بمناسبة اختتام حملة دفئ الشوارع الثالثة للعناية بالمشردين نظمت جمعية رواحل الخير ندوة حول التشرد في تطوان – الواقع والمسؤوليات – وذلك يوم السبت فاتح ابريل 2017 على الساعة الخامسة مساء بقاعة الجلسات محمد أزطوط التابعة لجماعة تطوان بهدف دراسة الابعاد المختلفة لظاهرة التشرد واثارها في المجتمع التطواني بغية التوصل الى المعالجات العملية والعلمية الكفيلة بتقليص هذه الظاهرة والحد من تفشيها وانتشارها المتزايد. غاب عن الندوة الدكتور أحمد طرمش – الباحث في الشأن الديني و الحوار الحضاري – بسبب وفاة أمه المغفور لها، وقد تلا الحاضرون سورة الفاتحة على روح الفقيدة داعين الله عز وجل أن يسكنها أعلى الجنان ويلحقها بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
بعد تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، والكلمة الترحيبية لرئيسة الجمعية السيدة سعيدة النكراج تحدث الأخ سمير شقور – منسق النسخة الثالثة لحملة دفئ الشوارع – بالأرقام قائلا : أن المرحلة الثالثة عرفت 14 جولة وشارك فيها أزيد من 114 متطوع وتمت تغطية أزيد من 298 حالة وزعت الجمعية فيها أكثر من 600 غطاء و1300 وجبة عشاء كاملة هذا وقد عرفت عملية التوزيع ارتفاعا ملحوظا بعد الجولة العاشرة حيث وصلت إلى 155 وجبة في اليوم. وتضمن منهاج الندوة عرض جنيريك قصير حول حملة دفئ الشوارع للعناية بالمشردين من اخراج وانتاج الأخ عمر زبيدة. تحدث فيه بالصور المعبرة عن المجهودات التي يقوم بها ثلة من شباب وأعضاء ومتعاطفي جمعية رواحل الخير للتخفيف من معاناة المشردين الاجتماعية والنفسية.
المداخلة الأولى كانت للدكتور أحمد المطيلي – أخصائي نفسي – اقتصر فيها على الجانب المتعلق بالطفل حيث تحدث عن دراسة أجراها بمعية إحدى الجمعيات في تطوان أبرزت أن الظاهرة ذكورية بامتياز وأسفرت عن استنتاجات ثلاث: 1- طفل للشارع: هو ذاك المقبل على التشرد بسبب غياب أحد الوالدين أو كلاهما فضلا عن أسباب أخرى كالهدر المدرسي أو غيره. 2- طفل في الشارع: هو ذاك الذي يقضي وقتا معينا في الشارع إما بالتغيب أو الانقطاع عن المدرسة. 3- طفل الشارع: وهو الذي يقضي جل أوقاته في الشارع معاشا ومبيتا تصل إلى شهور عدة. كما أعطى نموذجا لأشهر طفل عاش في الشارع والذي قضى جل طفولته بين الجوع وقسوة الأب ومرارة العيش إلى أن وصل الخامسة عشرة من عمره حيث التحق بالمدرسة لتجعل منه كاتبا مرموقا ومثقفا فذا، ألا وهو صاحب كتاب الخبز الحافي – محمد شكري. بعد ذلك شرعت الأستاذة رجاء الأندلسي – محامية – بعرضها حول المقاربة القانونية لظاهرة التشرد معتبرة أن الأمن القانوني لا محيد عنه لمعالجة الظاهرة بشكل صحيح عوض مقاربات أخرى كالمقاربة الأمنية مثلا. مستعرضة بعض الفصول من القانون الجنائي وخصوصا الفصل 329 الذي يعطي الحق لرجال الأمن التدخل ضد المشردين. وقد تساءلت المحامية في مداخلتها عن مدى اعتراف الدولة بهذه الفئة الضعيفة من المجتمع معبرة عن استيائها من وسائل الإعلام التي اعتبرتها مقصرة في حق المشردين بعدم تسليط الضوء على ظاهرة التشرد معتبرة أن أغلب الضحايا هم أطفال يجب الأخذ بأيديهم سواء من طرف الأبوين أو المدرسة أو المجتمع مستدلة على ذلك بالمادة 54 من القانون الجنائي الذي يعطي للأبناء حقا على والديهم.
وفي مداخلة لها اعتبرت الأستاذة أمينة بن عبد الوهاب – نائبة رئيس الجماعة الحضرية لتطوان – أن معالجة ظاهرة التشرد مسؤولية الجميع بما فيها الأسرة مشيرة إلى أن الدور الوقائي له أهمية كبرى لتطويق الظاهرة والتغلب عليها. وكمؤسسة منتخبة، تقول بن عبد الوهاب أننا نريد التعاون مع الأسرة المعرضة للتشرد شريطة الاحتفاظ بالأبناء، وأن كثيرا من الأسر تخلت عن أبنائها بذريعة أو بأخرى بسبب الفقر والطلاق، معللة ذلك بأم أرادت التخلي عن أبنائها الخمس ولولا لطف الله وتدخل بعض الجمعيات لكان الأطفال في الشارع، كما نوهت الأستاذة بالجمعيات التي تهتم بالفئة المشردة وعلى رأسهم جمعية رواحل الخير. و أكدت رئيسة الجماعة الحضرية لتطوان أن دور مراكز الإيواء لا يكفي لتطويق الظاهرة وإنما المقاربة الوقائية يجب أن يكون لها دورا رياديا، مؤكدة أن الجماعة الحضرية لتطوان تعتبر نفسها مسؤولة عن هذا الملف من خلال البرنامج الجماعي 16 – 21 وخصوصا في محوره الخامس الذي يثمن الرأس المال البشري ب 37 مشروع أربع منها للفئة الهشة، وقد استعرضت تجربة التماسك الاجتماعي الذي يضع سياسة موحدة لدعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفئة ذاتها بمعية بعض الجمعيات بالمدينة.
