أكثر وأقوى الأساليب تنكيلا بجبروت الموت، هو الهُيام بحرث الأرض وغرس الأظافر في تربتها المفعمة بتراتيل التسبيح… ترسل الحياة شبيهاتها المدللات إلى رواد المتع المحرمة، حتى تبقيهم عبيدا لغرائزهم المنهزمة… يقال إن الحياة ماكرة، هي كذلك، لكن بالنسبة لمن يعيشها بالحيل والمراوغات… الموت زائر مفاجئ لأعراس الحياة الباذخة… من عاش الحياة يزهد العارف بنواميسها، جاءه الموت في صورة وخز بسيط بدون ضجيج… دراما الإنسان، أنه تعود كثيرا على الحياة، لهذا يهزمه الموت بسرعة… ليس الموت مسحا، أو كنسا للوجود، أو إعداما للحياة، بل هو جزء من منطق الحياة كما أرادها الخالق أن تكون… يساعدنا الإيمان على تخطي الكثير من مناطق الظلام في جدل الموت والحياة… الحياة موصولة بخيط رفيع إلى الملكوت، لهذا لا ينبغي الذهول عندما يقرر الخالق قطع هذا الخيط لأمر لا يعلمه إلا هو… تعود الحياة إلى أعشاشها الأولى بعد كل موت… الحنين إلى الحياة الأبدية يخفف من ألم الخوف من الموت… من سار كثيرا وراء الجنازات، هتن عليه الموت عندما يشرع في قطف أقرب الناس إليه… الإقبال على الحياة باعتدال الحكماء، يحمينا من خطر الغوص في أوحالها القاتلة… العبرة من الموت واضحة، أن يعيد الإنسان النظر في ثقته المفرطة في الحياة… لا قيمة للحياة إذا لم يهاجم الموت قلاعها… بعد الموت تتحلل أجسادنا لتلتحم بالأرض مهدها الأول، أما الأرواح فتلتحق بمراعيها الأولى لتستأنف رحلتها في عالم الغيب… بين الرحلتين وحي يرسم لنا معابر النجاة… العنوان: “حوار العقل والروح” للكاتب: عبد الإله حبيبي | باحث في علم النفس التربوي