وَكَذَالِكُمْ أَذْوَاقَنَا وَمِيَاهَنَا. حَتّى تَلَوَّثَ رِيحُهَا وَمَذَاقُهَا فَرَمَى الْأَذَى أَرْوَاحَنَا وَقُلُوبَنَا. مَنْ كان يتصورُ أنَّ النبعَ الصافيَ الذي نَهَلَتْ مِنْهُ الحمامةُ البيضاءُ عبر امتدادِ تاريخِها، يتكدرُ وَيَتَعَكَّرُ بشكلٍ مخزٍ، فَتَصِيرُ رائحتُهُ نَتِنَةً تَزْكِمُ الْأُنُوفَ، وَمَذَاقُهُ مُقْرِفًا يثيرُ الغثيانَ، ولم يكن ذلك من شأنه قبل الآن، فقد كان على الدوام مضربا للأمثالِ في الحلاوةِ والعذوبةِ. قيل إن الجهاتِ المختصةَ قد قامت بإجراءاتها التحليليةِ المخبرية، فوجدت المياهَ مطابقةً لكل المعاييرِ والشروطِ، وأنه لا خطرَ يتهددُ صحةَ المستهلك، ولكنهم لم يتحدثوا عن هذه النتانةِ في الرائحةِ، وعن ذلك المذاقِ الْمُقْرِفِ، ما مصدره؟ وما سَبَبُه؟ فهل نَجْذَعُ أنوفنا؟ وَنَقْطَعُ أَلْسِنَتَنَا؟ كيف اختفت في لمح البصرِ تلك الحلاوةُ والعذوبةُ من مِيَاهِنَا، وأصبحنا نَشْتَمُّ فيه رَائِحَةً كَرِيهَةً، وَنُحِسُّ بطعمٍ غريب؟ ألم نقرأ في مدارسنا: (الماءُ لا لونَ له ولا طعمَ ولا رائحة) فكيف تبخرت هذه القاعدةُ في طَرْفَةِ عين؟ وكيف أصبحَ له طعمٌ وَلَوْنٌ وَرَائِحَة؟ لا وأيُّ لَوْنٍ وأيُّ طَعْمٍ وَأَيَّةُ رَائِحَة.