حرمة القاضي...خط أحمر متجاوز محامون تجاوزوا حدود اللياقة في مخاطبة القضاة اتهام سياسي ومحام بإهانة قاضيين مواطنون يرفعون شعار " لا لإهانة القاضي" يتعين إيجاد آليات قانونية لضمان حماية القضاة حرمة القاضي...خط أحمر متجاوز كثرت في الآونة الأخيرة حالات إهانة القضاة من قبل بعض المتقاضين، احتجاجا على حكم لم يكن في صالحهم أو قرار لم يرتضوه. ولم تقتصر الإهانة على السب والشتم، بل بلغ الأمر ببعض المواطنين إلى حد الضرب أو التهديد بالقتل. والغريب في الأمر أن الإهانة لم تقتصر على المتقاضين بل شملت بعض المحامين، وإن كانت الحالات معدودة، الذين وجهوا اتهامات إلى بعض القضاة بالفساد أو التزوير، وما يطرح العديد من الأسئلة حول أسباب تفشي ظاهرة إهانة القضاة؟ محامون تجاوزوا حدود اللياقة في مخاطبة القضاة حالات بمدن البيضاءوفاسوآسفي تطرح علامات استفهام عن العلاقة بين قطبي العدالة لم تقتصر إهانة القضاة، التي أصبحت موضة خلال السنوات الأخيرة، على متقاضين غاضبين من حكم أو من طريقة سير دعواهم، بل امتدت لتشمل بعض المحامين الذين «استباحوا» كرامة القاضي وضربوا بعرض الحائط القانون واللياقة في مخاطبة القضاة. آخر الحالات التي أفاضت الكأس، قضية اتهام محام بهيأة البيضاء لحسن جابر القاضي بالمحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء، بالتزوير خلال أطوار جلسة علنية، بعد أن طلب الأخير من كاتب الضبط تسجيل أقواله في محضر مستقل، خاصة بعد أن اعترض المحامي بشده على تأخير جلسة محاكمة موكله المتابع من أجل السرقة وخيانة الأمانة. لم يرق المحامي قرار القاضي فالتمس منه السماح له ببسط طلب السراح المؤقت لموكله، فكان له ما أراد ما دام القانون يسمح له بذلك، فدخل في أمور لا علاقة لها بطلبه، ولما منعه القاضي أرغى وأزبد، ليطلب القاضي من كاتب الضبط تسجيل أقواله في محضر مستقل، حينها اعترض الأخير، واتهم القاضي وكاتب الضبط بالزور، حينما قال «بغيتو تزورو هضرتي عاوتاني، غادي تديرو في المحضر ذاك شي لي بغيتو»، ليحرر رئيس الجلسة محضرا بالحادث ووجه نسخة منه إلى النيابة العامة، وأخرى إلى نقيب هيأة المحامين بالدار البيضاء من أجل اتخاذ اللازم. الحالة ليست وحيدة، بل سجلت مجموعة من الحالات الأخرى التي تجاوز فيها بعض أصحاب البذلة السوداء حدود اللياقة في حديثهم مع القضاة. مدينة تاونات كانت شاهدة على حادث إهانة قاض من قبل محام بهيأة فاس، إذ أن الأخير تلفظ بكلمات نابية في حق قاض حينما كان يهم بدخول القاعة. الحادث لم يمر هذه المرة مرور الكرام، وتجند نادي قضاة المغرب للتصدي لهذا الاعتداء على منتسب له، وقرر قضاته تنظيم وقفة احتجاجية ضد سلوك المحامي، لينظم حوالي ثلاثين قاضيا بالمحكمة الابتدائية بتاونات، في خطوة غير مسبوقة، وقفة ببهو المحكمة احتجاجا على ما وصفوه ب»المس بكرامة القضاة من قبل محام بهيأة فاس بعد أن تلفظ بكلمات نابية في حق زميل لهم.» واعتبر القضاة أن في هذا السلوك مسا بجهاز القضاء و باستقلالية السلطة القضائية، كما عبروا عن استغرابهم من صدور هذا الفعل من شخص ينتمي إلى هيأة يفترض أن الاحترام هو عنوان العلاقة بين المنتمين إليها وجهاز القضاء. سبب الخلاف يعود إلى حكم قضائي صدر ضد المحامي يتعلق بملف إفراغ يخص مكتبه بتاونات. وطالب صاحب الشقة بإفراغ المحامي بداعي أنه غير معالمها، وأجريت خبرة كما تم الاستماع إلى مجموعة من الشهود الذين أكدوا أن المحامي كان يكتري شقتين منفصلتين، وأنه عمد إلى الجمع بينهما، وبناء عليه قضت المحكمة، ب «إفراغ المدعى عليه من العين المكتراة...