72 انفصاليا أسندت إليهم مهمة استهداف قوات الأمن وشخص يدعى السباعي تكفل بفبركة الصور المساء :حصلت «المساء» على معطيات وحقائق حول الأحداث التي عرفتها مدينة العيون، على خلفية تفكيك مخيم «كديم إزيك». وتشير هذه المعطيات إلى أن المتورطين في أحداث المدينة كانوا ينشطون في خلايا تنظيمية وداخل بعض الجمعيات التي ترفع شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان، من ذلك أن شخصا يدعى أحمد السباعي بن بشير، يعتبر من أبرز منفذيمخطط العنف الذي استهدف المدينة، إذ كان يقوم بحملة دعائية عبر شبكة الأنترنت، هدفها عرض صور ووقائع مغلوطة لِما يجري في الأقاليم الجنوبية، وخصوصا في مدينة العيون. وكان أحمد السباعي واحدا من بين 72 شخصا وقع عليهم الاختيار للتوجه إلى معسكرات تندوف، في سياق مخطط طويل الأمد، يرمي إلى تقويض الاستقرار في الأقاليم الجنوبية واستهداف القوات الأمن المغربية. ووفق معطيات تُكشَف للمرة الأولى، فإن هؤلاء ينتمون إلى عدد من المدن والأقاليم الجنوبية ويلتقون عند الاستعداد الكامل لتنفيذ كل ما «يُملى عليهم». في معسكرات تندوف وكانت مهمة السباعي هي تصوير أشخاص وتقديمهم على أساس أنهم ضحايا أعمال عنف، بعد أن يكون قد وضع «المساحيق» على وجوههم وأجسادهم و«تفنَّن» في تشبيه تلك المساحيق الملونة بالقتامة، على أساس أنها نتاج ضرب مبرّح أو تعنيف أو تعذيب!... وسيصبح أحمد السباعي، الذي سبق له أن تورط في أعمال تخريبية في العيون، همّت إضرام النار في ممتلكات عمومية في ماي 2002، وأدين بالسجن عشر سنوات، موضعَ اهتمام من طرف الانفصاليين في مخيمات تندوف، لكن المعني بالأمر استفاد من عفو شامل، بعد قضائه حوالي 15 شهرا رهن الاعتقال. ثم عاود ارتكاب أفعال يعاقب عليها القانون في عام 2006 وأدين، مرة ثانية، بالسجن، بتهمة الانتساب إلى تنظيم محظور وتشكيل عصابة إجرامية وإضرام النار ووضع متاريس في الشارع العام. غير أن مساره هذا سيدفع انفصاليي البوليساريو إلى الرهان عليه، عبر اتصالات ستقود لاحقا إلى قيامه بزيارة مخيمات تندوف، بعد دعوته للقيام بذلك، بنفس الأسلوب الذي اعتمدته لاستقطاب المجموعة المحدودة لانفصاليي الداخل، وتحديدا في عام 2008، فقد تولّت البوليساريو تمويل بطاقة السفر ومصروف الجيب واتخذت كل الاحتياطات الخاصة لتشجيع عمليات الاستقطاب... استقطاب المخربين عندما كان من يُعرَفون ب«نشطاء انفصاليي الداخل» يقومون برحلات إلى الجزائر، ثم إلى مخيمات تندوف، التي تؤوي المحتجزَين قسراً من الصحراويين، ثم يعودون عبر مطار الدارالبيضاء، أو عبر أي منفذ آخر، كانت الخطوط الأولى لأحداث العيون بصدد التبلور، ضمن خطة همّت زعزعة الاستقرار وزرْعَ الفتن والقيام بأعمال تخريبية ذات مرجعية إرهابية. بين رحلة وأخرى، كان استقطاب العناصر القابلة للانخراط في مشروع تخريبي هدفا محوريا، روعي فيه الاختيار الدقيق للأشخاص الذين في إمكانهم تنفيذ المخطط بكل تفاصيله، خصوصا أولئك الذين سبق لهم التورط في أعمال عنف مماثلة وقضوا عقوبات سجنية، من منطلق استغلال النزعة الانتقامية، لإعداد الأجواء لانفلات أمني كبير. كانت «المهمة» تركز بالدرجة الأولى على محاولة الإضرار بصورة المغرب، خصوصا في ما يتعلق بتعاطيه مع ملفات احترام أوضاع حقوق الإنسان، مما يعني أن كل الصور التركيبية التي كانت تتبناها جبهة البوليساريو، بدعوى حدوث انتهاكات، لم تكن أكثرَ من صور ملفَّقة... سيبرز من خلال الوقائع الثابتة أن التخطيط لإقامة مخيم «أكديم إيزيك» لم يكن وليد خريف 2010، بل كان «ثمرة