إن من أعظم الحرمان أن نرى كثيراً من المسلمين يقضون اللحظات والفرص النادرة في رمضان في ما لا ينفعهم، فإذا جاء وقت القيام كانوا نائمين، أو يتسامرون ويقعون في غيبة إخوانهم، أو يقضون أوقاتهم في المعاصي ومشاهدة المسلسلات الرمضانية، كما يسمونها، وحاشا لرمضان أن تكون له مسلسلات تتحدث عن الخيانة الزوجية أو العشق المحرّم، أو برامج وسهرات فنية.. في هذا الشهر الكريم لا بد من تجديد التوبة، فهذه فرصتنا، ومن أعظم هذه الفرص، الحرص على ليالي العشر الأواخر من رمضان، فإن لم يكن، فعلى الأقل ليالي 21 و23 و25، و27 و29، لأن ليلة القدر لن تتعدى إحدى هذه الليالي، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان". ماذا نفعل في هذه الليلة؟ - الاستعداد لها يبدأ منذ فجر اليوم السادس والعشرين من رمضان، فبعد صلاة الفجر تحرص على أذكار الصباح كلها، ومن بينها احرص على قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" مئة مرة، لماذا؟ لما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة، كان له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومُحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك". الشاهد: "كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"؛ حتى لا يدخل عليك الشيطان فيصرفك عن الطاعة. - عند غروب الشمس ادع الله عز وجلّ أن يعينك ويوفقك لقيام ليلة القدر. - إن كان لك والدان فبرّهما وتقرّب منهما، واقض حوائجهما وافطر معهما. - جهّز صدقتك لهذه الليلة من ليالي العشر، فلا تفوتك ليلة من ليالي الوتر إلا وتُخرج صدقتها. - بكّر بالفطور احتساباً، ولا تنسَ الدعاء في هذه اللحظات، وليكن من ضمن دعائك: اللهم أعني ووفقني لقيام ليلة القدر، ثم توضأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بادر بالنافلة بين الأذان والإقامة؛ صلاة كلها خشوع واطمئنان، ثم اذكر أذكار الصلاة، ثم أذكار المساء، ومنها: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مئة مرة؛ لتكون في حرز من الشيطان ليلتك هذه حتى تصبح. - لا يفتر لسانك من دعائك ب"اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني". - بادر بالذهاب إلى المسجد قبل أذان العشاء، لتصلي سنة دخول المسجد، ولتتهيأ بانقطاعك عن الدنيا ومشاغلها، علك تخشع في صلاتك، ثم إذا أذّن ردّد معه وقل أذكار الأذان ثم صلِّ النافلة، ثم اذكر الله حتى تقام الصلاة، واعلم أنك ما دمت في انتظار الصلاة فأنت في صلاة. - قسّم وقتك بعد العشاء إلى وقت السحور بين صلاة السُّنن والتهجّد، وقراءة القرآن الكريم، وحاول أن يكون دعاء ختمتك للقرآن الكريم في هذه الليلة، طمعاً في الأجر، وبين قراءة الأذكار، والإبقاء على لسانك رطباً بذكر الله، ولا تنسَ سيد الاستغفار هذه الليلة: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "من قالها فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة"، واملأ وقتك بين تهليل وتسبيح وتحميد وتكبير وحوقلة؛ لما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل وما هن يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله". - بعد تناول السحور وأداء صلاة التسابيح، انتظر أذان الفجر وأنت تذكر ربك بالتهليل والتسبيح والتحميد والحوقلة والتكبير والاستغفار، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، ثم صلّ الفجر في المسجد، وانتظر طلوع الشمس، وبعد ذلك عُد إلى المنزل وأنت مسرور بهذه الليلة العظيمة التي أحييْتها قياماً وسجوداً وعبادة لله عز وجل.. وهنيئاً لك.