وذلك من شخصه وأمتعته وكل مقيم باسمه تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 100 درهم، عن كل يوم تأخير عن التنفيذ وتحميله الصائر ورفع طلب النفاذ المعجل». ولم يرق هذا الحكم المحامي، فتلفظ في وجه القاضي بعبارات نابية، ما دفع الأخير إلى تحرير محضر في الموضوع، سلمه إلى رئيس المحكمة الذي أحاله على النيابة العامة، قبل أن يصل الملف إلى مكتب وزير العدل والحريات. وأصدرت هيأة المحامين بفاس أصدرت منشورا، نعتت فيه وقفة القضاة ب «الحدث اللامسؤول من طرف بعض المحسوبين على نادي القضاة». ودعا المنشور إلى تنظيم وقفة احتجاجية أقيمت بالفعل وشارك فيها محامو تاونات مدعومين ببعض زملائهم بهيأة المحامين ب» فاس، كما أعلنوا توقفهم عن العمل إلى حين اتخاذ نقابة المحامين قرارا في الموضوع، بعد لقاء جمعهم بالنقيب لتدارس ظروف وملابسات الحادث المذكور. ثالث حالات المواجهة بين القضاة والمحامين كانت بمدينة آسفي حينما نظم قضاة الدائرة القضائية لآسفي، التي تضم كل من محاكم الاستئناف والابتدائية بآسفي وابتدائيتي » الصويرة واليوسفية، وقفة وسط بهو محكمة الاستئناف بآسفي بدعوة من نادي قضاة المغرب بآسفي احتجاجا على تصريحات نقيب هيأة المحامين بآسفي الذي أكد من خلالها على تفشي الرشوة والفساد بين أوساط القضاة. حمل المحتجون لافتات كتبت عليها عبارات من قبيل «الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية» و«يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء» «، و، «يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة» و»كفى إهانة للقضاة»، و «لا للمس بكرامة القضاة». اتهام سياسي ومحام بإهانة قاضيين قضاة تاونات تضامنوا مع زميلهم وقاضية تقدمت بشكاية ضد العمدة تتهمه بالقذف والسب عاشت الدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بفاس، على وقع حدثين مدويين مرتبطين بإهانة الجسم القضائي في ملفين خلفا جعجعة كبيرة جذبت انتباه واهتمام الجميع طيلة أسابيع. محام وسياسي اتهما بإهانة قاضيين بابتدائيتي تاونات وفاس، قبل أن تخمد نيران الغضب المتأججة في الأفئدة دون مخلفات إثر تدخلات عليا أنهت الزوبعة ب"لا ضرر ولا ضرار". مرت سنة على أول احتجاج للقضاة إثر اتهام محام تاوناتي بهيأة فاس، بإهانة زميلهم "أ. م" القاضي بابتدائية تاونات، بمبادرة من نادي القضاة التي تقول المصادر إنه "تعامل بقلبه مع الحادث، دون تحكيم العقل"، خاصة أمام "التسرع في الاحتجاج" الذي كان يمكن الاستعاضة عنه بالجلوس لطاولة الحوار مع المحامين ونقابتهم، أو تقديم شكاية إلى الوكيل العام في أسوأ الأحوال. في انتظار انطلاق الجلسة، كان المحامي يحادث زميله داخل القاعة، في مواضيع مختلفة. ومن ذاك اللقاء الثنائي انطلقت شرارة غضب القضاة، بعد اتهامه بسب رئيس الجلسة، بحيثيات تباينت تأويلاتها وزاد من تأجيجها صدور حكم من قبل الهيأة ضد المحامي المستغل لمحل مكترى، ما كان بالإمكان تداركه بالجلوس إلى طاولة الحوار والكشف والمكاشفة. نادي القضاة