مسمومة» لمخطط أكبر حيكت فصولُه في مخيمات تندوف، مما يعني أن رحلات مَن كانوا يعرفون ب«انفصاليي الداخل» إلى الجزائر وتندوف، تحديدا، كانت مبرمجة على إيقاع يستهدف نقل المعركة المعادية للوحدة الترابية إلى داخل الأقاليم الجنوبية، في ضوء الباب المسدود، الذي واجهه المخطط الانفصالي، سواء على صعيد تآكل البوليساريو وتعرضه لاستنزاف داخلي كبير أو على صعيد تزايد الاقتناع بخلفيات النزاع الإقليمي الدائر في المنطقة بين الجزائر والمغرب. على امتداد يومين كاملين من الاجتماعات، التي دارت في مخيمات تندوف، في حضور قياديين من الانفصاليين، تم الاتفاق على وضع خطة وُصِفت بأنها يجب أن تنطبع بالحدة والعدوانية، تستهدف القوات الأمنية بالدرجة الأولى وبشكل مباشر. كان الهدف من وراء ذلك هو إشاعة أجواء الفوضى والهلع والحرص على إشراك أكبر عدد ممكن من المواطنين، لإعطاء الانطباع بأن الأمر يتعلق ب«تمرد وعصيان»، لكن من غير أن يدري المواطنون الذين سيتم الزّجُّ بهم في هذه العملية أيَّ شيء عن حقيقة المخطَّط المرسوم بدقة. الدعاية «الحقوقية» بيت القصيد في المخطط، الذي دُبِّر في جنح الظلام، أنه كان يروم الضغط على التنظيمات الحقوقية والدولية لإشعارها بما يصفه الخصوم ويتمنونه، أي خطورة الوضع في الأقاليم الجنوبية، في سياق حشد الدعم الدعائي، الذي ستتولاه مجموعة أخرى، بنفس الطريقة التي تعتمد الصور التركيبية الخادعة والشرائط المفبرَكة والاتصالات غير المنقطعة مع بعض أجهزة الإعلام، التي تميل إلى التّحيُّز ولها مواقف مسبَقة إزاء المغرب. خلال ذلك اللقاء، تحدث أحمد السباعي، فأبدى حماسه، وإذ تتضح، الآن، خلفيات كثيرة من الوقائع التي رافقت فترة ما بعد تفكيك المخيم، خصوصا على صعيد السعار الدعائي الذي كان يبحث عن أي وسيلة لتصوير التدخل السلمي للقوات الأمنية بأنه كان يتسم بالعنف، يتأكد جليا أن ذلك المخطط الرهيب نُفِّذ وفق أجندة خارجية كانت تُحرَّك «الدمى» الإرهابية من وراء الستار، بعد أن هيأت الأجور الملائمة لزرع السموم. سيكشف هذه الحقائقَ جانبٌ من اللقاءات التي دارت في مخيمات تندوف، في حضور «انفصاليي الداخل»، فقد أبدى أحمد السباعي حماسه وتأييده المطلق لفكرة استهداف العناصر الأمنية والإدارية، بل إنه أعلن عن انخراطه في هذا المشروع الجهنمي، الذي يتماشى والقناعات التي يؤمن بها. وعندما أخذ الكلمةَ المدعو محمد مبارك الفقير، الملقب ب»فرانكو»، ركز على فكرة إقامة مخيم «أكديم إزيك» على أساس أن ينطلق من مطالب وضع لها عنوان «المطالبة بالامتيازات الاجتماعية»، وتابع قائلا في ذلك اللقاء: «إنها الطريقة المثلى التي سوف يتسنى لنا بها توريط وحشد أكبر عدد من المواطنين الصحراويين الذين سيتم التغرير بهم بشكل مقصود».... لقيت الفكرة استحسان وقبول كل الحاضرين، ومن وقتها، أُعطيّ الضوء الأخضر للبدء في التحضير لهذه العملية، وكان أول عمل اتُّفِق عليه يكمن في إسناد الإشراف على المخطط، بكل تفاصيله ومتطلباته المادية واللوجستيكية، إلى شخص اسمه النعمة أسفاري كمسؤول رئيسي عن المخطط، ووضعت رهن إشاراته إمكانيات مالية ضخمة بالعملات الأجنبية، كانت تُوزَّع، بين الفينة والأخرى، لاستقطاب بعض العناصر وإتاحة أكبر قدر من الحركة لآخرين يعتبرون جزءا من المخطط الأصلي، الذي وُضعت أسسه في مخيمات تندوف... بمجرد عودة أولئك الأشخاص الذين شاركوا في الاجتماعات، تكفّل أحمد السباعي بمهمة القيام بحملة تحسيسية واسعة النطاق لفكرة إقامة مخيم في ضواحي العيون، شملت كافة الأقاليم الجنوبية، كما