بعيدا عن صخب شوارع المدينة وضجيجها ،بعيدا عن سهرات الطرب والغناء،بعيدا عن المقاهي التي حازت واحتلت أجزاء كبيرة من الملك العمومي أين تربعت الموائد والكراسي تحرسها أعينا تراقب الغادي والبادي. وهروبا من كل هذه الأجواء عاش فضاء المركز الثقافي البلدي بوجدة ليلة استثنائية أثثتها شواعر من مختلف مدن الجهة الشرقية، جئن لينطقن شعرا،ويطلقن العنان للكلمة الرخيمة والرنانة،في أجواء رومانسية وشاعرية،كللت بالتصفيقات وتوجت بالزغاريد،حدث سهرت على تنظيمه المديرية الجهوية للثقافة ليلة الأربعاء 8 غشت بالفضاء السالف الذكر بمشاركة 12 شاعرة من مختلف مناطق الجهة الشرقية ومن مدن مغربية أخرى وفي مقدمتهن "سناء الحافي" الشاعرة المغربية من أصول وجدية المقيمة بالأردن ،التي حلت كضيفة شرف لهذه الأمسية الشعرية التي استمرت إلى ساعة متأخرة من الليل. حيث كانت هذه المحطة الأدبية والفنية فرصة مواتية و سانحة للمرأة بالجهة الشرقية،لتبتكر وتبدع في الأدب والشعر،وتفوح بمكنونها وتفجر طاقتها وتعطي الحق لقريحتها لكي تجود عليها بكلمات صداحة تحمل في ثناياها سهاما ثاقبة تخترق كل القيود والحدود ،سهام تكسر العادات والتقاليد،وتتخطى العقبات والحواجز وتخرجها من قوقعة الانغلاق والانكماش،وتنقذها من جب الفقر والإقصاء والتهميش،من أجل الانفتاح عن الحياة والأمل ،وتطلق العنان لصوتها الذي ظل إلى يوما ما عورة،فالأمر لم يعذ كذلك فتحول صوتها لسلاح ناري لكنه قد ينطق لحنا وشعرا بلغة الضاد ولغة "موليير" عبرت فيه المرأة عما يخالج أعماقها من حزن وفرح ،تكلمت عن همومها عن معاناتها عن صمتها عن اغتصابها عن إرادتها وتمردها أيضا عن واقعها ومحيطها الذي لا شك أنه يوما سيرضخ لإرادتها وطموحاتها ومن جهة أخرى فقد عرفت كل القصائد التي تم إلقاؤها خلال هذه الأمسية استحسانا كبيرا من طرف الجمهور الحاضر والذي غلب عليه الطابع النسوي لتبقى السهرة مؤنثة بامتياز. وكعادتها في مثل هذه المناسبات تألقت و بشكل ملفت للنظر واستطاعت أن تجلب إليها الأنظار وترفع من إيقاع وحرارة الفضاء التي لم تعد مكيفاته الهوائية قادرة على تلطيف الأجواء ،إنها الشاعرة المتمردة "نعيمة لحروري" شاعرة بني كيل التي استطاعت أن تنتزع تصفيقات حارة من الجمهور الحاضر الذي تفاعل مع قصائدها الشعرية الثلاث بشكل عفوي وتلقائي،ويتعلق بقصيدة تحت عنوان "صبح الحرية" خيانة" و"فضول كلام "قصائد كلماتها مستلهمة من عبق تاريخ قبائل بني كيل ،مستنبطة من حياة البدو القحة في النجود العليا أهل الجود والكرم،منبعثة من جوارح المرأة "الكيلية" التي ظلت ولا زالت تئن تحت وطأة عقلية ذكورية متسلطة ومستبدة،لا تردد هذه العقول المتحجرة في وأد المواهب وقتل روح الابتكار والإبداع في المرأة "الكيلية"و لم تستسغ هذه الكائنات الذكورية بعد أن هبوب رياح الحرية بدأ يطرق أبواب المرأة "الكيلية" أيضا ،فلا بد إذن للاستجابة لرياح التغيير حب من حب وكره من كره. وفي سياق آخر فقد تخللت فقرات هذه الأمسية الشعرية مجموعة من الأنشطة الموازية تمثلت في عروض مسرحية،ولوحات غنائية صبت كلها في خانة هموم ومعاناة المرأة المغربية التي تسعى جادة لوضع قطيعة من زمن الاضطهاد وسلب الحرية ،ليتم في اختتام هذا الحفل الرومانسي بامتياز،توزيع الشواهد التقديرية على كل المشاركات،باستثناء ضيفة الشرف الشاعرة"سناء الحافي" التي لم تتمكن من التوصل بشهادتها التقديرية لكون الجهة المنظمة لهذه التظاهرة على ما يبدو نسيت استخراج شهادة ضيفة الشرف.