تحدث حينئذ عن "اعتداء شنيع" و"تصرف غريب صادر عن شخص مفروض فيه أن يعطي القدوة لموكليه وسائر المواطنين في الاحترام الواجب للقضاء كمؤسسة والقضاة كأفراد"، مبديا الاستعداد للوقوف في وجه كل محاولة لضرب كرامة الجهاز، داعيا إلى استئصال مثل هذه التصرفات الفردية، فيما كانت كلمات المحامين الشباب في وقفتهم، أشد لهجة. المهم أن تاونات شهدت أول "غضبة" للقضاة قبل أن يمتد الاحتجاج والتضامن والمؤازرة إلى مدن أخرى، مقابل حشد المحامين لأنفسهم وتنظيمهم وقفة أمام المحكمة تضامنا مع زميلهم، لينطلق مسلسل الفعل الاحتجاجي والرد عليه من الطرفين، إلى أن انتهت حلقاته بتدخل وزاري رأب الصدع بين مكونيين من مكونات جهاز القضاء المحتاج إلى التئام أعضائه عوض تفريقها. وقبل هذا الحادث الذي شغل الرأي العام الوطني طيلة عدة أسابيع، اهتز القضاء بفاس قبل 5 أشهر من ذلك، باتهام حميد شباط عمدة المدينة، ل"س. ع" القاضية بابتدائية فاس، ب"تنظيم ليال ملاح لفائدة مسؤولين" في لقاء جماهيري يشهد المركب الثقافي الحرية. رد فعل شباط جاء بعد استدعاء ابنه ياسين إلى أولى جلسات ملف تبادل الضرب والجرح في الشارع العام بين فريقين في ليلة 2 شتنبر 2011. وبغض النظر عن مآل هذا الملف من تبرئة لياسين من تهمة "السكر العلني والفساد والمشاركة في الضرب والجرح"، فالحدث تزامن مع مثول شقيقه نوفل أمام ابتدائية فاس بتهمة الاتجار في المخدرات الصلبة التي أدانته ب3 سنوات حبسا نافذة في ملف ما زال معروضا أمام أنظار غرفة الجنح الاستئنافية بفاس، التي أجلت النظر فيه أكثر من 5 مرات. تحريك المتابعة ضد ابنيه، ذاك ما برر به الرأي العام رد فعل العمدة الذي نظم لقاء قبل يوم من مثول ياسين، كال فيه الاتهامات ل"س. ع" نائبة وكيل الملك، متهما القضاء بفبركة الملف ضد ابنه ووجود "علاقات مشبوهة بين نساء نشيطات في حزب الأصالة والمعاصرة، ووكلاء الملك بالمدينة"، قبل أن يهاجم بشدة عناصر أمنية وقضائية. وذكر شباط المثير دوما للجدل، القاضية "س. ع" التي تضامن معها زملاؤها ونظموا وقفة رمزية بالمحكمة الابتدائية في إبانه، بالاسم، متهما إياها بتسريب المحاضر إلى صحف وطنية قبل تقديمها لمحاميي الادعاء، بل وصفها ب "مراسلة" إحدى الجرائد. واتهمها بأنها تفبرك الملفات، وتعطي التعليمات إلى المسؤولين الأمنيين، في إشارة إلى متابعة ابنه ياسين. في اللقاء المذكور تساءل شباط عمن تكون "س. ع" نائبة وكيل الملك، التي وصفها ب"للا "ع""، وقال إنها "تقضي ليال ملاحا ويأتون ليتحكموا في أمن المدينة"، معتبرا ذلك "عين الخطر" الذي "لا أحد قال اللهم إن هذا منكر"، في لقاء لم يسلم فيه من اتهاماته سياسيين ومسؤولين اتهمهم بالانتماء إلى شبكة لتهريب المخدرات. القاضية التي تضررت ماديا ومعنويا من هذه الحملة التي انطلقت شرارتها في لقاء لمناقشة الوضع الأمني بفاس أطره شباط، لم تقف مكتوفة الأيدي، وتقدمت بشكاية بالسب والشتم والقذف ضد العمدة سرعان ما تنازلت عنها بعدما اعتذر شباط لها، ما نفاه في تصريحات صحفية لاحقة، قبل أن تخمد نار هذا الغضب الذي حرك وقفات التضامن مع القاضية. يشار إلى أن هذه الدائرة القضائية، لم تشهد فقط الحدثين المرتبطين بإهانة القضاء، بل شهدت جلسة محاكمة رئيس جمعيات وأمريكي من أصل مغربي، تصرفا طائشا حين أشهر الثاني حزمة