"وراء سلطانة تطوان شقيق عظيم"، ربما هذا المقال سيترك استهجانا لدى ما يسمى بالحركة النسائية أو النسوية، حيث سيعتبرون وجود رجل قوي وشهم وذو أخلاق نبيلة، باعتراف النصارى والمسلين واليهود، هو انتقاص من الشخصية القوية للست الحرة أميرة جبالة، وسلطانة تطوان. الحقيقة هو أننا لا نرنو إلى أي تقليل، من قوة وعظمة هذه الشخصية النسائية، و التي نعترف أننا لم نجد لها مثيلا في الواقع العربي الإسلامي على مر العصور، لكن كما يقول "لينين" "الوقائع على الأرض عنيدة". وبناء عليه فإنه من الصعب أن نقفز على بعض الحقائق، لأن أعمال قواعد الموضوعية والإنصاف، تفرض علينا أن نلقي الضوء على الدور المحوري الذي قام به شقيق الست الحرة، الأمير "مولاي ابراهيم بن علي بن راشد"، في دعم ومؤازة أخته، في السراء والضراء ،حتى وصلت تلك المكانة الرفيعة، التي لم تصلها كل نساء العرب والمسلمين سواء في الشرق أو الغرب. وبالرجوع إلى المصادر التاريخية المختلفة، ونقصد بها المصادر العربية الإسلامية والمصادر البرتغالية الإسبانية، فإنها تشير إلى كون الأمير "مولاي ابراهيم بن راشد"، لما تم تعيينه وزيرا لدى سلطان فاس" أحمد الوطاسي" ،قام بتنصيب ابن عمه الأمير "علال بن موسى بن راشد العلمي"، قائدا على شفشاون، ومنذ ذلك الحين أصبحت المصادر الأجنبية، تطلق على الست الحرة صفة "سلطانة تطوان"، بدل لقب "قائدة" تطوان. ويستشف من ذلك، أن ترقية "الست الحرة" وجعلها سلطانة على تطوان وحاكمة بحار المنطقة الشمالية، تم بفضل شقيقها "مولاي ابراهيم" ،الذي كانت له حُظوة كبيرة لدى سلطان فاس حيث بعد الوزارة ،قلده منصب كبير مستشاري البلاط ، وجعله ساعده الأيمن. أما المعطى الثاني الذي برز فيه بجلاء ،الموقف الأخوي النبيل لشقيق الست الحرة اتجاهها ، هو حين عصت هذه الأخيرة، أمر سلطان المغرب ،الذي كان قد وقع للتو، معاهدة "سلام" مع المملكة البرتغالية ،حيث اعترضت "الست الحرة" بشدة، على بعض مضامين هذه الاتفاقية. وفي هذا الصدد تشير المصادر التاريخية، أن "الست الحرة" إلتمست من سلطان فاس أن يستثني ميناء وادي "مرتين" والعرائش، من معاهدة السلم والصداقة، وذلك حتى تتمكن سفن القراصنة الذين كانوا يعملون تحت امرتها، الانطلاق من الموانئ المذكورة، للهجوم على سفن النصارى بمضيق جبل طارق وبحر الظلمات. وبفضل التدخل القوي والمؤازة، التي حظيت بهما الست الحرة من طرف شقيقها مولاي ابراهيم لدى سلطان فاس، تمكنت في الأخير من فرض كلمتها على الامبراطورية الاسبانية والمملكة البرتغالية، وهو ما جعل منها العدوة رقم واحد، للممالك الأوروبية المسيحية، فاتحدوا جميعا من أجل معاقبتها. موقف مشرف آخر يحسب للأمير" مولاي ابراهيم" اتجاه شقيقته الست الحرة، تشير إليه المصادر التاريخية سنة 1536ميلادية، حين أرسل "مولاي ابراهيم" من مدينة مكناس على وجه السرعة أحد كبار قادته من أجل مساعدة "سلطانة تطوان"، على تمتين تحصينات الأسوار المحيطة بالمدينة، حتى تستطيع مواجهة الجيوش الاسبانية والبرتغالية، بعد أن ضاق ملوك شبه الجزيرة الابيرية ذرعا ،من اتساع نفوذها بعموم منطقة غرب المتوسط. ويكشف هذا الدعم المقدم لتشييد التحصينات لحماية تطوان، من الهجوم الكاسح، مضمون الرسالة التي بعث بها حاكم مدينة وهران الاسباني "الكونت ألكاوديطي "الى ملك اسبانيا، يخبره فيها بالقائد القادم من مدينة مكناس" والتي تكمن مهمته في إعداد العدة، لمواجهة الزحف الاسباني البرتغالي، وينبهه أن الحملة المزمع شنها فقدت طابع المباغتة، لأن الست الحرة كانت مستعدة لهاته المواجهة، من خلال نصب 15 مدفع على أسوار تطوان، وتجهيز 25 سفينة مخصصة للقتال البحري . يذكر أنه بعد وفاة شقيق الست الحرة "مولاي ابراهيم" فقدت هذه الأخيرة أهم سند كانت تلجأ اليه في أوقات المحن والشدائد والمؤامرات، والدليل على ذلك ،أنه بعد وفاته، تجرأ التطوانيون فأقدموا على عزلها عن عرش تطوان ،والسطو على جميع ممتلكاتها .