شاءت الأقدار أن تجعلني ألج عالم البادية و تطلعت إلى واقع الإنسان القروي ومعاشه فيها و بتجربة متواضعة في خدمته كمستشار جماعي بالجماعة القروية لعين لحصن اقليمتطوان وبتواصلي المستمر مع الجماعة والقيادة و عدد من المصالح الحكومية و المدنية راكمت معها تجارب وسعت مداركي لهذا العالم و كنت أعتقد أن الانسان القروي هو محور أساسي في تخلف عالمه ولكن لربما تغيرت قناعتي واكتشفت أن هناك معطيات وواقع يتخطى ادراكه وقدراته في تغيير وتخطيط معالم التنمية في عالم البادية الذي لربما أضحى عالة على المدينة بدل أن يكون شريكا وداعما للتنمية فمع غياب رؤية واضحة المعالم لدى مصالح المؤسسات الرسمية بداية بالجماعة القروية وانتهاء بسلطات الوصاية وانعدام استراتيجية عمل تتوخى النهوض بهدا العالم المتخلى عنه لحقب طويلة ورغم يقيني بأن التنمية تتطلب بدورها نهضة اجتماعية واقتصادية قبل أن تكون تشريعية لكنني أكاد اجزم بأن واقع الحال تحيط به اكراهات ذاتية وأخرى موضوعية لكنها ليست بأي حال من الأحوال مستحيلة أو عقبة لا يمكن تخطيها . تنطلق معالم التخلف بمظاهر ساسية منحرفة وفاسدة فعندما تنتج الانتخابات في العالم البدوي نخب وقد لا ترقى لتلك الدرجة تحتكر العمل السياسي المختلف وقد يكون في كثير من الأحيان فاسدا وتمتهنه وتتقن فنن التخفي والصعود وبشكل أو بآخر يتواطؤ معها جهل وفقر الانسان البدوي وادارة متخلفة يسود منهج يؤمن بالتميز واستحالة جعل العالم القروي عجلة ضرورية للنهوض بالمدينة بل يصير عبئا تتحمل تبعاته المدينة بدل ان يكون شريكا . على الرغم من إدراك التشريع الجماعي وربما تطوره النوعي ونصه على ضرورة اعداد مخطط للتنمية ففي اعتقادي جماعة عين لحصن ولعلها على غرار عدد آخر من الجماعات القروية في ظل الادارة الحالية لم تدرك أهداف التنمية في العالم القروي ومعانيه ونتائجه وأعتقد بتجربتي المتواضعة يعود الى استشراء الفساد وبدون أي مسائلة أو تتبع أو مواكبة خاصة من أطراف فاعلة من المواطن القروي الى الإدارات الوصية على تنفيذ بعض المشاريع التنموية خاصة تلك المرتبطة بالبنيات التحتية فتستمر الأعطاب تلو الأعطاب يتطلب معها الاصلاح طاقات هائلة ويبقى المجني عليه العالم القروي بكل مكوناته حتى أن تبعاته تلحق المدينة . مذكراتي حول جماعة عين لحصن القروية ترتبط بالواقع المعيشي اليومي للانسان والارض بالبادية هذه الجماعة متميزة بقربها من المجال الحضري بل يتداخل فيها وتحتل موقعا استراتيجيا وتتمثل معطياتها الجغرافية فيما يلي / مساحتها الإجمالية حوالي عشرة ألف كلم مربع معظمها جبال وتلال نسبة السهول فيها لا تتعدى عشرون في المائة ويبلغ عدد سكانها قرابة سبعة ألف نسمة وفي تناقص مستمر مع وعدد دواويرها أربعة عشر لغاتها العربية وبكثافة سكانية ضعيفة لا تتعدى سبعين نسمة في الكلم مربع فيما يتعلق بحدودها شمالا جماعة السوق القديم وجماعة اجوامعة وشرقا جماعة السوق القديم وجماعة السحتريين وجنوبا جماعة بني حرشان وجماعة السحتريين وجماعة ابغاغزة وغربا جماعة بني حرشان . فيما يتعلق بالخصائص الديمغرافية هناك دراسة ميدانية انتهت إلى نتائج تفيد ارتفاع نسبة الذكور عن الاناث وفيهم نسبة مرتفعة من الفئة النشيطة والشابة لكن هذه الفئة الأخيرة بدأت تتقلص بسبب عوامل متعددة لعل أبرزها الهجرة فيما يتعلق بالمؤشرات الثقافية والاجتماعية نسبة الأمية تكاد تقارب سبعين في المائة وهي تمس بشكل خاص النساء نتيجة عوامل متعددة لعل أبرزها الانقطاع المبكر عن الدراسة وانحصار الآفاق مع انعدام الاعدادية والثانوية وضعف القدرة المعيشية وهذا يؤثر في معيشة السكان ويرفع نسبة البطالة حيث يعيل فرد أربعة أفراد من أسرته كما أن المجال الصحي بدوره متخلف اذا استثنيا وجود مركز صحي غير مجهز بأي معدات لوجيستيكية فيكفي القول