من البطائق البنكية في وجه رئيس الجلسة، ردا على اتهام محام غريمه له بحاجته المادية حين لقائه بقريبه المعتقل والمدان ابتدائيا بسنة حبسا نافذة. ولعل أكبر إهانة توجه إلى جهاز القضاء، ما هو مدون على طاولة في القاعة الثانية بمحكمة الاستئناف، من كتابات أبطالها رواد القاعة من أقارب المتقاضين، تصف قضاة ذكرتهم بأسمائهم، بأوصاف قدحية، متحدثة عن "محكمة بدون قانون"، دون نسيان استعراض عبارات كاشفة متحدثة مثلا عن "عندي المال نخرج براءة" في كتابات تحتاج إلى محللين لفك طلاسيمها. مواطنون يرفعون شعار " لا لإهانة القاضي" جهل المواطن بالمساطر القانونية يساهم في تكريس ظاهرة الإساءة إلى العدالة أجمع المواطنون على رفض أن يهان جسم القضاء، حتى ولو شعر المتقاض بالحيف. وحتى من اصطف في الاتجاه الآخر، حاول إيجاد تبرير لسلوك المواطنين، لكن دون أن يسيء إلى قاض واحد. ربما هو وعي واضح لدى الناس حول جسامة هذا السلوك، وأن ما يقع داخل قاعات الحكم ما هو إلا حالات معزولة فقط. داخل المحكمة الابتدائية عين السبع بالبيضاء، يعم هدوء كبير. يتقاطر المواطنون فرادى وجماعات داخل المحكمة، الكل متعجل في قضاء مهمته، وكأنه يتمنى مغادرة المحكمة بأسرع وقت، فهي مكان حسب بعض الزوار "صعيب أو لهلا يكتبها على شي مسلم".غير أن هذا الهدوء سيتكسر بمواجهة بين مواطن ورجل أمن أمام مكتب جنح الحوادث. احتج المواطن بشدة على "الزبونية وعدم احترام الدور". داخل الساحة أمام قاعات الحكم، دخل العربي وحميد في نقاش بخصوص ملفهما المعروض أمام القضاء، كأنهما يضعان الترتيبات الأخيرة، والاتفاق على دور كل منهما. ورغم النقاش، لم يمتنعا عن إبداء وجهة نظرهما حول موضوع إهانة القضاة. دون تردد أو حتى يمهل نفسه ثواني للتفكير، نصب العربي (40 سنة) يعمل تاجرا، نفسه مدافعا عن القضاة، إذ قال وكأنه يرافع أمام المحكمة "القاضي يقوم بمهامه بشكل عاد، وهو يصدر الأحكام باسم جلالة الملك، ما يعني أنه يحظى بتقدير كبير وبالتالي على الناس احترامه". واسترسل العربي مدافعا عن فكرته، " المواطن هو اللي كي دير علاش باش كي جي المحكمة، أول حاجة قبل ما يهين القاضي، إراجع نفسو، ويصلح الأخطاء اللي كي طيح فيها، من بعد عاد إحاسب المسؤولين". وبخصوص أخطاء القضاة في أحكامهم، التي تتسبب في صدور رد فعل من قبل المواطنين، اعتبرها المتحدث عادية والجميع معرض للخطأ، والمتقاضي ملزم مع ذلك باحترام مؤسسة القضاء. بالقرب من القاعة 7، وقف أحمد برحال، محام بهيأة البيضاء، يراقب عن بعد جلسات قضايا جنح حوادث السير. ولج القاعة، وغادرها مسرعا. لم يتأخر في إجابة على سؤال "الصباح" غير أنه حمل مسؤولية تنامي الإهانات والاعتداءات على القضاة وحتى المحامين، إلى وسائل الإعلام. يؤكد المحامي أن الأخبار التي تتصدر الصفحات الأولى لبعض الصحف الوطنية، تتحامل أحيانا على مؤسسة القضاء، إذ يوضح "العديد من الأخبار تحدثت عن فساد في جهاز القضاء، والمثير أنه عند قراءة الخبر، نجده فضفاضا وخاليا من أي تهمة أو محاكمة، وسعى أصحابه إلى الإثارة فقط".