هل المغرب مهدد بهجوم الجراد الذي يعرف نشاطا خلال الفترة الراهنة في بلاد الشقيقة موريطانيا؟ أم أن البرنامج الدولي "أومبرس" سيحاربه وتتكفل الدول المتضررة فرادى وجماعات تضامنا أو عبر شراكات للقضاء عليه مرة أخرى،ليس بصفة نهائية لأنه يعود من تحت الرماد ليلتهم الأخضر واليابس. وينتمي جغرافيا المغرب وكل دول المغرب العربي إلى منطقة مناخية شبه جافة تجعل موارد المياه، السطحية منها والجوفية، محدودة ، بسبب ضعف التساقطات المطرية وعدم انتظامها من سنة لأخرى، في الوقت الذي تشكل الثروة المائية مادة حيوية واستراتيجية في أمن الدول والشعوب بمفهومه الشامل. ووضعت منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة المغرب ضمن قائمة الدول التي ستتضرر محاصيلها بشكل خطير يمكن أن يصل إلى المجاعة بسبب توجه أسراب الجراد نحو شمال إفريقيا والذي بدأ برحلات هجرة نحو المنطقة.وضمت لائحة الفاو إلى جانب المغرب سبع دول أخرى معرضة للمجاعة بسبب الجراد وهي السودان والمملكة العربية السعودية ومصر وليبيا والجزائر وإريتريا واليمن.وقال التقرير إن هذا الصنف من الجراد يمكن أن يكون مدمرًا للبشر إذ أن الأسراب يمكن أن تغطي مساحة 460 ميلا مربعا (1190 كيلومترا تقريبًا)،بنسبة 80 مليونا إلى 160 مليون جرادة في الميل المربع،كل جرادة يمكنها أن تأكل وزنها من المحاصيل يوميًا،مما يدمر حوالي 191 مليون كيلوغرام من المحاصيل،وهو كاف ليُحدث مجاعة في بلاد مثل المغرب والجزائر وموريطانيا والسينغال. وفي خارطة صادرة عن مركز الطوارئ لعمليات مكافحة الجراد الصحراوي بمنظمة الأغذية والزراعة بتاريخ 03/12/2013 توضح التطورات المهمة لحالة الجراد الصحراوي في موريتانيا واليمن والسودان والسعودية خلال شهر نونبر 2013.حيث تنتشر أسراب الجراد الزاحف في شمال موريتانية المحاذي للشريط الحدودي للمغرب،وهو ما يهدد الأراضي المغربية التي قد تغري حالة أراضيه الخضراء بفضل التساقطات المطرية المهمة هذه الأسراب بالزحف نحوها مما يشكل تهديدا خطيرا يستوجب اتخاذ ما يكفي من الإجراءات للتصدي إليه،ويحبذ الخبراء أن تبدأ هذه الإجراءات من المساهمة الفعلية مع السلطات الموريتانية فوق الأراضي الموريتانية لمنع الجراد من الزحف نحو الأراضي المغربية. كما أن خارطة صادرة عن مركز الطوارئ لعمليات مكافحة الجراد الصحراوي بمنظمة الأغذية والزراعة بتاريخ 03/12/2013 توضح مستويات تهديد آفة الجراد الصحراوي بالمنطقة حيث استمر مستوي التهديد في اليمن إلى البرتقالي "تهديد" وارتفع مستوى التهديد في موريتانيا وارتريا إلى البرتقالي "تهديد" وكذلك ارتفع مستوى التهديد في السعودية والسودان و أقصى الجنوب من الأقاليم الجنوبية المغربية إلى الأصفر "حذر"،وظلت باقي الدول في المستوى الأخضر "هادئ"." وفي تقرير صادر عن المركز الوطني لمكافحة الجراد في موريتانيا عن حالة الجراد الصحراوي خلال العشرية الثانية من شهر نونبر 2013 حيث تتلخص حالة الجراد الصحراوي في موريتانيا في استمرار عمليات المكافحة في نفس المناطق،حيث تمت عمليات المكافحة ضد حوريات في الأعمار المتقدمة وكان العر الخامس هو السائد وبكثافة تصل إلى 50 حورية في المتر المربع بالإضافة إلى مجموعات من الحشرات الكاملة حديثة التجنح بكثافة تصل إلى30000 جرادة في الهكتار.