وكانت المداخلة الأخيرة للأستاذ معاد الحر – مندوب التعاون الوطني بتطوان – أبرز فيها أن الدراسة الميدانية والمشرفة على نهايتها تعطي المؤشرات التالية: -الظاهرة في تصاعد مستمر. -النتائج الأولية: 200 مشرد بتطوان، نسبة الذكور %92 ونسبة الإناث %8. - تطوان مدينة مستقبلة للتشرد بنسبة %96 - المشردون بسبب إعاقة ذهنية %60 - المشردون بسبب التفكك الأسري %22 - المسنون 12% - آخرون 6% وقد عزى أسباب كل ذلك إلى: - أسباب نفسية %24 - أسباب سياسية %6 - ويبقى الفقر والعنف الأسري وصعوبة الإندماج من الأسباب القوية للتشرد مسجلا غياب مؤسسة متخصصة لمواكبة الأسباب الاجتماعية. كما اعتبر الأستاذ معاد الحر أن حلولا آنية لتطويق ظاهرة التشرد بتطوان يتم عبر عمل منهجي في زمان ومكان محددين، مؤكدا أن التشرد في تطوان لا علاقة له بالإجرام. بعد ذلك فتح الباب للمناقشة وتعقيبات الحاضرين وأسئلتهم لإغناء الندوة بالملاحظات المباشرة والتفاعل بين المتدخلين والمعنيين بقضية التشرد فعقب الحاضرون بملاحظات وأسئلة وإيضاحات اسهمت في اعطاء بعداً علميا وواقعياً لهذه الظاهرة الأليمة. وخلصت الندوة إلى عدد من الاستنتاجات والتوصيات تلاها الأخ التهامي خمليشي تلخصت في: - خلق آليات التعامل مع ظاهرة التشرد بهدف التقليص أو الحد منها. -تقييم ظاهرة التشرد وذلك بتنسيق مع الجهات المعنية الرسمية والفاعلين الاقتصاديين من خلال بحث اجتماعي يجب أن ينزل فيه الباحث إلى الميدان والهدف من ذلك: - أ – تعريف مفهوم التشرد الحقيقي. - ب – محاولة حصر من هم المشردون. كما أوصت الندوة بضرورة التصدي لهذه الآفة الخطيرة وذلك عبر محورين أساسيين هما: 1- المحور الأول: على المستوى الوقائي - يجب أن يكون للمدرسة دور ريادي بالتعاون مع الأسر للحد من الهدر المدرسي. - تكثيف الجهود لإدماج وتأهيل الفئة العمرية الأقل من 20 سنة المنقطعين عن الدراسة أو الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة وإعطائهم فرصة فرصة دراسية ثانية في إطار التربية الغير النظامية مع تبسيط المساطر. -تفعيل بعض بنود مدونة الأسرة لحل بعض المشاكل الأسرية المؤدية للطلاق والتفكك الأسري ومعالجتها بحكمة. - المساعدات التوجيهية عن طريق وسائل الإعلام وخطب أئمة المساجد وجمعيات المجتمع المدني من أجل التوعية والتحسيس لصالح الأسر الضحايا والأوساط المهددة بالتشرد، وقد ساهمت جمعية رواحل الخير بإعادة ما يناهز 20 حالة لدفئ ذويهم خلال النسخة الأخيرة من مرحلة دفئ الشوارع كما ألحقت حالتين بدار المسنين ببوسافو. -تفعيل وإحياء ثقافة التكافل الاجتماعي ليكون فاعلا في حياة الناس. -تشجيع ثقافة كفالة اليتيم.
2- المحور الثاني: على المستوى العلاجي -تقديم المساعدات الطبية والاجتماعية بتدخل أطباء نفسانيين ومرشدين دينيين وخبراء اجتماعيين لتشخيص الأعراض وإعطاء الإرشادات حسب الحالات. -تسهيل ولوج وإدماج المشردين وخصوصا الشباب منهم للاستفادة من المرافق الرياضية والترفيهية لدور الشباب بالمدينة. - الدعوة إلى المساعدات المادية والعينية للأسر المشردة أو المهددة بالتشرد. - ينبغي إحداث مراكز الإيواء اجتماعية وجماعية في أحياء المدينة عبر إحياء الوقف الديني مع مراعاة ما يطبع الظاهرة من تنوع الخاصيات الفكرية والاجتماعية والنفسية والبدنية للمشردين سواء كانوا أطفالا أو مسنين. - وأخيرا يجب الاستفادة من تجارب الآخرين وخصوصا من الدول التي حققت نجاحا في علاج ظاهرة التشرد. وفي الأخير وزعت جمعية رواحل الخير شواهد تقديرية على الأساتذة المحاضرين اعترافا وامتنانا لمجهوداتهم القيمة. واختتمت الندوة بحفلة شاي تبادل فيها الحاضرون والمحاضرون أطراف الحديث حول محاور الندوة التي لقيت تفاعلا واستحسانا من الجميع منوهين بدور جمعية رواحل الخير في هذا المجال ليتم الإعلان عن انتهاء فعاليات الندوة في تمام الساعة الثامنة والنصف مساء. الندوة كانت من تسيير الصحفي المقتدر – يوسف بلحسن - كتب التقرير: التهامي خمليشي – عضو جمعية رواحل الخير -