أجرى اتصالات مع أشخاص جمعته وإياهم سابقُ معرفة: «كنت أزفّ إليهم خبر إقامة مخيم»، على حد تعبيره، «لتحصيل حقوقنا الاجتماعية المستنزفة»، واستخدم، في غضون ذلك، رسائل الهاتف القصيرة، التي حملت جملا مقتضبة «تدعو كل من توصل بها إلى الانضمام إلى حركتنا الاحتجاجية الواسعة». سيكون لهذا «العمل» مقابل مادي، خصوصا أن النعمة أمغاري أمدّ أحمد السباعي بمبالغ مالية تحفيزية «تفاوتت وتباينت حسب الظرف والتوقيت». ميليشيات في المخيم مع اكتمال إجراءات بناء المخيم في ضواحي العيون، وفي غضون التحاق أعداد من المواطنين الصحراويين، لم يكونوا في صورة خلفيات الحدث، الذي وضعت معالمه الرئيسية في مخيمات تندوف، سيتم الانتقال إلى درجة ثانية من السرعة، ارتكزت في جانب منها على السيطرة على المخيم، عبر إقامة ميليشيات خاضعة لأوامر محددة، أطلق عليهم اسم الحراس، إضافة إلى هيئة تنظيمية، ثم إعداد الأجواء للانتقال من المطالب الاجتماعية، التي انجذب نحوها بعض السكان، إلى مطالب تعجيزية تروم إفشال المفاوضات التي كانت قد بدأت بين السلطات وممثلين عن المخيم، فيما شدد «الحراس» الرقابة على أرجاء المخيم، لمنع المواطنين من مغادرته، في حال اكتشاف أنهم تعرضوا للخديعة والإيقاع بهم في مواجهات لا يرغبون فيها، بل لم تكن واردة لديهم على الإطلاق. أثناء ذلك، وفيما كانت السلطات قد دخلت في حوار مع النازحين إلى المخيم، الذين كانت لهم مطالب اجتماعية صرفة في السكن والتشغيل، دعا النعمة أسفاري إلى اجتماع ضم عددا من أعضاء الخلية التي تشتغل تحت إمرته، كان من بينهم أحمد السباعي ومحمد مبارك الفقير والشيخ بانكا، عبد الله الحضاوني وإبراهيم الإسماعيلي والداه حسن وهدي محمد لامين وحسنا عاليا وندور الحسين ومصطفى الأبرص وغيرهم ممن كانوا قد زاروا مخيمات تندوف وتلقوا تعليمات من قيادة البوليساريو للقيام بأعمال تخريبية. قال النعمة أسفاري خلال ذلك الاجتماع، الذي اتسم بالسرية، إن الوضع بات يميل لصالح الخطة التي تقررت وإن الوقت قد حان لإماطة اللثام عن الأهداف الحقيقية التي كانت وراء إقامة مخيم «أكديم إزيك»، وفق ما جرى التخطيط له خارج الأقاليم الجنوبية، وأكد في غضون ذلك قائلا: «لقد أصبحنا الآن نتوفر على شبكة مهيكلة في إمكانها التصدي لأي دخيل على المخيم»، ودعا إلى انتهاج أسلوب التصعيد للجهر بالأهداف المبيتة من وراء إقامة المخيم الذي خطط لأن يكون «بداية حركة تمرد وعصيان». بيد أن الأهم خلال ذلك الاجتماع أن المسؤول الأول عن الخطة، النعمة اسفاري، أسر إلى أحمد السباعي، بعد أن عزله بعيدا عن شركائهما في الاجتماع، بالقول في حضور شخص ثالث هو حسنا عليا: «إن المصادمات مع القوات العمومية مطلوبة وضرورية لإنجاح المخطط»، وأوضح أن كل الترتيبات قد اتُّخذت «لاندلاع الأحداث التي ستبدأ في شكل انفلات أمني، انطلاقا من المخيم»، مؤكدا في الوقت ذاته أن باقي الأقاليم الجنوبية ستعرف اندلاع أحداث مماثلة في نفس التوقيت. وقبل أن ينتهي ذلك اللقاء، همس النعمة أسفاري لأحمد السباعي قائلا: «أوصيكما أنتما الاثنين أن تعملا على عزل أفراد من القوات العمومية، بعيدا عن وحداتها لقتلهم والاستيلاء على أسلحتهم، قصد استخدامها في وقت لاحق»، واستطرد قائلا: «هذه هي الطريقة المثلى لتقويض مسلسل المفاوضات الدائرة مع السلطات من أجل الاستجابة لمطالب السكان وتفكيك مخيم أكديم إيزيك». تركت تلك الكلمات أثرا بالغا في نفسية كل من أحمد السباعي وحسنا عليا، خصوصا وقد اختارهما النعمة لتنفيذ هذه العملية وسط باقي الشركاء، فقد كان