يشهد قطاع التعليم المدرسي بالمغرب حركية إصلاحية واضحة ، يتميز بتصريف بعض مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، وبداية تنفيذ مشاريع المخطط الإستعجالي الذي سيغطي فترة 2009 / 2012 وذلك امتدادا وانقاذا للميثاق، ولا شك أن الإدارة التربوية للمؤسسات التعليمية كانت حاضرة ضمن اهتمامات هذا البرنامج من خلال " المشروع: E1/P12 " المتعلق بتحسين جودة الحياة المدرسية الذي تبنى توجهات الميثاق الوطني بخصوص تطوير أداء الإدارة التربوية ومجالس التدبير، حيث أضحت مواصفات المدير منذ صدور توجهات الجديدة تتطلب الفعالية والحيوية والخلق والإبداع .كما أن الإدارة أصبحت تواجه إكراهات كثيرة تحد من مهام المدير .وتقف حجر عثرة أمام المهمة المنوطة إليه بل تضاعفت وتناسلت حوله بؤر الأزمات والإكراهات و الاختلالات. حتى اصبح يعاني من محدودية القدرة على التجديد والإبداع. فالبرنامج الاستعجالي عبر المشروع المذكور، سطر مجموعة تدابير لدعم الجهاز التدبيري بالمؤسسة لكنها جاءت على خلفية التقارير الشهيرة التي كانت ملتهبة في ما اصطلح عليه بالإصلاح التربوي حيث توقفت عقارب الزمن فيها عند العديد من الانتكاسات والتراجعات سواء المرتبطة منها بالموارد البشرية أو تلك المتعلقة بالجوانب التجهيزية والبنيات التحتية. بالرغم من الجهود المبذولة لتحقيق الجودة كهدف منشود لإرساء قواعد و أسس مدرسة النجاح . إلا أن المخطط الجديد صب كل الاهتمام على ظواهر معيقة في المنظومة التعليمية من جملتها :الهذر المدرسي والاكتظاظ وغيرها من المعيقات التربوية التي لم تستطع الوزارة إيجاد حلول ناجعة للقضاء عليها . من جملتها إدراج مختلف تقنيات التواصل الحديثة بالإدارة التربوية .حيث أصبح المديرون مطالبون بإفراغ معطيات إحصائية سنوية تتعلق بالموارد البشرية والبنيوية المختلفة لمؤسساتهم و ذلك من خلال بوابات إلكترونية ، إضافة إلى مجموعة من الإحصاءات الدقيقة والمخططات والمشاريع المؤسساتية التي تتطلب دراية ليست بالهينة بأساليب و تقنيات التعامل مع مختلف الوسائط والآليات و التقنيات التكنولوجية المتطورة، دراية يجب أن تصل في بعض الأحيان إلى درجة الاحتراف والإتقان ناهيك عن الجانب الإبداعي الذي يجب أن يتوفر حتما.. والحقيقة أن هذا التغيير يجني على الإدارة التربوية نتائج وخيمة ، ولعل خير دليل على ذلك هو مخطط تدبير المخاطر بالمؤسسات التعليمية الذي طلب من المديرين إنجازه وفق نماذج مرفقة يتطلب جهد و إلمام كبيرين بتقنيات التصاميم الطبغرافية للعمل على إنجاز تصاميم دقيقة لمؤسساتهم يراعى فيها الجانب الأمني للمتعلمين و الأطر العاملة على السواء.. وبالرغم من أن مهمة المدير تعتبر جوهرية إلا أنها تحمل نوعا من التناقض حيث أصبح يلعب أدوارا شتى، فمنه الإعلامي والمهندس والمخطّط و التقني ورجل الحسابات الدقيقة و المشاريع النافعة لمؤسسته إضافة إلى دوره الإشعاعي كصلة وصل بين المؤسسة ومحيطها الاجتماعي و الاقتصادي.. فنجاح المؤسسة برمتها رهين بنجاحه و بشخصيته القيادية كرجل إدارة متمكّن.. أن الطابع الرئيسي للمدير هو في غالب الأحيان الوساطة أي الوسيط بين الإدارة المركزية وهي النيابة ورجال التعليم إلا انه في إطار البرنامج الجديد يغلب عليه دور ساعي البريد مع العلم أن التغييرات الجديدة التي تعرفها المؤسسات حاليا تتطلب لا محالة طاقما إداريا آخر يساعد المدير . إن الإدارة التربوية اليوم لا يمكن لها أن تعيش في عزلة تتفرج على المصطلحات الفضفاضة الشراكة . المشاريع إضافة إلى المحاور. المكون. المتكفل .