احتضنت خزانة الساورة التابعة للجماعة الحضرية لمدينة وجدة ، مساء يوم السبت 31 يوليوز الماضي، أحد الأنشطة الفنية الرائعة والفريدة من نوعها المتمثلة أمسية شعرية للقصيدة البدوية تم خلالها تكريم الشيخ المغترب الشاعر أحمد زنتار الكيلي أحد أعمدة هذا الموروث الثقافي التي تتميز به الجهة الشرقية والذي حضر من باريس خصصيا لإمتاع الجمهور المتميز من بعض الشيوخ مثل الشعراء عزيزي وأحمد اليعقوبي وبوعلام العباسي ولخضر الياشوتي وأحمد السامحي إضافة الشعراء الشباب بقصائده الجميلة، كما استمتع الحضور بقصائد تغنى بها هؤلاء الشعراء الواعدون. يعتبر زنتار أحمد الكيلي من الشعراء الكبار الذين بصموا على موروث القصيدة البدوية وهو من مواليد 1950 مدينة بوعرفة، متزوج وأب لخمسة أبناء كلهم مستقلون، يعيش في مدينة الأنوار عاصمة فرنسا بأوروبا منذ 45 سنة وكان يشتغل في الأنشطة التجارية قبل أن يمتلك سيارة أجرة. شاعر بدوي ذاع صيته بالجهة الشرقية وتجاوز الحدود حيث يملك شهرة بالغرب الجزائري وبعض دول أوروبا حيث يعيش المغتربون من دول المغرب العربي خاصة من المغرب والجزائر. ■ متى تفتقت موهبتك وولجت عالم النظم والشعر البدوي؟ ■■ ولدت شاعرا في أسرة الشعر والشعرا ء، وتتلمذت على والدي وأجدادي، والشعر عندنا وراثي، وأهل قبيلة بني كيل يعلمون هذا. بدأت الشعر صغيرا ،حوالي13 سنة، وواكبت الشعر إلى يومنا هذا. ■ من هم شيوخك دون شعراء الأسرة؟ ■■ أحببت الفن وأحبت شيوخ الشعر منذ صغري وحفظت لهم قصائد. كنت أدعوهم إلى بيتي، وأذكر الشيخ الشاعر لخضر الياشوتي، وعددا من الشيوخ مثل لوكيلي ويونس ومحمد اليونسي رحمه الله والذي كان المغني الوحيد لقصائدي، ومن الشيوخ الجزائريين الأشقاء رابح درياسة وخليفي أحمد والكثير الكثير حيث أنني لا أستطيع تعداد شيوخ تعرفت خلال مسية أكثر من 35 سنة. ■ كم قصيدة نظمت في الشعر البدوي؟ ■■ حوالي 150 أو 160 قصيدة، وكلّها مكتوبة حيث لم تعد لي ذاكرة الحفظ كما كان ذلك في عزّ الشباب، واليوم وأحفظ القصائد لكن ببطء، وتمّ أداء البعض منها من طرف شيوخ الغناء. ■ هل تغني قصائدك؟ ■■ لا. أنا لم أتخذ أبدا نظم الشعر حرفة أو نظم كلمات للغناء، بل أنا شاعر موهوب أنظم قصائدي لما تجود بذلك قريحتي ويجود بها إلهامي، ومن رغب في التغني بإحدى قصائدي أرحب به. ■ أين تصنف الفن التي تنظمه: في فن الراي أو الفن الشعبي أو الفن البدوي؟ ■■ عدا الراي، يمكن لك أن تصنف فني في أي صنف مما ذكرت، في القصيدة أو في الشعر البدوي. لكن أود أن أسألك عما تقصد بالشعر البدوي؟ ■ الشعر البدوي فن متأصل في البادية ويتغنى بالحياة البدوية وبيئتها ومشاكلها.. ■■ الشاعر ابن بيئته. فإذا كنت في البادية فأنا شاعر البادية، وإذا كنت في الحضيرة فأنا شاعر الحضيرة، ولكلّ مقام مقال، وما يخالج الشاعر يبوح به، كما أن الشاعر ناقد للمجتمع ويبرز له ما يخفى عنه. ■ ما هي المواضيع التي تتطرق لها قصائدك الشعرية؟ ■■ تحدثت ونظمت قصائد في جلّ المواضيع، لكن ما يطغى على شعري هو موضوع الغربة لأنني أشعر بالغربة وأحس ببعدي عن بلدي ويراودني الحنين إليه. ■ كيف ينظر الشاعر زنتار إلى موجة الراي؟ ■■ لا يمكن لمعدن الذهب أن يكون غير ذلك. الراي موجة من موجات ظهرت وستندثر...الشعر البدوي والأغنية البدوية، فنّ قائم بذاته منذ قرون والرجوع إلى الأصل أصل، ولا يصح إلا الصحيح. أنا لا أعطي أي أهمية للراي وأعتبره ضجيج في ضجيج منظم. ■ ما هي وضعية الشعر البدوي الآن بعد رحيل العديد من الشيوخ؟ ■■ لما شاهدت هذه الوجوه النيرة والواعدة التي هي أمامي استبشرت خيرا لمستقبل الشعر البدوي وإني سعيد بوجودي في أحضانهم وأعتبر نفسي ولدت من جديد. ■ ما هي أمنية الشاعر البدوي أحمد زنتار الكيلي؟ ■■ يقول الشاعر العربي "قل الشعر فالشعر كمال للبشر"، وأتمنى أن نعمل للرفع من الشعر البدوي بتنظيم أنشطة وتظاهرات ومهرجانات، كما أتمنى أن يتمسك الشعراء البدويون بالشعر البدوي لأنه هو الشجرة الأصيلة والحرّة المثمرة ثمارا حلوة. وفي معرض مداخلته بالمناسبة، أشار الأستاذ ميمون راكب باحث في فن التراث الشعبي بالجهة الشرقية، إلى أن هذا النشاط هو في حدّ ذاته تكريم للقصيدة البدوية التي لا يولى لها الاهتمام الواجب ولا تُبوّأ المكانة المستحقة،"وَهَّمْنا أنفسنا أو حاولنا أن نُوهِمها على أن التراث الشعبي لم تعد له قيمة وظيفية في حياتنا، بالرغم من أن مواكبة التراث تبقى حاضرة وتتحكم في سلوكنا وفي ذهنيتنا بشكل كبير". وذكر بأن تصنيف القصيدة البدوية يطرح إشكالا حيث يتساءل العديد من المهتمين عما هي التسمية التي يمكن إطلاقها عليها ،الملحون أو الزجل. وترك للباحثين مهمة البحث في هذا المجال ومحاولة تفكيك المصطلح ومنحها قيمة الإطلاق الحقيقة، حيث في غالب الأحيان لما يتم الحديث عن شعر الملحون في المغرب تغيب القصيدة البدوية. وتساءل إن كانت للقصيدة البدوية مميزاتها وخصوصيتها تميزها عن غيرها، "وهذه الخصوصيات هي التي تعطي للأدب الشفهي تمايزه وتميزه عن باقي الآداب الشفهية الأخرى،إذ أن التراث المحلي ينبع من خصائص وعوامل محلية، الإنسان والبيئة والمحيط والحيوان والمكان...".