صدر عن مؤسسة (كا.إن.آي) للطباعة والنشر والعمل الثقافي التي أسسها السنة الماضية ببوسطن كل من خالد سليكي (كاتب مغربي مقيم بالولايات المتحدة) ونجوى المجاهد (شاعرة وباحثة مغربية مقيمة أيضا بالولايات المتحدة)، العدد الأول من نشرتها التواصلية تحت عنوان "مرايا من المهجر" باللغتين العربية والإنجليزية. وقد جاءت مواده متنوعة تنشغل بسؤال الهجرة والثقافة، في محاولة نحو خلق جسر للتواصل بين الدينامية الثقافية في البلاد العربية والقضايا التي يطرحها المهجر كسؤال كينونة. وقد تم توزيع العدد الأول في لقاء جمع عددا كبيرا من أفراد الجالية التي صادفت حضور «القنصلية المغربية» في بوسطن. وتعنى مؤسسة (كا.إن.آي)، حسب بيانها التأسيسي، بالقضايا الفكرية والمعرفية والأدبية، وقد اختار لها المؤسسان شعار "من أجل اقتصاد ثقافي ومعرفي مغاير". ووفق بلاغ للمؤسسة، فإن النشرة التواصلية الأولى (28 صفحة من القطع المتوسط) تتناول سؤال الهجرة والثقافة، في "محاولة لخلق جسر للتواصل بين الدينامية الثقافية في البلاد العربية والقضايا التي يطرحها المهجر كسؤال كينونة". وفي هذا الصدد، قال خالد سليكي، في كلمتها الافتتاحية،«لقد صرنا، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى اقتصاد معرفي ترعاه مؤسسات ثقافية منشغلة بسؤال الاختلاف والهوية والآخر، للمساهمة في هذا النقاش الذي أصبح يتسع ويهيمن على كل مناحي الحياة، عالميا وإقليميا. من هذه الخلفية نبادر اليوم إلى طرح قضايا الهوية والاختلاف الثقافي كإحدى أهم المداخل الأساسية التي ينبغي لنا أن ننشغل بها. ذلك أن الهوية هي انفتاح على الآخر في تعدده، وعلى الذات في تعددها وتعديها للمنغلق الذي قد يحد منها ويقيد تطلعاتها في أبعادها الثقافية المتعددة. إن الهوية حين تختزل في مجرد شعارات ورموز «ثقافية» بعينها تتحول إلى مآزق و«هاويات» مدمرة للذات. وهو ما ينعكس سلبا على الذات أولا، وعلى المكونات الثقافية التي تصبح جامدة وموبوءة تعكس اختلالات وانهيارات مزمنة لا صلة لها بحقيقة الذات وامتداداتها المشبعة بالأبعاد الإنسية والحرية والتعدد والاختلاف. لقد صار المهجر فضاء للتعدد والإبداع وإعادة صناعة الأسئلة التي طالما افتقدناها في واقعنا -أزمنة وأمكنة-، لأن الهجرة تعلمنا «كيف نعيش مع الأرض لا عليها»؛ أي إنها البوتقة التي نعيد فيها اكتشاف آفاقنا وحدودنا، طموحاتنا وانكساراتنا، الآخر من حيث هو مغذِّ إيجابي لما اكتسبناه وتداولناه من قيم. في المهاجر نكتشف أننا نختلف ولا نمتلك كل الحقيقة، كما لايمتلك الغير الحقيقة، ومن هنا تصبح الهجرة تجربة غنية و«مستفزة» تدفعنا إلى التفكير في علاقتنا بالعالم انطلاقا من زوايا نظر لم نألفها من قبل..وفيها (في الهجرة كتجربة وفعل) نكتشف أن المرآة التي اعتدنا النظر إليها لم تكن أبدا تعكس وجهنا الحقيقي.. إنما كانت مجرد إيهام بواقع يحمل وجها قد يشبه الوجه الذي نحمل صورة عنه..ولكنه ليس وجهنا الحقيقي.. أولسنا في حاجة إلى مرايا نعيد اكتشاف وجوهنا من خلالها من جديد..! أعتقد أنه قد آن الأوان لنفكر بصورة مختلفة وبلغات متعددة لأنه «ليست اللغة الأجنبية لغة انفتاح وحسب، بل هي أيضا، وربما قبل كل شيء، لغة تقارب وانسجام» (عبد الله العروي) وأن تستثمر الوجه الثقافي الذي نحمله فينا ومعنا، لأن (فاطمة المرنيسي) «أثمن متاع يملكه الأجنبي هو اختلافه» . يشار إلى أن هذه النشرة أشرف عليها، فضلا عن سليكي والمجاهد، كل من عبد الصمد زهير، وسعاد عاكب، وهشام المرابط،، وحفيظ الميسوري، ومحمد ميلود غرافي. وكانت المؤسسة أوضحت في بيان تأسيسها أن الهدف من إحداثها بولاية ماستشيوسيت (العاصمة العلمية للولايات المتحدة) تعميق النقاش والبحث المعرفي حول قضايا فكرية وفنية إبداعية، من خلال الترجمة، وتنظيم لقاءات ثقافية وأيام دراسية، وتأسيس نادي القراءة، بالإضافة إلى إصدار ثلاث مجلات، أولاها فكرية بعنوان "التنوير"، وثانيها تعنى بالأدب والفن بعنوان "الغصن الأدبي"، وثالثها "مرايا من المهجر". كما أن المؤسسة تحاول توسيع مجال التواصل بين الثقافات، بالتعريف بما ينتجه المبدع والباحث العربي وتذليل الصعاب أمام المثقف الذي يوجد خارج مجال الإنتاج العربي.