المشرف .الترشيد نفقات المؤسسة ...الخ. بل يجب أن تحدد مهمة المدير ضمن طاقم الإدارة المساعدة .في الجانب القيادي . وبالرغم من التكوينات المستمرة للمديرين التي لا تواكب سرعة تنزيل مشاريع البرنامج الاستعجالي ومجالاته تبقى الإدارة التربوية هي الحلقة الرئيسية في المنضومة التعليمية لا يمكن إصلاح التعليم دون إصلاحها، فهي قطب أساسي ومهم يجب استحضاره في كل الإصلاحات وهذا يتطلب من الوزارة الوصية إعادة النظر في تكوين اطر الإدارة خاصة في السلك الابتدائي. حيث أن جل الإصلاحات تتمركز حول المنهاج والتلميذ والبنيات والتجهيزات وتهمش الإدارة التي هي أساس أي إصلاح،وتتذكرها فقط عند إصدار تعليمات الواجب ومذكرات الزجر والصرامة الإدارية... وهذه الارتجاليةَ المعتمدة في تمرير مشاريع البرنامج الاستعجالي ، يستحيل تحقيق نتائجها والأهداف المنتظرة منها وظل دور الوزارة إصدار وابل من المذكرات والمراسلات الهادفة إلى تصريف مشاريع البرنامج الاستعجالي، دون مراعاة تأهيل الإدارة التربوية وتمكينها من الآليات الملائمة للتدبير فالمدير ليس كائنا ديداكتيكيا فقط فهو كذلك كائن نفسي واجتماعي واقتصادي... فكيف يمكن أن نسائل ونحاسب المدير ونطالبه بالتعبئة والنتائج الجيدة دون أن نوفر له مجموعة من الشروط المهنية والاجتماعية التي تخلق الجو النفسي الايجابي للرضى المهني و تساعد على الاستقرار الشخصي والفعالية المهنية،وبالتالي الانخراط الايجابي والفعال والتلقائي في إنجاح أوراش الإصلاح والرقي بمنظومة التربية والتكوين. و حري بالإشارة هنا للوضع القانوني والمهني للمدير ، حيث لا يعتبر إطارا إداريا معترف به وذو اختصاصات وصلاحيات، بل هو مجرد مكلف بمهمة يمكن إعفاؤه والاستغناء عن خدماته في أية لحظة، وإعادته لإطاره الأصلي كمدرس يوضع رهن تصرف النيابة مما يجعله خاضع باستمرار لحركات وسكنات من هم أعلى منهم سلطة، وفي توجس دائم من فقدان المنصب الإداري لاعتبارات اجتماعية ومادية أحيانا. - فهل وفرت الوزارة كل الإمكانيات اللازمة للرقي بالإدارة التربوية و شخصية المدير ؟ و هل تنطبق مواصفات المدير على الأطر الإدارية الحالية التي تتولى المهام بمؤسسات التربوية؟ فأسس الإصلاح الحقيقي تتطلب تأهيلا حقيقيا للإدارة التربوية و جعل مسؤولية الإدارة التربوية إطارا رسميا مستقلا في الوظيفة العمومية. لذلك وجب الإسراع بتطعيم هذا المشروع بتدابير وإجراءات إضافية تنطلق من مقاربة إصلاحية شمولية عميقة لنظام الإدارة التربوية لتعزيز حكامته ومكانته، وملامسة كل جوانب الضعف التي تعتريه لجعل المتعلم في صلب العملية التربوية وتلبية طموحاته وحاجياته.