إن القرارات الملكية التاريخية التي أعلن عنها صاحب الجلالة في الخطاب السامي بوجدة يوم 18 مارس 2003 شكلت تحولا تاريخيا بالنسبة للجهة الشرقية. وقد تكونت اليوم قناعة لدى القوى الحية بهذه المنطقة أنه يمكن الحديث عن مرحلة ما قبل الزيارة الملكية والخطاب التاريخي والمرحلة الموالية التي تعتبر محطة ذهبية في تاريخ هذه المنطقة الحافلة بالعطاء. ومما لا شك فيه أن هذه القرارات أحدثت تحولا عميقا في مسار الجهة الشرقية التنموي، ومنطلقا استراتيجيا تنمويا لم تشهده الجهة من قبل، لأنها ترتكز على تصور جديد للجهة كقطب اقتصادي. فقد عرفت الجهة مشاريع تنموية هامة في اطار هذا التصور التنموي الجديد. ولعب الوالي الأسبق محمد ابراهيمي دورا رائدا في انجاز هذه المشاريع تنفيذا للإرادة الملكية واستلهاما لتوجيهاته. إلا أن انتكاسة عطلت هذه المشاريع الهامة والأوراش الكبرى، فالوالي السابق عبد الفتاح الهومام تخلف عن المرحلة فأوقف الدينامية وعرقل المسار. ولا شك ان تعيين محمد امهيدية جاء ليصحح المسار ويعيد القطار الى السكة... مهام جسيمة وملفات كبرى تنتظر بصمات الوالي الجديد... القطع مع إرث سابقه والتفوق على نفسه... أكيد أن محمد امهيدية وجد في مقر عمالة وجدة انجاد طاقما من المسؤولين والموظفين مسلحين بالتكوين الاداري والتجربة المهنية... هؤلاء الرجال والنساء يسهلون عليه المهمة، فقد ابانوا عن كفاءتهم ومهنيتهم، تقديرهم للمسؤولية واحترامهم للمواطنات والمواطنين وخدمتهم في اطار ما يسمح به القانون. ان ينجز الوالي محمد امهيدية مهامه بشكل جيد، أن يسير الأوراش التي تعرفها وجدة بحكامة ونجاعة، ان يعالج الملفات الاقتصادية والاجتماعية بدقة... هذا يتطلب ان يكون مسنودا بطاقات مقتدرة وكفاءات عالية. ان انشغالات الوالي كثيرة ومتنوعة، ومن باب تحصيل الحاصل القول ان الوالي مهما كانت طاقاته الذاتية وقدراته المهنية غير قادر على الاحاطة بجميع التفاصيل. من هنا نتحدث عن الوالي كمؤسسة لا الوالي كشخص. ونعلم ان ولاية الجهة الشرقية عمالة وجدة انجاد تتوفر على كاتب عام يجمع كل مواصفات المسؤول القادر على تدبير الشؤون الادارية والموارد البشرية. ثقافة ادارية وقانونية، معرفة اكاديمية وتجربة غنية، متح من مصادر كثيرة متنوعة، الجامعة، الادارة... واذا كان رجال السلطة رجال فعل لا رجال فكر، فإن الانصاف للحقيقة يقتضي، التأكيد على ان لحبيب العلمي من الأطر الادارية التي تشكل استثناءا في هذا المجال، انه فكر يمارس وممارسة تفكر. لحبيب العلمي تكوين علمي وتجربة ادارية، قدرة مدهشة على النفاذ الى صلب أي موضوع أساسي، واقتراح الحلول والميكانيزمات المواتية لمعالجته... قوة هادئة، يشتغل في صمت... يتكلم قليلا ويفكر كثيرا ويشتغل اكثر... يتكلم بهدوء وثقة، يخاطب العقل ويتوخى الاقناع... لا يصرخ لأنه يعلم بأن تأثير الصراخ مؤقت في الزمان والمكان، صاحب عقل علمي، والعلم عندما يقتحم السلطة يصبح أكثر فعالية ونجاعة. ان كل من تكون تكوينا اكاديميا مؤهل أكثر من غيره لمقاربة الملفات بمنهجية علمية وحكامة فعالة... هي جملة من الملاحظات التي سجلتها وأنا أتابع الرجل وهو يتدخل في مقر الولاية أو خارجها... لقد تبين لكل متتبع ان الرجل متمكن من الملفات التي يكلف بها. لما اسند إليه الوالي الأسبق محمد ابراهيمي تقديم عرض مفصل وتوضيحي حول مستجدات مدونة الانتخابات في 2009. تفوق لحبيب العلمي على نفسه، وسجل الحضور المتنوع بقاعة الاجتماعات بولاية الجهة الشرقية كفاءة هذا الاطار واستيعابه لملف دقيق يتداخل فيه الاداري والدستوري والسياسي. تأكد