أن المرأة لقروية تحمل في محمل الأموات لتنقل لأقرب نقطة حضارية تطوان لتضع مولودها . فيما يتعلق بالمؤشرات الاقتصادية والفلاحية هناك انحصار للمساحات المزروعة أو المغروسة لا تتعدى نسبة أربعين في المائة ووجود مجال غابوي مهم يقارب أربعين في المائة من المساحة الاجمالية لكنه متخلف نتيجة تخلف الإدارة الوصية وحتى الانسان البدوي ولا يخضع لاستثمار يعود بالنفع على الساكنة بل قد يتحول الى مجال محظور ويرتب جزاءات صارمة في حق القروي ولا تساهم ثرواته في تنمية أوضاع الساكنة لكنه مجال منتفع به من طرف جمعيات محتكرة لثرواته في الصيد كما أن مستوى الثروة الحيوانية لم يتطور نتيجة غباب كلي لتنظيم هذا المجال أو حتى برامج توجيهية أو تخلف تدخل الأطراف الفاعلة من الجماعة الى الوزارة الوصية على القطاع . أما الحديث عن الموارد المائية فهي غير مستقرة غياب أي تنظيم في استغلالها سواء منها الجوفية أو سطحية ومع مرور الزمن تكاد تصير منعدمة خاصة في الفترات الأخيرة التي اضحت معها الساكنة تعاني ويلات اقتناء الماء مما يحدث آثار انعكاسية على معيشتها من الأرض والحيوان . لعل أكبر عائق تنموي يعزل هذا العالم القروي عن محيط هو غياب مشاريع اقتصادية منتجة للعمل وللرأسمال وحتى مع وجود مركز عين لحصن لم يشهد أي تطور يذكر ويعاني من صعوبات بنيوية تعيقه في تحقيق ذلك وبالأخص تخلف البنيات التحتية التي لا تربطه بمحيطه القروي والتي يعوذ معظمها للحقبة الاستعمارية وغياب أي برنامج جماعي لتخطي هذه العقبة منذ عقود من الزمن مجمل الدواوير التابعة للجماعة لا تبعد عن الطريق الوطنية في المعدل المتوسط خمس كلمترات تظل معظم السنة في عزلة عنها خاصة في الفترات المطرية . على مستوى تدبير الطاقة بالمنطقة إذا استثنينا الطاقة الكهربائية التي استمر انجازها قرابة ثلاث عقود من الزمن ولا زالت مناطق شاسعة محرومة من الاستفادة فضلا عن مشاكل حقيقية في الصيانة وضمان استمرار الخدمة يمكن القول معها أن نتائج المرجوة من هذا الحافز التنموي لازالت معطلة ومتأخرة بل هناك حالة فوضى حقيقة في التدبير خصوصا مع إحالة أحد مسؤولي المكتب الوطني للكهرباء الى القضاء بسبب الفساد . فيما يتعلق بتشخيص أوضاع الموارد المالية للجماعة القروية تكاد تكون العوامل السلبية طاغية على العوامل الايجابية هناك غياب حقيقي للحفاظ على التوازن المالي للميزانية بحكم فوارق مخيفة بين المصاريف والمداخيل انعدام أي مخطط لتحفيز الميزانية وتشجيع الاستثمار والاعتماد القوي على ضريبة القيمة المضافة و ضعف مستمر عبر عقود من الزمن في النشاط التجاري وغياب المشاريع المدرة للدخل ووجود اختلالات بين مستوى التخصيص والاعتمادات وصرفها وجود مظاهر اخلالات مستمرة في تدبير بعض مشاريع الجماعة كبناء العيون والآبار وفتح الطرق وتعقد المساطر الادارية خاصة في مجال البناء وانحصاره والتسبب في طغيان المخالفات المتعمدة والمتواطئ معها لا ننسى أن أجور الموظفين الذين أغلبهم أعوان مستواهم لا يرقى الى مستوى الأطر و تستنزف قرابة كل الميزانية حوالي ثمانين في المائة و جلهم وضعن رهن اشارة ادارات أخرى خاصة عند وزارة الداخلية . أعتقد أن أفق تنمية واقع العالم القروي وخصوصا واقع جماعة عين لحصن في ظل المعيقات الحالية وفي ظل التدبير القائم منذ قرابة ثلاث عقود سيظل منحصرا بل ومعيقا للتنمية بمحيطها وتمتد تبعاته إلى المدينة و بدون أي تغيير يذكر في ظل غياب مخطط واقعي مستمر وفي ظل انحصار الموارد المادية والبشرية وفي ظل تخلف الوعي القروي والسياسات الانتخابية الفاسدة التي تعيد إنتاج واقعها في حلقة مغلقة رغم تلمسي لإرادة الإنسان القروي في التحرر والوعي خاصة فئة الشباب منهم الذي تطلع الى واقع تجارب المدينة المحيط به ورغبته في بناء شراكة حقيقة بين المحيطين ومتوازنة