لكن رغم اتهامه لوسائل الإعلام، نبه برحال أيضا إلى أن جهل المواطن بالمساطر القانونية يساهم أيضا في تكريس هذه الظاهرة التي تسيء إلى العدالة، إذ يوضح قائلا:" أغلب المواطنين لهم جهل بالثقافة القانونية، وحتى إن اجتهد أحدهم في ضبط المساطر القانونية فإن الأمر يكون مغلوطا. وعندما يحاول المحامي تصحيح هذا الخطأ ينال نصيبه أيضا من الإهانة"، وبعد برهة من الصمت، استرسل ناصحا " لا يجوز ارتكاب جريمة بعد الجريمة المتابع فيها الشخص، حتى لو وقع القاضي في الغلط وأساء التقدير في حكمه. يجب التعاطي مع هذا الخطأ بروية، بدل أن يتسبب في متابعة قضائية". خارج باب المحكمة، اجتمع الحسين وقريب له يتحدثان في أمور خاصة، قبل أن تلتحق بهما امرأة، تخبرهما بمستجدات المسطرة والإجراءات. حاولنا معرفة وجهة نظرهما في الموضوع، غير أن الحسين، سارع إلى القول إنه لا يفهم ولا يعلم في الموضوع شيئا، إذ قال " أنا راني ما فهم والو، راني غير جيت لهنا من سيدي حجاج، ما عارف ما فاهم". بالقرب من مكتب جنح حوادث السير، كان هناك شخصان، ملتحيان، اختارا زيا أفغانيا، وأطلقا العنان للحيتيهما لتتجاوزا ذقنيهما بكثير. أحدهم ربط الظاهرة بقلة وعي المواطنين، لأنه حسب قوله، يجب احترام المؤسسة بحكم أنها عليا وحساسة، وأضاف موضحا :" سقوط المواطنين في هذه الهفوة يعود إلى غياب وسائل التوعية، لكن مع ذلك فالقاضي والمواطنون يتحملون المسؤولية. فكما يعلم الجميع هناك اختلالات في القضاء، وغياب النزاهة من قبل بعض القضاة، لكن هذا لا يعني أن القطاع جله فاسد، بل هناك قضاة يستحقون التقدير والاحترام، غير أن سلوك زملائهم وهم قلة أساء إليهم أيضا". وقبل أن يختم كلامه، نبه الرجل إلى معنى الحديث الشريف "قاضيان في النار وقاض في الجنة"، أنه لا يحمل إساءة إلى القاضي، ولا يمكن تطبيقها على العصر الحالي لسبب بسيط أن الفترة التي جاء فيها الحديث طبقت فيها الشريعة الإسلامية والقصاص، أما حاليا فالقوانين المدنية تفتح المجال أمام القاضي للسقوط في الخطأ. يتعين إيجاد آليات قانونية لضمان حماية القضاة المستشار بمحكمة النقض طالب بضرورة الأخذ بعين الاعتبار المقاربة الأخلاقية التي تتجاوز الحدود القانونية والمسطرية يرى محمد الخضراوي، مستشار بمحكمة النقض ومنسق لجنة الشباب بالودادية الحسنية للقضاة، أن موضوع حماية القضاة هو من أهم المقتضيات المنصوص عليها بمختلف الصكوك والإعلانات والمبادئ الدولية، وخاصة مبادئ الأممالمتحدة المتعلقة باستقلال السلطة القضائية التي صادق عليها المغرب، وأضاف في حوار مع «الصباح» أنه يتعين إيجاد آليات قانونية لضمان حماية القضاة من كافة أشكال الاعتداء ومصادره وتأمين سلامتهم الجسدية ووضعهم الاجتماعي. ما موقفكم أولا من الاعتداءات التي أصبحت تطول القضاة في الفترة الأخيرة؟ مبدئيا وبغض النظر عن أي اعتبار ذي مرجعية فئوية أو انتماء مهني لا يمكن لأي مواطن أو متتبع موضوعي إلا أن يرفض ويواجه كل سلوك أو ممارسة تمس بهيبة القضاء وكرامة القضاة وحصانة المؤسسة القضائية، كيفما كان مصدر هذا الاعتداء أو الجهة التي تسببت فيه، لأن القضاء يبقى في المقام الأول والأخير الملاذ والحصن الذي يوطد الثقة في المؤسسات وفي القيم ويؤسس لدولة المواطنة والحرية والمساواة والكرامة. ولهذا لابد من التذكير بأن المشرع الوطني والدولي حفاظا على التوازن الحقوقي والقانوني خول للمتقاضي في حدود وحالات حصرية تجريح القضاة أو طلب الإحالة للتشكك المشروع وذلك وفق ضوابط معينة ومساطر محددة ودون تعسف، حفاظا على هذه الثقة