كل الفاعلين الذين تابعوا عرض هذا الاطار الشاب ان محمد ابراهيمي راهن على الرجل في التوضيح والاقناع. اشتغل لحبيب العلمي مع الوالي الأسبق كإطار مكلف بالملفات التي تستلزم تكوينا قانونيا واداريا، وتتطلب الدقة في البحث والالمام بالمساطر. وفعلا نجح الرجل في مهمته. وكان هذا يؤشر أن مسار الرجل المهني واعد. لما تم تعيين محمد نجيب بنشيخ الكاتب العام آنذاك، عاملا على اقليمقلعة السراغنة، لم يتعب محمد ابراهيمي في البحث عمن يستحق شغل هذا المنصب الشاغر وهو الذي خبر ميزات لحبيب العلمي عن قرب، واقتنع بأن مؤهلات الرجل تؤهله لتحمل هذه المسؤولية عن جدارة واستحقاق. وفعلا أبان لحبيب العلمي ككاتب عام بالنيابة أنه الرجل المناسب في المكان والزمان المناسبين. لا أحد يجادل في الكفاءات الاستثنائية، في الفكر والميدان، لمحمد ابراهيمي، فالوالي الأسبق متعدد الميزات ولا فرق بين مميزاته، اطار من العيار الثقيل... ولا شك ان اشتغال لحبيب العلمي الى جانب هذا الوالي المقتدر جدا، اكسبه تجربة بصيغة أخرى، تجربة صقلت قدراته الفكرية وأغنت مساره المهني. لأسباب أو لأخرى تم إعفاء محمد ابراهيمي وتعيين عبد الفتاح الهومام واليا على الجهة الشرقية عاملا على عمالة وجدة انجاد. انتظر الرأي العام بوجدة بصمات المسؤول الجديد، وتبين مع توالي الأيام أن وجدة ، التي كانت عبارة عن ورش كبير بفضل الارادة الملكية التي تجسدت في الخطاب التاريخي بوجدة في 16 مارس 2003، دخلت قاعة الانتظار... توقفت الاوراش او على الأقل كادت وفقدت مؤسسة الوالي بريقها، وتبين أن مهمة الوالي تفوق امكانيات الرجل ودخلت وجدة مرحلة الانتقال. تعيين الهمام جاء مؤثثا بتعيينات مصاحبة، تم اعفاء لحبيب العلمي وتعيين كاتب عام جديد... قلنا آنذاك ان الوالي الجديد جاء بفريقه بحثا عن التناغم والانسجام. ولكن النتائج، نتحدث عن النتائج تجاوزا، كشفت عن العطالة وتبينت التراجع على مستوى التدبير والتسيير. وفي اطار التمهيد لتصالح وجدة مع اوراشها وادارتها الترابية تم اعفاء الوافد من الدارالبيضاء وتعيين لحبيب العلمي، ولكن هذه المرة كاتبا عاما بهدف الخروج من الجمود الذي هيمن على عمالة وجدة انجاد. ومن جديد أبان العلمي عن كفاءاته التي أهلته لملإ الفراغ، بل أنه استطاع ان يغطي على انسحاب الوالي الهومام، مكره أخاك لا بطل. في الاجتماعات الرسمية، مع المنتخبين، مسؤولي المصالح الخارجية، مع الفاعلين المجتمعين وفعاليات المجتمع المدني... كان لحبيب العلمي ينوب عن الوالي السابق في التفسير والاقناع. وكم من مهمة قضاها الهومام بتركها للكاتب العام... ويسجل المتتبعون ان العلمي كان هو العامل الفعلي. تعيين محمد امهيدية واليا على الجهة الشرقية عاملا على عمالة وجدة انجاد نقرأ فيه اعادة الاعتبار لمؤسسة الوالي وتصالح وجدة مع اوراشها التنموية. وان رجلا بطاقات امهيدية وتجربته الناجحة قادر على النهوض بوجدة والجهة الشرقية انخراطا في المشروع الملكي الطموح. وسيتفرغ امهيدية للمشاريع الكبرى والملفات الشائكة لأنه مسنود بمادة بشرية مقتدرة، أطر وكفاءات عالية على رأسها كاتب عام في عمر الزهور، فعال وديناميكي، مرن بشوش... مرونة لا تستطيع حجب صرامته الادارية، وبشاشة لا تستطيع اخفاء جديته المسؤولة. لا ينافس احدا على "تفاحة" او "مساحة"، يعرف ان طريق حصد الترقيات المهنية هو التفاني في العمل ونكران الذات ووضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار... ينصت جيدا لتوجيهات صاحب الجلالة، يقرأها جيدا ويستوعبها جيدا ويعمل على تجسيدها في اطار المفهوم الجديد للسلطة.