إن حرية الصحافة والإعلام، كأدوات لممارسة حرية التعبير لم تعد في عصرنا ترفا تحتكره البلدان الديمقراطية، بل أصبحت قيمة كونية، يقاس بها مدى اندماج البلدان في روح العصر.. انطلاقا من قناعته بأن بلادنا حققت في السنوات الأخيرة، مكتسبات هامة في مجالات حقوق الإنسان وحرية التعبير، واستنادا إلى ما يصبو إليه الشعب المغربي من تقدم وديمقراطية وحداثة، فإن المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، الذي استعرض مجمل التطورات التي ميزت مشهدنا الإعلامي في الفترة الأخيرة، يسجل بقلق بالغ المظاهر السلبية التي طبعت الوضع الصحافي، والتي كان من بين تجلياتها الدراماتيكية، اعتقال مدير أسبوعية "المشعل"، إدريس شحتان، والإجراءات اللاقانونية التي اتخذت ضد جريدة "أخبار اليوم". وقد اعتبر المجلس أن هذه الانتهاكات مجرد انعكاس لخلل شامل في الوضع العام للصحافة والإعلام، على المستويات التالية: 1_على مستوى القوانين: سجل المجلس أن هناك تعطيلا لمبادرات إصلاحية، كانت الدولة أعلنت عنها، وخاصة إصلاح قانون الصحافة، وتشذيبه من كل الأحكام المناقضة لمبادئ حرية التعبير أو التي لا تضمن حقوق المحاكمة العادلة، وتسمح بالعقوبات السالبة للحرية. 2- على مستوى مؤسسات الإعلام العمومي: لاحظ المجلس أن كل الإجراءات والمبادرات التي تم اتخاذها، سواء بإصدار قوانين أو تغيير هيكلي للمؤسسات، وكل ما رافقها من خطوات، لم تؤد الى التغييرات المنتظرة، في الشكل والمضمون، حيث مازالت السلطة تهيمن على هذه المؤسسات، ومازال الضعف في الأداء، والخطاب الرسمي المحنط ، هو السائد، في أغلب ما تنتجه. 3 على مستوى تحديث المقاولات الصحافية: لم يحصل أي يتطور يذكر، رغم كل الجهود المالية التي بذلتها الدولة، حيث ما زالت عدد من المقاولات تدبر شؤونها بطريقة متخلفة، كما أن الشروط المنعدمة للشفافية في التسيير والتمويل، تضرب المنافسة الشريفة في الصميم، خاصة إذا أضفنا إليها الطريقة الزبونية التي يوزع بها الإشهار. 4- على مستوى استقلالية القضاء: استنكر المجلس ضرب مصداقيته في العديد من قضايا الصحافة التي عرضت أمام المحاكم. 5- على مستوى تعامل السلطات مع الصحافيين: دان المجلس الحالات المتكررة التي يقع فيها الصحافيون، وخاصة المصورين منهم، ضحية الاعتداءات والإهانات من طرف مختلف القوات الأمنية ورجال السلطة. على مستوى أخلاقيات المهنة: تأسف المجلس على المستوى الذي انحدرت إليه بعض الممارسات المخلة بقواعد المهنة وشرفها تجاه هذه الصورة السلبية، وأمام خطر التراجع الذي يهدد المكتسبات التي تحققت في بلادنا، ووعيا منه بأن هدا المسلسل قد يسيء إلى التطور الديمقراطي لبلادنا وإلى مكانتها بين الأمم، فإن المجلس يوجه نداء إلى الدولة وإلى كل الطبقة السياسية، ومختلف المعنيين والمتدخلين في وسائل الإعلام، حتى يتحمل كل طرف مسؤوليته، من أجل النهوض بأحد أهم المجالات التي أصبحت من ركائز الديمقراطية في كل بلد، ومعيارا أساسيا لصورتها وسمعتها. إن حرية الصحافة والإعلام، كأدوات لممارسة حرية التعبير لم تعد في عصرنا ترفا تحتكره البلدان الديمقراطية، بل أصبحت قيمة كونية، يقاس بها مدى اندماج البلدان في روح العصر.. و عليه فإن المجلس يعتبر أن فتح حوار وطني حول كل هذه القضايا مهمة ملحة وعاجلة، تستدعيها ضرورات مواصلة الإصلاحات في بلادنا وحتمية الدخول في عصرنا من بابه الواسع. و يؤكد المجلس أن هدا الحوار ينبغي أن يتم على أسس الانفتاح على كل مكونات المجتمع، و على ضرورة خلق شروط الشفافية و حق المواطن في الإطلاع على المعطيات و الأخبار، عبر و سائل إعلام تتوفر على الجودة و الجدية و المسؤولية . الرباط في : 21 يناير 2010