استطاعت زيارة سعد الدين العثماني للجارة الجزائر، أن تكشف بكل الوضوح عن التعنت الجزائري في قضية فتح الحدود البرية مع المغرب، بالرغم من كون هذه الزيارة تندرج في إطار المسار الإرادي لحكومتي البلدين، لحلحة وضعية المراوحة والجمود التي بصمت العلاقات الثنائية لمدة 17 سنة فمن المؤكد أنه لم يدر بخلد أي من الشعبين المغربي والجزائري اللذين تربطهما أواصر القرابة والمصاهرة، أن أجنحة سوف تنبت فجأة في ظهور دبلوماسي الجزائر ليصبحوا ملائكة. ما جرى في أول زيارة يقوم بها وزير الخارجية المغربي للجزائر، وما تمخضت عنه من نتائج ربما يثير العديد من الشكوك أو المخاوف تجاه النوايا الحقيقية للجزائريين من تحبيذ الجزائر لأن تجري مفاوضات مستقبلية حول موضوع فتح الحدود، مع إمكانية بحث تطور العلاقات بين البلدين في بعض المجالات، نفس الشكوك تحوم حول غياب الخبرة في العمل الدبلوماسي للوزير المغربي الجديد الذي ربما يسعى جاهدا لأن يعطي قيمة مضافة للدبلوماسية المغربية في حكومة عبد الإله بنكيران. ولأن تشكيلة الوفد المغربي المصاحب للوزير سعد الدين العثماني إلى قصر المرادية لم تحمل من الأسماء الوازنة التي ترتبط برباط وثيق ، له جذور متينة بشخصيات جزائرية تاريخية، فإن هذا الاختيار قد وضع دبلوماسيتنا أمام مسؤولياتها وتحدياتها في إدارات المشاورات والمفاوضات مع الدبلوماسية الجزائرية ومع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على وجه الخصوص. وإذا لم تكن هناك أي مصوغات لاختيار عناصر الوفد المغربي اعتمادا على ما أسلفت في باقي الزيارات الدبلوماسية، فإن الأمر مع الجزائر يختلف، فلقد نسب إلى العثماني قوله بعد عودته إلى الرباط بأن لقاءه مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي دام ثلاث ساعات كان وديا وحميميا، وقال في تصريحات لبعض الصحف المغربية إنه لم يكتف بمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين، بل شملت محادثاتهما ذكريات بوتفليقة عن سنوات إقامته في وجدة، وذكرت جريدة مغربية أخرى أن بوتفليقة تحدث للعثماني عن الدكتور الخطيب وأحرضان ومدينة وجدة. قد نتصور رئيس الديبلوماسية المغربية وهو ينصت إلى بوتفليقة محدثا إياه عن دروب وجدة وأزقتها وعن شخصياتها ورفاقه في الدراسة وعن الولاية الخامسة الجزائرية وهي الولاية الجزائرية الوحيدة التي كانت خارج تراب الجزائر.. لاشك أن وزيرنا ووفده لم يكن حالهم أفضل من حال التلميذ أمام أستاذه. وقد نتصور أيضا حال الوفد المغربي لو كان يضم أحد أبناء مدينة زيري بن عطية الذين ترعرعوا مع بوتفليقة في مدرسة سيدي زيان أو ثانوية عبد المومن أو بأزقة بودير أو درب العربي، إذاك سيكون للمحادثات والمشاورات طعم آخر وربما نتائج أخرى. واقع الحال وما يواجهه سكان الجهة الشرقية من تأثيرات غلق الحدود وما تأمله الجهة من أمال كبيرة، تستوجب على دبلوماسيتنا أن يكون اختيار الوفود تتحكم فيه المصلحة العليا للوطن وليس الإقصاء أو الإبعاد. أبناء وجدة قادرون على منح قيمة زائدة للدبلوماسية المغربية في مشاوراتها مع الجزائر، ولها من الأطر السياسية والإدارية ما يؤهلها لأن تعطي طعما آخر للعلاقات المغربية الجزائرية، فهل سيستجيب سعد الدين العثماني لمطلب الوجديين إذا صدحوا يوما “خذنا معك”؟