المفترضة في القضاء وتمسكا بالأصل الثابت ألا وهو حياد ونزاهة واستقلالية القضاة. هذا المتقاضي الذي أصبح الآن أمام مقتضى دستوري جديد يخوله أيضا حق المطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم عن خطأ قضائي. إذن هناك ضوابط دستورية وقواعد قانونية لابد للجميع أن يتقيد بها ويدافع عنها وأي تجاوز لها لابد أن يواجه بالصرامة الواجبة والموضوعية التامة دون أي تمييع أو استسهال أو مجاملة. ولابد أن أؤكد هنا على معطى هام قد يغفله البعض أو يتغافل عنه البعض الآخر وهو أن القضاة واعون ومدركون لواقع المتقاضين وكذا باقي مكونات أسرة العدالة والإكراهات والضغوط التي يعانونها وهم يباشرون مساطرهم وإجراءاتهم وما يترتب عن ذلك من آثار سيئة على نفسيتهم وعلى تقديرهم الصحيح للأمور مما قد ينعكس سلبا على ردود أفعالهم ومواقفهم إزاء المؤسسة القضائية برمتها ويخلق أجواءاً مشحونة ومتوترة في بعض الأحيان. هذا الوعي من طرف القضاة يجعلهم في كثير من الحالات - وقد أجزم لأقول بصفة يومية وفي جل المحاكم – يتغاضون عن تجاوزات وإخلالات ترتكب أثناء الإجراءات والجلسات بكل صبر ولياقة وكياسة مستندين في ذلك على قيمهم القضائية وعلى أخلاقيات الأسرة «الأسرة القضائية»، التي تفرض عليهم احتواء وتدبير المشاكل والأزمات بالحوار والتفهم والإقناع دون تعصب، لأن الهدف في النهاية هو تحقيق العدالة وإيصال الحقوق إلى أصحابها في أسرع وقت وأقل كلفة. هل تعتبر حالات الاعتداء على القضاة، حالات معزولة أم أصبحت ظاهرة تقتضي المعالجة؟ مما لا شك فيه أن الموضوع يتجاوز حتى البعد الوطني ويتخذ بعدا دوليا يستشف منه أن القضاة عبر العالم يعيشون في ظل العولمة نفس الإكراهات والتحديات (بنسب مختلفة طبعا) حيث تنامت وتيرة تجريح القضاة وتهديد سلامتهم الجسدية والاعتداء عليهم ماديا ومعنويا والمس بكرامتهم وبالاعتبار الواجب للقضاء. وإذا كنا لا نتوفر على معطيات إحصائية دقيقة عن حجم هذه الظاهرة وعدد هذه القضايا إلا أن الأكيد هو أن الأمر أصبح مقلقا وذي طبيعة إلحاحية واستعجالية، ولعل من أبسط مؤشراتها هو تزايد طلبات الحماية القضائية التي تقدم بها القضاة الفرنسيون مثلا حيث وصل معدلها إلى 80 طلبا سنويا منذ سنة 2010، إضافة إلى اعتيادنا سماع الانتقادات الشديدة والكثيرة للقرارات والأحكام القضائية تصل إلى حد المساس بشخص القاضي أو الهيأة القضائية مصدرة الحكم. وأصبح هذا الوضع موضوع نقاش عمومي وأثير أكثر من مرة بواسطة الأسئلة الشفوية والكتابية خلال جلسات مجلس النواب الفرنسي في السنوات الأخيرة. بل واتخذ المجلس الأعلى للقضاء الفرنسي بتاريخ 11 مارس 2004 رأيا هاما (Avis) بشأنه طالب فيه باتخاذ مجموعة من التدابير الإجرائية كتشديد شروط مسطرتي التجريح والتشكك المشروع والرفع من قيمة الغرامات في حق الطلبات الكيدية، بعدما تبين له كثرة هذه الطلبات التي تستهدف بالأساس التأثير على استقلال القضاة ومحاولة استبعادهم من البت في القضايا عن طريق التشكيك في حيادهم ونزاهتهم. وهذه القاعدة تجاوزت بلدا معينا لتعم كل دول المجموعة الأوربية حيث ستنكب خلال الأسبوع القادم بستراسبورغ لجنة تابعة للمجلس الاستشاري للقضاة الأوربيين (CJJE) على إعداد رأيها عدد 16 الخاص بتنظيم العلاقة بين القضاة والمحامين بأوربا، على