يشكل العمل الجمعوي في البلدان المتحضرة أحد الأركان الأساسية في تأطير المواطنين وتمثيلهم حيث أصبح معولا عليه في التعبير عن طموحاتهم من أجل لعب دور الوساطة بين المجتمع وباقي الجهات سواء كانت سلطة أو منتخبين أو غيرهم، وذلك عن طريق المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات وصنعها وبلورتها ومتابعة تنفيذها بل وممارسة الرقابة الأدبية على الهيئات المنتخبة والتنفيذية في قيادة المسيرة التنموية. خصوصا و أن النسيج الجمعوي يتمتع بقدر وافر من الضمانات الفعلية التي يتمتع بها من استقلالية مالية وإدارية وحياد تام عن أي تموقع سلطوي، سياسي أو انتخابوي، بذلك أصبح قوة اقتراحيه فعالة و منظمة تسهم في تفعيل التنمية الشاملة و المستدامة و في العمل على تحقيق هذه التنمية في مجالات شتى. ومن دون أن ندخل في لعبة الأرقام عن التكاثر السرطاني الذي يعرفه النسيج الجمعوي بالمغرب، خصوصا بعد الخطاب الملكي السامي سنة 2005 حول المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حيث أن العديد من المصادر تؤكد أن العدد وصل إلى ما يناهز المائة ألف جمعية. وما وازاه هذا التكاثر من ظهور جمعيات ذو مصداقية متجردة من الذاتية تخدم الصالح العام وأخرى فئوية فاقدة للمصداقية تخدم مصالح خاصة فئوية،وهكذا فإن بعض الجمعيات أصرت على إفراغ العمل الجمعوي من مضمونه ومراميه النبيلة مساهمة في تمييعه وإفراغه من محتواه، والمتأمل في الواقع الجمعوي بالمغرب أصبح يدرك جليا أن مظهرا جديدا من مظاهر الفساد يسمى بالفساد الجمعوي أصبح يطفو على السطح، فماذا نقصد بالفساد الجمعوي ؟ إذا كان الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في 03 جمادى الأولى 1378 ه (15 نونبر 1958م) المنظم للجمعيات والهيآت المشابهة والتعديلات المدخلة عليه قد فسح مجلات واسعة في ظاهرة التفريخ الجمعوي – وهي ظاهرة صحية لا محال – حيث أصبح تأسيس الجمعيات في بلدنا سهلا ميسرا يهم مجالات عدة، فإن بعض الجهات استغلت كل هذا التيسير لخلق جمعيات لخدمة أهداف معينة بمباركة مسؤولين محسوبين على السلطات المحلية والإقليمية والمجالس المنتخبة بغرض محاصرة بعض الفاعلين الجمعويين الجادين، أو طمعا في الاسترزاق، أو لأهداف انتخابوية، وقد يتم التخلي عن هذه الجمعية أو ذاك بمجرد الانتهاء من المهمة الموكولة لها، ولعل استغلال ضعف التكوين أو ضعف المستوى الدراسي لفاعلين محسوبين على الحقل الجمعوي من طرف الانتهازيين الذين وجدوا في العمل الجمعوي حقلا خصبا لممارسة فسادهم دون حسيب ولا رقيب بعيدين عن أعين الناس جاعلين مستغليهم في الواجهة يحركونهم متى شاءوا وكيف ما شاءوا لتعبيد الطريق نحو غلاف مالي لمشروع تنشيطي أو تنموي يبقى حبرا على ورق، أو للقضاء على أي محاولة خلق عمل جاد من طرف جمعيات يرون فيها منافسا قد يفضح أسرارهم، أو لغرض انتخابوي محض يريدون مراكمة الولايات الانتخابية وكل أشكال التحايل السياسي. ويرى العديد من الباحثين أن التحولات الذي عرفها الحقل الجمعوي بالمغرب في غالبها ليس إلا جزءا من امتدادات ثقافية وتربوية وكشفية