بقلم: شقور عمر كثيرا ماينظرون إلى أنفسهم بطريقة معينة ويسلكون بطريقة مناقضة لنظرتهم لأنفسهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر، يتعاملون مع الناس بأقنعة متنوعة وملوّنة. وما أكثرهم في زمن إندثرت فيه كل القيم الأخلاقية والإنسانية، ماعُدنا نفهم من الألوان إلاّ الإسم، اختلطتْ المفاهيم والأعراف, وكلّ ما له علاقة بالضّمير الإنساني الذي أصبح نادر الوجود وغير بعيدستراه في برنامج "مختفون"، إلامن رحم الله من عباده المخلصين, والموفون بعهدهم إذا عاهدوا بشيء عملوا من أجل تحقيقه. التناقض صفة ذميمة انتشرت على نحو كبير بين الناس، فمن يقول كلام عمل عكسه، ومن عاهد شخصا خلف وعده، ومن المسؤولين أصحاب الكلام الشامخ تجد من يُلحّن خُطبه وأشعاره حتى يُثبت العكس وتنعدم الثقة بتاتا…؟؟ هذا التناقض نجده في كل شيء وفي كل مكان، إنطلاقا من البيت حيث يتلقّى الطفل أول دروسه في الحياة، فالأب يطالب أبناءه بالصدق والأمانة، وفي المقابل يطلب منهم الكذب إذا دقّ جرس الباب شخص غير مرغوب فيه ولايودُّ الأب الفاضل لقاءه،أو على الهاتف من لا يريد سماع صوته..؟بل وحتى واجبات الدراسة يقوم بها الاباء نيابة عن الأبناء، وعند التقدم في مراحل الدراسة يطلب الأب من أبناءه مراكز متقدمة والحصول على أعلى الدرجات ونسي أنه من كان سببا في إخفاق أبناءه، فبدلا من توجيههم وتأطيرهم، تناقض مع ذاته وها هو الان يجني ثماره بيده. ومن مظاهر التناقض أيضا ما ُيشاهده التلاميذ في مُعلّميهم الذين يهتمّون إذا روقبوا من كبار المسؤولين ، ويخونون الأمانة إذا غابت عنهم رقابة البشر…؟؟ كما التناقض في عدة مهن أخرى وباختلاف درجاتها وأنواعها. تناقض فيما نتلاقاه من تعاليم الدين والقيم والحياة، ونجد مايُنافي ذلك من ممارسات حقيقية في المجتمع وعلى أرض الواقع، الشيء الذي يؤدي إلى زعزعة الثقة في النظام العائلي والإجتماعي ككل؟ وتجد أيضا من يدّعون الوطنية والكفاح والواجب، وفي أول محنة تجدهم أول الهاربين والمتملّصين من الواجب الوطني، كآداء الضرائب والإخلال بإلتزاماتهم اتجاه الناس، بل وأيضا يُخرّبون الاقتصاد بتهوّرهم وانعدام حسّ المسؤولية لديهم. ومن مظاهر التناقض أيضا ما يُبث على قنواتنا من الدعوة إلى ممارسة الفضائل في الحياة، والتمسّك بالقيم الأخلاقية والدينية، وهم أول المخالفين لهذه القيم عبر عرض سهرات لا تمت لتقاليدنا وديننا بصلة، وبث برامج سخيفة ومسلسلات هابطة تزرع الفتنة والانحلال الأخلاقي داخل البيوت، وتزيد من تكبير فجوة الإغراء والتأثير اللاأخلاقي بين المراهقين والشباب وحتى الكبار أصحاب القلوب المريضة، وكنتيجة لذلك زادت نسب الطلاق، وتفشّت ظواهر العري والإنحلال في الشوارع، فكثرت ظواهر التحرش وزادت الخيانة بين الأزواج، الشيء الذي سيؤدي إلى إنهيار القيم الأخلاقية في المجتمع، نسأل الله السلامة والعافية. ومن التناقض كذلك مانراه في السياسة، من كثرة الأقوال المعسولة، وضرورة أن تسود الحرية في الرأي والفكر، والحرية في الإرادة والاختيار وأيضا بين الرفض والقبول، وضرورة التمسك بالقيم الإنسانية في المجتمع، وما إن يصلوا إلى السلطة تسقط كل تلك القيم التي ناضلوا من أجلها، ولايحركون ساكنا، وهذا قمة التناقض…؟؟ وللتناقض أشكال وألوان لاحصر لها، أليس ما يقع في عالمنا العربي هو التناقض بعينه، قنوات لأثرياء حوّلوها إلى أفلام للمجون، وللبرامج الرخيصة الهابطة التي تُروّج للانحلال والعري، وعند وفاة شخص من العائلة المالكة يُذيعون القرآن الكريم حدادا على وفاته، فتصبح القناة وكأنها قناة دينية، إلى أن تمرّ ثلاثة أيام وتعود المياه إلى مجاريها….؟؟ أليس مايقع في سوريا تناقض من نوع فريد، دولة دُمّرت بالكامل وخلتْ من السكان والعالم كله بما يحمله من قيم إنسانية والتي يتشدق بها في كل المحافل الدولية يقف متفرجا أمام هذه المجازر التي تقع يوميا والضحايا أطفال ونساء وشيوخ لا ذنب لهم في شيء، حتى أصبحت سوريا أرضا خصبة لتجربة أنواع جديدة من الأسلحة الكيماوية والأسلحة الثقيلة وكل شيء مدمر للبشرية. أليس ما يقع في مصر تناقض من لون آخر، حيث تم الإنقلاب على رئيس شرعي ووضعه في السجن أمام أنظار العالم ومفهوم الديمقراطية الكاذبة، ضُرب بكلّ المفاهيم عرض الحائط ليسود نظام القمع من جديد …؟؟وما يقع في العراق وفي جل الدول العربية، بسبب التناقض في الأقوال والأفعال…؟؟ وإلى أن تسود الفضيلة واحترام حق الاخر في الحياة وفي الاختلاف والتعبير عن الرأي بكل وضوح مع مراعاة القيم الدينية والأخلاقية لمجتمعنا، وربط الأقوال بالأفعال والحقائق بالواقع ؟سيبقى التناقض ينخر أجسادنا المريضة أصلا والبعيدة عن الطريق الصحيح. لابد من ربط الحياة بقيم الدين والأخلاق، وعدم تجاهل الأعراف الحسنة لما لها من تأثير إيجابي على سلوكيات الفرد في المجتمع، وأن يكون هناك تربية موازية للتعليم بكل ماتحمله الكلمة من معنى، حتى تُبنى الحياة على أسس واضحة وصريحة.