ضابط الشرطة لا يحتاج أوامر لتفكيك التجمهر لا يحتاج ضابط القوة العمومية إلى أمر للتدخل، من أي جهة كانت، لتفكيك التجمهر، إذ أن المعاينة التي يجريها تقيم خطورة الوضع وتفرض التدخل بناء على تحذيرات قبلية وتحرير محضر، وفقا لشكليات يفرضها القانون. وينبغي التمييز بين الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات التي لا ترقى إلى وصف التجمهر الذي يبقى إحدى الجرائم التي نص عليها القانون وأفرد لها شروطا خاصة، كما ميز بين التجمهر والتجمهر المسلح. كما أن المشرع عرف التجمهر بأنه تجمع عدواني أو هائج لأشخاص بصفة عفوية وغير متوقعة بالطريق العامة، أو بأي مكان عمومي أو مكان خصوصي مفتوح في وجه العموم يخل أو قد يخل بالأمن بالعمومي... يرى الدكتور الميلودي حمدوشي أن هناك عناصر ضرورية يتكون منها التجمهر، إذا انتفى أحدها سقط وصف أو تكييف التجمهر، فيصبح الأمر مظاهرة أو اجتماعا عموميا أو شيئا آخر ما عدا التجمهر الذي لا يتحقق إلا بقيام العدوانية والاندفاع أو الهيجان من جهة، والعفوية وغير توقع التجمع من جهة أخرى. وغياب العدوانية، حسب الحمدوشي، الذي ألف كتابا معنونا بقانون التجمهر (دراسة وتحليل)، صدر ضمن سلسلة منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، غياب العدوانية يمحو قانونيا، الجريمة ويجعل المتابعة غير قانوينة، وهو ما ذهب إليه المشرع المغربي بالتنصيص على الإخلال الفعلي أو المحتمل للأمن العمومي. ويترتب عن ذلك إذا انعدمت العدوانية ولم يعاين ضابط الشرطة القضائية الاندفاع أو الهيجان فلا يمكن وصف تجمع الأشخاص تجمهرا، ولابد من معاينة العدوانية من طرف ضابط الشرطة القضائية وإثباتها في محضر قانوني يضمن فيه محرره وصفته وتاريخ المعاينة ويبين فيه الإشارات والألفاظ أو العبارات التي صدرت عن التجمع والتي تثبت بشكل واضح تحقق شرط العدوانية، وحتى لو حرر الضابط محضرا ينعت فيه تجمعا ما بالتجمهر، فالنيابة العامة، صاحبة الحق في المتابعة، يجب أن تتأكد من توفر العنصر النفسي (الهيجان والاندفاع)، وفي حالة انعدامه تفظ الملف أو المسطرة طبقا للفصل 40 من القانون الجديد للمسطرة الجنائية، وإذا قررت المتابعة فإن قرارها سيكون غير مشروع وما على قاضي الموضوع إلا الحكم بالبراءة لانعدام الأساس القانوني للمتابعة. وللنيابة العامة الحق في أن تنبه الضابط محرر المحضر إلى الإخلال بواجبه وإن اقتضى الحال تلتمس من المدير العام للأمن الوطني أن يستدعي الضابط المعني لمتابعة دورة تكوينية لنقص كفاءته. ورغم الحق الذي تتوفر عليه النيابة العامة في هذا المجال، إلا أنه لا يجوز لها أن تحل محل ضابط الشرطة القضائية وتملأ الفراغ، فهي غير مختصة بقوة القانون لمعاينة جريمة التجمهر، إذ أن الاختصاص يعود إلى ضابط القوة العمومية والنيابة العامة ليست قوة عمومية، وبالتالي لا يجوز لها تغيير محضر المعاينة بالإضافة أو الحذف، وإذا تدخل أحد أعضائها في المسائل المخولة للسلطات الإدارية فإنه يتحمل مسؤولية شخصية. وينص الفصل 17 من ظهير التجمعات العمومية الصادر في 15 نونبر 1958 كما وقع تغييره وتتميمه، أنه «يمنع كل تجمهر مسلح في الطريق العمومية، ويمنع كذلك في هذه الطريق كل تجمهر غير مسلح قد يخل بالأمن العمومي». ولفظ الأمن العمومي عام ويمكن اختزاله في ثلاثة عناصر هي السكينة والطمأنينة والصحة العامة، وهي وحدات دالة على أن الأمن العمومي هو الأمن المادي الخارجي الذي تضبطه قوانين منشورة ومعروفة ولا علاقة لها بالأخلاق. وأشار الميلودي حمدوشي في الكتاب نفسه إلى أن كل تجمهر غير مسلح، قد لا يخل بالأمن العمومي، لا يقع تحت طائلة القانون ولا يعاقب عليه. وبناء على ذلك فإن ما أصبح متعارفا عليه بالوقفات الاحتجاجية غير مخالف لمقتضيات الفصل 17 سالف الذكر، ولا تجوز متابعة من شارك في الوقفة الاحتجاجية من أجل التجمهر، وإنما من أجل مخالفات ضد السلطة العمومية إذا تحققت هذه المخالفات (عرقلة السير مثلا)، كما يمكن أن تتحول الوقفات الاحتجاجية إلى مساءلة جنائية إذا تحولت إلى أعمال تخريب وتعييب وإتلاف المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول من 580 إلى 607 من القانون الجنائي. وقد حصر المشرع التجمهر الذي يعد مسلحا في حالتين، الأولى إذا كان عدد الأشخاص المشكلين لهذا التجمهر حاملا لأسلحة ظاهرة أو خفية أو لأداة وأشياء خطيرة على الأمن العمومي، والثانية إذا كان أحد من هؤلاء الأشخاص يحمل سلاحا أو أداة خطيرة ظاهرة ولم يتم إقصاؤه حالا من قبل المتجمهرين أنفسهم. ويشار إلى أن التأكد من حمل الأسلحة أو الأدوات الخفية يستمد مشروعيته من معاينة ضابط الشرطة القضائية، ولا شيء يمنع من أن تتم المعاينة بناء على الظاهر، إذ أن نظرية الظاهر تشرعن التدخل والقيام بجميع العمليات خاصة في نظام البحث التلبسي.