لهيئات سياسية أرادت من خلاله أن تشكل أذرعا لحملاتها الانتخابية ومعاركها الأخرى، ضاربة بذلك مصلحة المواطن وتنمية المجتمع عرض الحائط متجهة نحو انحرافات الحركة الجمعوية، إذ نجد أن شخصا واحدا يترأس عدة جمعيات وفي مجالات عدة، أو أن نجد جمعية تنظم أنشطة ليس لأعضائها دراية بما يفعلون – وهذا على سبيل المثال لا الحصر - . كما أن هناك جمعيات لا تعرف إلا باسم رئيس واحد وأوحد، متاجرين بذلك في هموم ومآسي المواطنين في أنشطة تبدو في ظاهرها تنموية ترصد لها مبالغ مالية مهمة غالبا ما تصرف في ولائم عمل وتخفي وراءها أهداف تذر على أصحابها والمتواطئين معهم أرباحا مادية ومعنوية جمة. إن هذه التحولات والانحرافات التي عرفتها الحركة الجمعوية ببلادنا ساهمت بشكل كبير في مأسسة فساد جديد سمي بالفساد الجمعوي بقيادة جمعيات اتخذت من المنفعة العامة شعارا لها متخفية ضمن استراتيجيات ضيقة تخدم مصالح لمن أرادوا لها البقاء بعيدا عن المعايير الموضوعية، وما الحشود التي حجت لباشوية تطوان يوم الثلاثاء 09/12/2014 طمعا في حجز التذاكر المجانية لحضور افتتاح كأس العالم للأندية الذي شهدته الرباط في اليوم الموالي إلا مشهد من مشاهد مأسسة هذا الفساد الجمعوي حيث تورط فيه العديد من الجمعيات بقصد أو بغير قصد، أما ما نراه من أساليب ابتزاز داخل المجالس حول تمويل جمعيات بعينها محسوبة على هذا التيار أو ذاك التي لا تذهب إلى حد فضح الفساد كون أن الجميع ينال نصيبه من البقرة الحلوب لم تكن منعزلة عن الفلسفة التي أسست للريع الجمعوي. أما المنح والميزانيات الضخمة التي ترصد لجمعيات تعرف بالسهول والهضاب والوديان التي تأخذ من جيوب المواطنين وتنظم مهرجانات البذج والرقص وملتقيات الغذاء والعشاء ملتهمة من أموال دافعي الضرائب ميزانيات تكفي لتمويل أنشطة جادة وقريبة من الهموم اليومية للمواطن تهم التربية والتوعية وتكوينه تكوينا سليما كي يتسنى له المشاركة الفعالة في تنمية بلاده. وإذا كان دستور 2011 قد نص على ضرورة تفعيل الدور الجمعوي ببلادنا وخصوصا في الفصول 33 و 170، وذلك بتقديم اقتراحات اقتصادية واجتماعية وثقافية و......للعمل عل التنمية الشاملة لمجتمعنا، وإحداث وزارة خصصت لهذا المجال سميت بوزارة العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، التي وضعت تصورا شاملا للجمعيات من خلال تنظيم الحوار الوطني حول المجتمع المدني الذي لم يرى النور إلى حدود كتابة هذه الأسطر، فإنه أراد من خلال ذلك استدراك ما يمكن إدراكه وذلك عبر الرقي بالعمل الجمعوي وتحفيزه للانخراط في الحياة العامة بكل مسؤولية ووطنية صادقة . هذا القول يعني أن على الغيورين التشمير على ساعد الجد لرد الاعتبار للعمل الجمعوي الجاد والبناء وطرح كل الفيروسات والطفيليات التي تسربت بداخله بل نريد نموذجا مرغوبا فيه للبحث عن مدخل جديد يمكن تسميته بالجمعية التعاقدية غير مبنية على الإقصاء و الإكراه بل على التفاوض و الإنصات . فهل تستيقظ الضمائر الحية وتقوم بالدور الذي يمكن القيام به للحد من هذه المفسدة؟. التهامي خمليشي – فاعل جمعوي -