الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. ما أحوجنا اليوم أكثر مما مضى إلى التسامح، هذا الخلق الجميل ليطهر قلوبنا من البغضاء،وأرواحنا من الشحناء،ونفوسنا من الضغائن،وليجمع بيننا فلا نتخالف، ويقرب بيننا فلا نتباعد،ويحببنا إلى بعضنا فلا نتباغض، ويصل بيننا فلا نتقاطع.عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره ، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه) رواه مسلم إن ديننا الإسلامي دين التسامح، فكيف خالفنا دينناوابتعدنا عن هذا الخلق النبيل كل هذا البعد،حيث إذا نظرنا حولنا لا نجد إلا الكراهية والحقد والشنآن،والتحاسد والتباغض والتدابر، فهذه قطيعة بين أخ وأخيه، وهذا خصام بين جار وجاره، وهذه عداوة بين صديق وصديقه، وهذه كراهية بين زوج وزوجه، وكل هذا يؤدي الى نتائج سلبية تنعكس على الفرد والأسرة والمجتمع. ألم نقرأ ما جاء في كتابنا العزيز من آيات تدعو إلى التسامح والعفو والصفح ؟ وما يناله المتسامح من أجر عظيم. قال تعالى:﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا̔أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ̔وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ̔﴾النور22 وقال عز من قائل:﴿ سَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالارضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ̔ وَاللَّهُ يُحِب الْمُحْسِنِينَ̔﴾آل عمران133-134 وقال عز وجل:﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَة وَلَا السَّيِّئَة̔ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَة كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ̔﴾فصلت:33 وقال جل وعلا:﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ̔﴾سورة الحجر:85 ألم نقرأ سيرة رسولنا الكريم العطرة وما زخرت به من مواقف عظيمة في الحلم والعفو والصفح والتسامح؟وإن أعظم موقف عفو وتسامحلم يعرف مثله في التاريخ، هو الموقف الكريم الذي وقفه النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة منأولئك الذين آذوه، وكذبوه، وحاولوا قتله، وأخرجوه،وهم ينتظرون ما هو فاعل بهم، [فقال فيما قال ساعتئذ: ( يامعشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ ) قالوا : خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اليومأقول لكم كما قال أخي يوسف) : ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ̔اليَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ̔وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ̔﴾اذهبوا فأنتم الطلقاء).]السيرة النبوية/د.مصطفى السباعي. - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى.(رواه مسلم) إن التسامح لا يعني الضعف أو الانهزامية كما يعتقد البعض، ولا يعني أيضا إفساح المجال لتكرار السلوك السيء،أو منح الفرصةلمعاودة الإساءة. بل التسامح هواحتساب الأجر من الله تعالى، وهو انتصار على النفس الأمارة بالسوء، وهو العيش في سعادة وطمأنينة. قال الشافعي:لما عفوت ولم أحقد على أحد ◊◊◊أرحت نفسي من همﱢ العداوات وقال الشاعر أبو الفتح البستي: وإن أساء مسيء فليكن لك في ◊◊◊ عروض زلته صفح وغفران وقال أبو حيان التوحيدي :"من عاشر الناس بالمسامحة ، دام استمتاعه بهم". وقال تولستوي: "عظمة الرجال تقاس بمدى استعدادهم للعفو والتسامح عن الذين أساؤوا إليهم " وإن عدم التسامح يعني فتح الطريق للشيطان ليوقع العداوة بين الطرفين، ويملأ القلوب بالحقد والكراهية،ويحرض على الانتقام والانتصار للنفس، ويشجع على الكبر والاستعلاء. يجب علينا أن لا ننسى أننا كلنا نخطئ ونحب أن يصفح عنا ويغفر لنا، فلنتسامح، ولنغفر زلات بعضنا ، ولنلتمس الأعذار لكل من أخطأ في حقنا. والحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . ذ.أحمد الحجاجي