تحصين المدرسة المغربية العمومية والخاصة من الامراض التي يعاني منها المجتمع هو المدخل الحقيقي لإحداث التغيير العميق الذي ينتقل معه المجتمع المغربي من جيل تطبع مع الفساد والكسل و الإتكالية إلى جيل يؤمن بالمنافسة الشريفة ويربط بين الجهد والمكافأة و بين المسؤولية والمحاسبة.غير ان واقع المدرسة المغربية ما يزال بعيدا عن هذا الرهان الكبير بسبب ظواهر خطيرة تهدد البناء التربوي والاجتماعي وتقلب القيم الإنسانية, واحدة من هذه الظواهر نقف عندها في هذا الموضوع. فقد استفحلت في المؤسسات التعليمية ظاهرة منح نقط مجانية للتلاميذ بدون استحقاق او بذل مجهود مما يؤدي بشكل مباشر الى قتل معاني المنافسة والإبداع والاجتهاد لتحل محلها معاني الكسل و الإتكالية بل يتحول التلاميذ معها إلى مشاريع اطر فاشلة ما دام الكسل والشغب يؤديان الى الحصول على معدلات مرتفعة. 1 مبررات معلنة تكشف الحوارات التي تجرى عفويا مع بعض رجال التعليم ونسائه عن حقائق مخيفة تهدد المدرسة المغربية وتساهم في تكريس مجتمع اتكالي لا يتجاوز مرحلة الاعتماد على الغير في اطار مراحل النمو البشري , هذه المبررات نسوقها كالآتي: أولا يبرر صنف من رجال التعليم ونسائه سبب منحهم لنقط مرتفعة ومجانية لا يستحقها التلاميذ ويا للغرابة !! بغياب مبدأ تكافؤ الفرص في المدارس المغربية مدعين انهم إذا لم يمنحوا تلك النقط المرتفعة سيظلمون تلامذتهم لان هناك مؤسسات اخرى تمنح النقط بدون استحقاق!! ثانيا هناك صنف آخر يبرر ذلك بالعطف على التلاميذ امام ظروف العصر الصعبة وانه غير قادر عاطفيا على منح النقطة المستحقة المعبرة عن مستوى التلميذ لأنها متدنية ولا تشجع التلميذ على الدراسة.!! ثالثا اما ثالثة الاثافي فهي تبرير بعض رجال التعليم ونسائه الامر بكون ادارة المؤسسة تطلب منهم ذلك اما لإرضاء فئات اجتماعية معينة ذات وجاهة ومكانة أو حتى لا تظهر المؤسسة المعنية في مراتب متأخرة مما يفقدها الاحترام ويشوه صورتها اقليميا وجهويا ووطنيا من وجهة نظرهم !! 2 اسباب خفية تتلخص هذه الاسباب التي لا يصرح بها علنا وإنما تتداول في الخفاء بين مكونات العملية التربوية التي تحتك مباشرة بالمتعلم في : أولا الخوف من التلاميذ في ظل انتشار العنف في المدرسة العمومية وعدم القدرة على مفاتحة التلاميذ ومحاولة اقناعهم بأهمية منحهم النقطة التي يستحقونها ليعرفوا حقيقة مستواهم بدل العيش على وهم نقطة غير حقيقية. وهو ما يؤثر سلبا على مستقبلهم في ظل التحولات الايجابية التي يشهدها المغرب والتي تتجه نحو مزيد من الشفافية في الوظائف والاختبارات. ثانيا عجز بعض رجال التعليم ونسائه عن القيام بكامل مهامهم التربوية داخل الفصل بما فيها القاء الدرس والتقويم وتصحيح الفروض وفي هذا الاطار تجد من يجري فرضا دون تصحيحه وبعيدا عن المعايير التقويمية , والبعض الاخر لا يجري الفرض مطلقا او يجري فرضا شفهيا غير دقيق وبالتالي يشكل ذلك مبررا منطقيا للتلميذ لكي يحتج اذا لم يحصل على نقطة مرتفعة مادام العيار غائبا. ثالثا الخضوع للعلاقات الاجتماعية التي تربط المدرس والمُدَرِّسة بآباء التلاميذ وأمهاتهم في المحيط الخارجي هذه العلاقات التي تنبني على النفاق الاجتماعي والتملق والقناع … 3 تعدد المبررات و الاسباب والنتيجة واحدة مهما تعددت الاسباب والدوافع التي تدفع بعض اقول بعض رجال التعليم ونسائه الى منح النقطة للتلاميذ بدون استحقاق او بذل جهد , فإن النتيجة واحدة وهي قتل قيم المنافسة والاجتهاد والإبداع والاعتماد على النفس بل و تؤدي مباشرة إلى تدمير قدرات التلاميذ المجدِّين ونشر ثقافة الاتكالية وتعميم الكسل والشغب في المدرسة وتكريس ذلك لاحقا في المجتمع وتزايد ظاهرة المطالبة بالشغل بدون كفاءة والرغبة في العيش الرغيد بدون