اعتبار أن الكثير من التوتر والمشاكل تترتب عن عدم الانسجام والتعاون بالخصوص بين هذين الفاعلين الأساسيين في أسرة العدالة. ولا أحتاج هنا إلى التذكير أن موضوع حماية القضاة هو من أهم المقتضيات المنصوص عليها بمختلف الصكوك والإعلانات والمبادئ الدولية، وخاصة مبادئ الأممالمتحدة المتعلقة باستقلال السلطة القضائية التي صادق عليها المغرب. كما أصبحنا قضاة ملزمين دستوريا بالدفاع عن استقلالنا كلما كان هذا الاستقلال مهددا ولم يعد بالإمكان الركون إلى السلبية أو عدم المبادرة لأن الأمر يتعلق بشأن عام ومصلحة عامة، ويجب على الجميع الانتباه إلى أن كل محاولة للتأثير على القضاة بصفة غير مشروعة أصبحت بمقتضى الدستور الجديد فعلا يعاقب عليه القانون. كيف يمكن معالجة هذه الظاهرة دون أن يكون لها أي انعكاس سلبي؟ لابد من التأكيد على أن الموضوع يمكن تناوله ومعالجته من زوايا مختلفة، لكن يبقى في نظري الجانب الأكبر والأساسي الذي يجب أخذه بعين الاعتبار هو المقاربة الأخلاقية التي تتجاوز الحدود القانونية والمسطرية. وهنا لا يمكننا قضاة مغاربة إلا أن نفخر بمدونة قيمنا القضائية التي وضعتها الودادية الحسنية للقضاة منذ أكثر من ثلاث سنوات وبالضبط سنة 2009، وهي نتاج عمل قضائي مغربي خالص وأصبح يدرس الآن حتى بجامعات دولية كبرى واستلهمت منه العديد من الدول مجموعة من المقتضيات والمبادئ. ولم نقف عند هذا الحد، بل قمنا في إطار برنامج العمل السنوي للودادية الحسنية على تكوين مكونين في مادة القيم القضائية عبر مختلف المكاتب الجهوية بالمملكة واستفاد من هذه العملية عدد هام من القضاة المغاربة هذا إضافة إلى الندوات الجهوية والوطنية المختلفة الخاصة بهذا الموضوع، والتي خلقت تراكما إيجابيا هاما لدى القضاة كما تدرس أيضا للملحقين القضائيين وفق منهجية خاصة بالمعهد العالي للقضاء. والأساس في كل هذا هو ترسيخ الوعي لدى القضاة بأن رسالتهم تطوقهم بواجب اللياقة والوقار والتحفظ والتجرد والحياد والمساواة والشجاعة الأدبية والنزاهة وأن يتم توطيد الاطمئنان والثقة لدى الجميع من خلال صبر القضاة وكياستهم ودماثة أخلاقهم واحترامهم لذاتهم ولغيرهم وقوة شخصيتهم وابتعادهم عن الشبهات وتطبيقهم العادل للقانون وعدم التفاتهم في كل ذلك إلا لصوت الضمير وصوت الحق لا يخافون في الله لومة لائم. وأعتقد أننا الآن بعد الإصلاحات الدستورية والأوراش الكبرى المفتوحة لدينا العديد من الفرص المتاحة لتكريس دولة الحق والمؤسسات وأن الجميع يجب أن يساهم بكل مواطنة في دعم الثقة والاعتبار الواجب للسلطة القضائية، باعتبارها المسؤولة دستوريا على حماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات وضمان أمنهم القانوني. كما يتعين إيجاد آليات قانونية لضمان حماية القضاة من كافة أشكال الاعتداء ومصادره وتأمين سلامتهم الجسدية ووضعهم الاجتماعي، من خلال وضع سياسة جنائية واضحة في هذا المجال وتأمين الحماية للمحاكم وقاعات الجلسات والمكاتب التي تكون ذات علاقة مع العموم وتكوين القضاة في مجال السيطرة وتدبير الأزمات maîtrise des situations de crises وإيجاد آليات وفضاءات للتواصل بين القضاء وباقي الفعاليات والمكونات بشكل يوضح مجالات العمل ويحدد الاختصاصات والمسؤوليات بكل دقة. الصديق بوكزول حميد الأبيض مصطفى لطفي