أوعز في البداية إلى السباعي بتنظيم تجمعات خطابية داخل المخيم لحضّ السكان على العصيان وتشديد الرقابة على كل المداخل، خوفا من هروبهم، لكنه الآن انتقل إلى سرعة أكبر تكشف عن جوهر المخطط الذي حيك على قياس الفتنة والقلاقل. الضغط النفسي الظاهر أن اعتماد الإيحاءات والضغوط النفسية كان وراء اختيار الشخصين اللذين تكلفا بالمهمة القذرة في استدراج بعض أفراد قوات الأمن. والراجح أن النعمة أسفاري كان يتابع مسار أحمد السباعي ويحتفظ بمواقفه وانفعالاته التي عبّر عنها بحماس زائد أثناء اللقاءات التي التأمت مع قيادة الانفصاليين في مخيمات تندوف. ولم يعد السباعي يفكر في أكثر من «إرضاء» المسؤول الأول عن الخطة بأي ثمن، خصوصا أنه عُهد إليه بالجانب الآخر في ملابساتها، الذي يلتقي ورغباته في الانتقام من القوات العمومية. مباشرة بعد ذلك الاجتماع، عهد النعمة أسفاري إلى شخص يدعى ولد المغيمض، لم يكن سوى عبد الحي العروسي، بتوفير الإمكانيات اللوجستيكية ووضعها رهن إشارة السباعي، وشملت أسلحة بيضاء وألثمة سوداء وسيارة رباعية الدفع من دون لوحة ترقيم.. وشرع الجميع في تحين الفرصة للانقضاض على أفراد قوات الأمن. غير أنه بسبب التحركات التي كانت تلجأ إليها هذه القوات بصورة جماعية، ضمن أخذ أكبر قدر من الاحتراز، لم يتمكن هؤلاء من تنفيذ خطتهم التي روعي في تنفيذها أن يتقرر بتزامن مع احتدام الموقف، خصوصا عند تزايد الإحساس بقرب انفجار الأزمة، بعد أن كان الحوار بين السلطات وممثلي المقيمين في المخيم قطع أشواطا متقدمة على طريق الحل. في الليلة التي سبقت تفكيك المخيم، أمر النعمة اسفاري كلا من أحمد السباعي وحسنا عليا بالقيام بزيارة تفقدية لكل أرجاء المخيم، وكانا ينقلان إلى من نصّبوهم حراسا للمخيم أوامر بالحفاظ على حالة الاستنفار. وفي صبيحة اليوم الموالي، جاءتهما أوامر بإقامة جدار بشري، للحيلولة دون تدخل قوات الأمن، وفي لقاء خاطف، جدد لهما التأكيد على المهمة الأساسية، التي تكمن في الاستيلاء على الأسلحة والذخيرة، اعتقادا منه أن قوات الأمن ستكون مسلحة. استهداف قوات الأمن في تفاصيل، أنه لدى إشعار المواطنين عبر مكبرات الصوت بإخلاء المخيم بطريقة سلمية، وقبل أن تشرع قوات الأمن في التدخل، كان المدعو عبد الجليل المغيمض، إلى جانب من يوصفون بحراس المخيم، يهاجمون الصفوف الأمامية لقوات الأمن. وتكشف الوقائع والتحريات أن سيارات رباعية الدفع تقدمت المهاجمين واستطاعت أن توقع ضحايا وأضرارا بليغة ببعض أفراد قوات الأمن. كان الشهداء الضحايا، الذين سقطوا نتيجة دهس السيارات الرباعية، ما زالوا في أماكنهم يئنّون من فرط الصدمات القوية التي كسرت عظامهم تحت عجلات السيارة الطاحنة. استغل أحمد السباعي ورفاقه الملثمون الفرصة وقاموا بجر ثلاثة من الضحايا الشهداء إلى زاوية من المخيم الذي كان ما يزال تحت سيطرة الميلشيات، بهدف الاستحواذ على أسلحتهم. غير أن المفاجأة كانت صادمة، حين لم يعثروا بحوزتهم على أسلحة، بيد أن أحد أفراد قوات الأمن لم يكن قد لفظ أنفاسه بعدُ، كان ما يزال على وعي كامل، يراقب بعينيه كل ما يحدث. ولأن ذلك الشهيد استطاع أن يختزل وجوه وكلمات المتورطين في الأحداث، فقد تم الاتفاق على تصفيته، حيث تعاقب أفراد الميلشيات الملثَّمة، بزعامة السباعي ورفاقه، على رميه بالحجارة الثقيلة، رغم كل توسلاته، إلى أن فارق الحياة... حين تيقّن أولئك المجرمون من أنه أصبح جثة هامدة، غادروا المكان بدم بارد، في اتجاه مدينة العيون، التي عرفت بدورها تداعيات أعمال عنف وشغب وإحراق...