وقامت فرق المكافحة الأرضية بمعالجة 10663 هكتار خلال الفترة من 21 – 30 نونبر.وخلال العشرية الثانية من شهر دجنبر 2013 حيث تتلخص حالة الجراد الصحراوي في موريتانيا في الأتي: - على الرغم من البداية المبكر للجفاف في لمناطق المستكشفة في غرب البلاد إلا أن الظروف البيئية لا زالت ملائمة لمعيشة وتكاثر الجراد في معظم هذه المناطق. - خلال هذه العشرية تميزت حالة الجراد بوجود جماعات انتقالية تتكون من مجموعات حوريات بسياد العمر الخامس ومجموعات من الحشرات الكاملة الغير بالغة ومعظمها متواجد في دخلة نواديبو وإلى مستوى أقل في انشيري وأدرار وتير الزمور. - قامت فرق المكافحة الأرضية بمعالجة 3946 هكتار خلال الفترة من 11 – 20 دجنبر 2013 وبذلك يكون إجمالي المساحات المعالجة 50022 هكتار منذ بداية عمليات المكافحة بتاريخ 05/10/2013. وأفاد تقرير صادر عن المعهد الوطني لحماية النباتات بالجزائر عن حالة الجراد الصحراوي،خلال شهر نونبر 2013 اتسمت بستة فرق استكشاف أرضية وجوية تم نشرها في منطقة تامنرست وأدرار متضمنه فرقتين جويتين.وتميزت حالة الجراد الصحراوي بتواجد ومعالجة 40 هكتار مصابة بالحوريات بكثافة منخفضة مع حشرات كاملة انفرادية متناثرة وذلك في محاصيل الذرة والذرة الرفيعة في المناطق الزراعية في ولاية أدرار.والظروف البيئية ملائمة في المناطق الزراعية في أدرار والوديان في الجانب الجنوبي من الهقار.في أماكن أخري الغطاء النباتي أخذاَ في الجفاف.ويمكن أن يتواجد الجراد في المناطق التي يتواجد بها غطاء نباتي أخضر. وفي تقرير صادر عن المركز الوطني لمكافحة الجراد الصحراوي بمالي عن حالة الجراد الصحراوي خلال شهر نونبر 2013.وتتلخص الحالة في تدهور الظروف البيئية وتوقف هطول الأمطار أدى إلى بدء الغطاء النباتي في الجفاف،لتظل حالة الجراد هادئة،ولم ترد أي بلاغات عن الجراد.وهناك ثمانية فرق استكشاف تم نشرها في مناطق المحاصيل الزراعية،ولم يتم نشر أي فرق استكشاف في شمال البلاد وذلك لانعدام الأمن. وعلاقة بالموضوع،فالمسؤولين في برنامج "أومبرس" لمحاربة الجراد الصحراوي في منطقة الساحل (آليات الوقاية والتصدي السريع للآفات والأمراض الحيوانية والنباتية المتنقلة عبر الحدود والجراد)،ذكروا أن التهديد في المرحلة الراهنة يأتينا من موريتانيا. ومشروع "أمبيرس" هو مشروع منبثق بقرار من المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة منذ سنة 1994،هدفه الأساسي هو وضع إستراتيجية لمكافحة هذه الآفة في جميع مناطق تكاثره بالطريقة الوقائية،وبالتالي فإن أهداف هذا البرنامج هي الحد من تكاثر الجراد،وفي الوقت نفسه المحافظة على الثروات والخيرات الزراعية والرعوية الموجودة في البلدان المعنية،حتى تتمكن من تحسين مردودها الفلاحي وتحقيق اكتفائها الذاتي،وكذلك استعمال المكافحة الوقائية للمحافظة على صحة الإنسان،وكذا على البيئة،لأنه يمكن من تفادي استعمال المبيدات على مناطق شاسعة.وهذا الأخير وضعته المنظمة والمانحون بداية في المنطقة الوسطى،أي البلدان التي تجاور البحر الأحمر،فهي منطقة خطيرة جدا وصالحة لتكاثر الجراد الصحراوي على مدار السنة،نظرا للأمطار الغزيرة التي تعرفها.وقد بدأ العمل بهذا البرنامج سنة1997،ويتابع حتى الآن،وكان من الضروري نقل هذا البرنامج إلى منطقتنا الغربية التي تضم دول المغرب العربي ودول الساحل المتاخمة للصحراء،لأن هناك تكاملا إيكولوجيا بين هذه المناطق. وساهم البنك الإفريقي للتنمية مساهمة فعالة،زيادة على الإمكانيات التي وضعتها الوكالة الأمريكية للتنمية للمساهمة في هذا البرنامج،وكذلك مساهمة بعض الدول الأوروبية كإيطاليا وفرنسا. ويحتاج حاليا برنامج "أومبرس" إلى مبلغ مالي يقدر 28.5 مليون دولار،21 مليون دولار يقدم كمساهمات من الدول ال10 الأعضاء وهي المغرب،الجزائر،بوركينافاسو،ليبيا،مالي،موريتانيا،النيجر،السنغال،تشاد وتونس،أما فيما يخص 7 ملايين المتبقية فأطلقت منظمة التغذية والزراعة دعوة للممولين للتبرع قصد ديمومة محاربة الجراد الصحراوي في المنطقة،خاصة وأن دول الساحل تكبدت خسائر تفوق 80 بالمائة في المحاصيل بين 2004 و2006 وعليه تم إنشاء هذا البرنامج. يذكر أن الجراد يلتهم في الكيلومتر الواحد من السرب حوالي 100 ألف طن من النباتات الخضراء في اليوم،وهو ما يكفي لغذاء نصف مليون شخص لمدة سنة (الجرادة تأكل 1,5-3 غرامات – والكيلومتر المربع منه يحتوي على 50 مليون جرادة على الأقل). وتتغذى الحشرات على الأوراق والأزهار والثمار والبذور وقشور النبات والبراعم وبصفة عامة يصعب تقدير الأضرار التي يسببها الجراد بسبب طبيعة الهجوم العالية، حيث تعتمد الأضرار على المدة التي سيبقى بها الجراد في المنطقة الواحدة وحجم الجراد ومرحلة المحصول.ويعتبر الجراد الصحراوي من أخطر أنواع الجراد ومن سماته أنه يستطيع السفر لمسافات طويلة،ويتناسل بكثرة حيث تضع الأنثى من 95 إلى 158 بيضة ولثلاث مرات على الأقل في حياتها،يتواجد في المناطق الصحراوية الجافة في إفريقيا وموريطانيا والمغرب والسودان وشبه الجزيرة العربية واليمن وعمان،وفي منطقة جنوب غرب آسيا الممطرة .وتركز تقنيات مكافحة الجراد حالياً على استخدام المبيدات بدلاً من الأساليب القديمة التي كانت تعتمد على أسلوب الإخافة أو الإحراق في الخنادق إن المبيدات المستخدمة حالياً من الأنواع ذات التأثير القاتل بالملامسة،حيث تقتل الحشرة بمجرد ملامستها لقطرات المبيد بشكل مباشر أو عن طريق ملامسة النباتات المرشوشة أو بابتلاع أوراق النبات المرشوشة. من جهة أخرى تفيد التقارير أن منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا تواجه تحديا على مستوى تدبير المياه في المستقبل بسبب مخاطر الندرة والجفاف التي أصبحت عنصرا بنيويا في واقعها البيئي في السنوات الأخيرة،إذ إن الاحتياجات المائية المستقبلية لدول المنطقة في ارتفاع مستمر مما يطرح عليها رهانا كبيرا خصوصا لكون اقتصادياتها ترتكز أساسا على الفلاحة. و يواجه المغرب رفقة دول المغرب العربي فجوة في الموارد المائية والغذائية،بالنظر إلى أن جل مواردها المائية تقليدية أساسا وغالبيتها سطحية، فتشكو هذه البلدان من تدني الوفرة المائية ومعدل الاستهلاك الفردي من الماء،فعلى حين يصل متوسط استهلاك الفرد من المياه العذبة الصالحة للشرب في البلدان الصناعية إلى نحو 1200 متر مكعب في السنة،لا تتجاوز نسبة الفرد في البلدان المغاربية 545 مترا مكعبا في السنة،مما يبرز الفجوة الكبيرة في معدلات التنمية. وذكر تقرير صادر عن صندوق الأممالمتحدة حول حالة سكان العالم لسنة 2001 وزع أثناء انعقاد مؤتمر كيوتو حول المناخ في مدينة مراكش شهر نونبر 2011،أن 300 مليون شخصا سيعانون من نقص في مياه الشرب في السنوات القليلة المقبلة،وأن منطقة شمال إفريقيا والمغرب العربي ستكون من الدول التي ستواجه شعوبها أزمة في تدبير الثروات المائية،وأكد التقرير المذكور ايضاً أن معدل التساقطات المطرية في هذه البلدان لا يتجاوز ألف متر مكعب سنويا. وحدد التقرير البلدان التي تعاني أزمة في المياه في تلك التي يتوافر لديها 1700 متر مكعب من المياه لكل شخص في السنة،أما البلدان التي تعاني شحا في المياه فلديها أقل من ألف متر مكعب، وخلص التقرير إلى أن هذا الوضع سيكون له تأثير على التنمية الاقتصادية في المستقبل، وقد تنشأ عنه "صعوبات بيئية شديدة". وأشار بلاغ صدر مؤخرا عن الاجتماع الوزاري للبلدان الإفريقية الإثني وعشرين الذي انعقد بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي للأمم المتحدة حول الماء في بون(المانيا)،أن 17 بلدا إفريقيا سيعاني من انخفاض حاد في المياه في أفق سنة 2010،أي أن الفرد فيها لن يتجاوز معدل استهلاكه من الماء أكثر من ألف متر مكعب سنويا.وذكر التقرير أن بلدان المغرب العربي وشمال إفريقيا ،إضافة إلى مصر وإثيوبيا وإفريقيا الجنوبية،ستكون من بين هذه الدول المرشحة لأن تشهد أزمة في المعطيات المائية،بسبب التغيرات المناخية وانخفاض المتوسط العام لموارد المياه،وتزداد تأثيرات هذه الندرة في المخزون المائي للبلدان المذكورة مع تزايد عدد السكان وارتفاع الحاجيات من الموارد الثابتة. وللخروج من هذه الأزمة،تطرح هذه البلدان،ومن بينها المغرب،بدائل تمكنها من تجاوز خطر نقص المياه في السنوات القادمة،وذلك ببناء المزيد من السدود لخزن المياه واستعمال الطاقة النووية لتحلية مياه البحر،إلا أن مثل هذه البدائل تتطلب تمويلات سخية وتوفير الإمكانيات الضرورية لذلك. ورغم ذلك تبقى هذه البدائل الخيار الوحيد والممكن أمام هذه الدول لتجاوز الفجوة الغذائية وهشاشة التنمية الاقتصادية – الاجتماعية فيها.وقد كان اجتماع لوزراء الفلاحة لبلدان المغرب العربي،والذي انعقد في دورته العاشرة بالرباط في فبراير 2012،قد نبه إلى ضرورة تأمين الأمن الغذائي لدول المنطقة،وأكد على مسألة إيجاد استراتيجية مشتركة ومتكاملة لهذا الغرض،وخلق الآليات التي تمكن من تحقيق هذا الهدف. ومن المؤكد أن جمود مؤسسات اتحاد المغرب العربي وضعف التنسيق بين دوله ستحول دون تنفيذ مثل هذه الإستراتيجية في القريب،لتظل قضايا التنمية والأمن المائي والغذائي رهينة بتوفير المناخ السياسي.