مجهود. إن اجراء دراسة علمية دقيقة بخصوص ظاهرة منح النقط بدون استحقاق ستكشف لنا خطورة الامر من خلال تشخيصها بالأرقام وإغنائها بالمعطيات , وفي غياب ذلك فإننا نستأنس بالممارسة العملية والاحتكاك مع هذه الظاهرة في بعض المؤسسات التعليمة للكشف عن بعض مظاهرها , ففي احدى هذه المؤسسات برزت هذه الظاهرة بوضوح اثناء اجراء المداولات حول نتائج التلاميذ اذا اظهرت هذه النتائج ان احد الفصول الدراسية الاكثر شغبا والذي يضم عدد من التلاميذ المكررون وذووا المستوى الضعيف معرفيا هم من حصل على أعلى المعدلات بالمقارنة مع اقسام اخرى تضم تلاميذ مجتهدين ومنضبطين والسبب هو ما سلف الحديث عنه. كما سجل حصول تلاميذ فصل معين على المعدل بنسبة 100 %في بعض المواد. وفي المؤسسة نفسها تجد من يحصل على نقطة جيدة في المواظبة والسلوك على الرغم من شغبه في الساحة وكثرة غيابه عن الفصول الدراسية . ولا نبالغ اذا قلنا ان القاعدة في بعض المؤسسات التعليمية هي الحصول على النقطة بدون استحقاق والاستثناء هو منح التلميذ النقطة التي يستحقها بناءا على تقويم مجهوده وأصبح الرائج من الكلام عند التلاميذ “ان الاستاذ الفلاني منحني كذا نقطة ” بدل القول “حصلت على كذا نقطة “. وفي علاقة بهذه الظاهرة طفت على السطح ظاهرة تسول النقط من قبل بعض التلاميذ عند المدرسين المجدين حيث يبادر التلميذ بتسولها منذ بداية الموسم الدراسي قبل الشروع في الدروس وذلك تحت مبررات الظروف الصعبة , التكرار… وأصبحت الفاظ مثل نقطة الفرض الاول والثاني والعطف الابوي والرحمة … جزء من قاموس التسول الذي أصبح رائجا عند التلاميذ بسبب استفحال ظاهرة النقطة بدون استحقاق. لقد عظم الأمر وتحول الحصول على نقطة جيدة بدون مجهود ثقافة سائدة عند فئة من التلاميذ ليست باليسيرة , فالمعدل على الأقل بالنسبة لهذه الفئة من التلاميذ مسلمة يجب الحصول عليه في اطار الرحمة والعلاقة الانسانية والعطف الابوي وانقلبت القيم والمعايير فأصبح المدرس الذي يقيم التلميذ ويقومه بشكل علمي وموضوعي ظالم له ومعادي له مرحليا طبعا لأن التلميذ يعرف الحقيقة من الوهم مع مرور الزمن وإذا حاجج المدرس التلميذ واقتنع الاخير بنقطته واجه الاستاذ بأنه بعيد عن ما هو مألوف وأن عليه وضع المعدل على الاقل. 4 ما العمل؟ إن هذه الظاهرة التي لا يتحمل فيها التلميذ المسؤولية , لأنها مسؤولية المربون اسرة وأساتذة وإدارة وإعلاما وغيرها من الجهات المتدخلة في التربية والتعليم , تنحرف بالمؤسسة التعليمة في الاتجاه الخطأ الذي يكرس قيم الاتكالية وثقافتها ويخرج اجيالا لا تؤمن بالتنافس والاجتهاد والعمل وبالتالي فهي تهدد النسيج الاجتماعي والثقافي ومنظومة القيم مما يؤدي إلى انهيار الدولة بمؤسساتها المختلفة باعتبار المدرسة المصدر والمنبع لتخريج اجيال قادرة على التنافس وبناء المجتمع والدولة على اسس الاستحقاق والكفاءة وتكريس مبدأ المسؤولية والمحاسبة؟ و سؤال ما العمل ؟ موجه أساسا للمشرفين من بعيد أو قريب بشكل مباشر أو غير مباشر على العملية التربوية برمتها لإيجاد أجوبة حقيقة وسريعة تعيد المدرسة المغربية إلى الطريق الصحيح. ذلك أن قطاع التربية والتعليم هو القطاع الحساس والخطير الذي يحتاج الى سياسة التكوين الشمولي والمتواصل والفعال والمراقبة التربوية لجميع عناصر العملية التعليمية التعلمية وكل المؤثرات الاخرى وخصوصا الاعلامية. إن الهدف من الحديث عن هذا الموضوع هو اثارة التنبه الى الظاهرة السلبية الخطيرة التي تدمر المنظومة التعليمية شيئا فشيئا بهدف التفكير سويا في الحد منها في افق ال قضاء عليها لفتح نقاش جدي وعلمي حول الظاهرة وإخراجها من دائرة التخمين الى دائرة البحث العلمي. مصطفى هطي أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي