هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفتوى بين الدين والدنيا
نشر في الوجدية يوم 11 - 08 - 2011

بين ردة من يساعدون إسرائيل، وضرورة خلع المرأة نقابها، إلى جواز إفطار اللاعبين في رمضان لصعوبة مهنتهم وقسوتها!!، تأتي فتاوى 2009 - 1430، محيلة إلى ما نحن فيه من عشوائية، ورؤية ضبابية، وعدم اتفاق على معايير ثابتة لإدارة الشأن الإسلامي العام في الوطن العربي.
المفتون في هذا العام -بغض النظر عن مستوى تأهيلهم المهني- تصدروا واجهات الأخبار، وكانوا نجوم السطح الساخن بامتياز.. تارة عن جدارة واستحقاق، وتارة أخرى -وهي الأكثر- لأن الظرف العام اقتضى ذلك.
فبعضهم أنكر حزن المسلمين السويسريين على مآذنهم، وآخرون أقروا شرب الخمر للحوامل بسبب "الوحم"!!، كبراؤهم أفتوا بخلع نقاب المرأة عن وجهها متناسين نقابا آخر على مخالفات كارثية للشريعة!، ثم إحدى المؤسسات الدينية تعتبر "لعب" الكرة مهنة صعبة يجوز معها وبسببها إفطار "اللاعبين".
لكن الأكثر "إسفافا" إن جاز التعبير، هو النزول بالفتوى إلى غير محلها، وجعلها تكأة لاتخاذ مواقف وإن بدت سياسية إلا أنها في الحقيقة حفاظا على أشخاص بأعيانهم، مما يدل على عدم وعي بطبيعة الفتوى والفضاء الذي يجب أن تتحرك بداخله.
حدث ذلك مع هيئة علماء السودان حينما أصدرت ما اعتبروه واعتبره جمهور المتلقين "فتوى" تقضي بمنع الرئيس البشير من السفر إلى الدوحة لحضور القمة العربية حفاظا عليه، وقت اشتعال أزمة ملاحقته قضائيا من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
لكننا وللإنصاف لم نعدم فتاوى فيها من التزام الحق والحقيقة ما اعتُبر من فرط غيابه عن عالم المفتين "جرأة" كفتوى تحريم وتجريم منح القمني جائزة الدولة التقديرية، وكالجهر بالحق من قبل ثلة من العلماء في موضوع معبر رفح.
التطبيع من نواقض الإسلام
تحت نيران اسرائيل على غزة أصدر أكثر من مائة عالم من مختلف الأقطار الإسلامية، فتواهم بأن التعاون مع اليهود خيانة وردة، وأن مظاهرتهم وإعانتهم على المسلمين "هي الناقض الثامن من نواقض الإسلام".
ولم تكتف الفتوى بذلك، بل رأت أن تسقط الحكم على الواقع، فنصت على أن "إغلاق معبر رفح بعد هجوم اليهود من أعظم الخيانات الصريحة التي مرت على الأمة عبر التاريخ".
وفي سياق متصل أعلنت جماعة "جند أنصار الله" بقيادة الشيخ عبد اللطيف موسى تطبيق الشريعة الإسلامية في غزة ولجوئها إلى العنف في تحقيق هذا الهدف، الأمر الذي رفضته حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وتصدت له بتصفية الشيخ عبد اللطيف ومحاصرة جماعته وقتلهم.
وقد خلف هذا المشهد ردودا فقهية متباينة بين القبول والرفض؛ حيث أيد الشيخ العلامة يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ما صنعته حماس، وقال إنها كانت على حق فيما فعلت، وإنها اضطرت إليه اضطرارا!!.
بينما رفضت أصوات سلفية ما حدث، وأصدروا بيانا شرعيا لعلماء الدعوة السلفية باليمن وقع عليه 60 عالما ينكرون فيه على حماس ما فعلته، وتحدث البيان عن عصمة الدم المسلم وحرمة إراقته والتعدي عليه، واستنكر البيان ما فعلته حماس واصفا إياه بأنه تصرف خاطئ لا يُبرره شرع ولا عقل!.
كرة القدم عذر شرعي
عن دار الإفتاء المصرية صدرت فتوى بجواز إفطار لاعبي كرة القدم أثناء المباريات الرسمية التي تقام في نهار رمضان، على اعتبار أنهم من أصحاب المهن الشاقة التي يؤثر الصوم على أدائها، خاصة إذا كانت مصدر الرزق الوحيد للاعب!!.
رد جبهة علماء الأزهر
ومن جانبها أدانت جبهة علماء الأزهر هذه الفتوى، ووجهت انتقادات شديدة لدار الإفتاء، واتهمتها ب"التمييع" الذي يعد –بحسبهم- السلاح الأخطر على الإسلام الآن.
وعللت الجبهة ما ذهبت إليه بأن كرة القدم ليست من ضرورات الحياة التي يرخص لها الفطر، وأنها ليست من الأمور التي وردت من تكاليف هذا الدين، معتبرة أنه من حق الجميع اللعب على أن يكون ذلك ترفيها لا امتهانا ولا وظيفة.
النقاب بالفتاوى
ومن جملة الأشكال المتنوعة التي اتخذتها الفتوى هذا العام جاءت فتاوى النقاب التي قالت بعدم فرضيته وعدم سنيته، واعتبرته جسما غريبا في الجسد التشريعي الإسلامي بمثابة المتراس الذي احتمى خلفه المجلس الأعلى للأزهر الذي منع المنتقبات من دخول الجامعة، وأصدر قرارا إداريا بحظر لبس النقاب على النساء في قاعات الدرس التي لا يغشاها الرجال.
ومن جانبه أعلن مجمع البحوث الإسلامية تأييده لما جاء في بيان المجلس الأعلى للأزهر الصادر حول ثلاث حالات يحرم فيها النساء من ارتداء النقاب وهي:
1-(في فصول وقاعات الدرس إذا كان الجميع من الطالبات واللائي يقمن بالتدريس لهن من السيدات).
2-(في قاعات الامتحانات إذا كانت هذه القاعات كل من فيها طالبات ومراقبات من السيدات).
3-(في المدن الجامعية الخاصة بالطالبات والتي هي مخصصة لهن دون غيرهن).
فتاوى تبرأ منها أصحابها بعد أن فضحتهم
شهد هذا العام جملة من الفتاوى التي نسبت إلى مفتين تبرؤا منها ، لعل من أبرزها ما نشرته جريدة الوفد من أن دار الإفتاء المصرية أفتت على لسان مفتيها الدكتور علي جمعة بأن فوائد البنوك ربا حرام يجب تجنبه وأن الشبهة قائمة فيها ، فانبرت دار الإفتاء المصرية تنفي عن نفسها هذه التهمة وتؤكد في وضوح وجلاء زيف هذه النسبة إليها وأنها ترى أن فوائد البنوك حلال لا شبهة فيها.
وواقعة ثانية تتعلق أيضا بالدكتور علي جمعة؛ حيث نشرت إحدى الصحف على لسانه أنه وصف النقاب بأنه ثوب شهرة، بينما تبرأ المفتي من نسبة هذا القول إليه.
أما الفتوى الثالثة -ولعلها الأهم- فهي ما نشرته جريدة المصري اليوم حول استثناء الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي للدول التي وادعت إسرائيل من واجب الجهاد لتحرير فلسطين، وفي مقابلة فضيلته لمحرري موقع مدارك أكد زيف هذه النسبة إليه، وقال: العبارة التي وردت في كتابي هي:
"الواجب على المسلمين اليوم الجهاد لتحرير فلسطين بالتضامن، وهم مسئولون أمام الله وأمام التاريخ والأجيال عن ذلك، وقد يستثنى من ذلك البلاد التي عقدت اتفاقيات مع إسرائيل فتعد بالنسبة إليها دار هدنة أو موادعة، وإن كنا نرى أن القضية لا تتجزأ، ولا يسوغ فيها الاتفاق المنفرد أو الصلح المنفرد؛ لأنه يعود على القضية الكلية بالضرر".
وتابع القرضاوي: "وهذه عبارة لا لبس فيها؛ لأنني قررت في البداية أن الدفاع عن فلسطين واجب ومسئولية جميع المسلمين متضامنين، ونقلت تصور البعض عن تلك الدول التي وقعت اتفاقيات مع إسرائيل من أنهم يتخيلون استثناءهم من هذا الواجب، حين قلت: "وقد يستثنى من ذلك..." واستدركت عليهم برأيي حين قلت: "وإن كنا نرى أن القضية لا تتجزأ، ولا يسوغ فيها الاتفاق المنفرد أو الصلح المنفرد؛ لأنه يعود على القضية الكلية بالضرر".
وقال القرضاوي: "وقد أوردت الجريدة العبارة كاملة صحيحة في متن عرضها لتلك الحلقة، لكن العنوان الذي صنعته وأبرزته هو ما أدى إلى اللبس، وهو على نسق "ولا تقربوا الصلاة"؛ حيث اقتطع جزءا من سياق عام وأورده على أنه رأي خاص بي، وهذا غير صحيح".
كما رصد هذا العام تراجعا للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث عن فتوى له بشأن ميلاد الشهر الهجري، فقد نظر المجلس موضوع ميلاد الشهر الهجري في دورته السابعة عشرة، وقرر فيها الاعتماد في دخول الشهر على الحساب الفلكي، معتبرا أن لحظة القران -وهي ظاهرة فلكية- تعني بالضرورة ميلاد الشهر.
ثم عاد في دورته التاسعة عشرة لمناقشة هذا الموضوع، وبعد مزيد من النظر والدراسة عدل عن هذا القرار ليشترط أن تكون ثمة إمكانية لرؤية الهلال بالعين المجردة أو بالاستعانة بآلات الرصد في أي موقع على سطح الأرض.
فتوى أقالت صاحبها
شهد هذا العام فتوى الشيخ سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء" عن السؤال الذي وجه إليه أثناء استضافته في حلقة "برنامج الجواب الكافي" على قناة "المجد" الفضائية حول "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" فأنكر السماح بالاختلاط، واعتذر عن الملك عبد الله بأنه لعله لم يعلم بهذا، فصدر له استعفاء من الملك عن منصبه في هيئة كبار العلماء.
فتاوى جريئة
من الفتاوى الجريئة التي تم رصدها هذا العام، فتوى دار الإفتاء المصرية تجرم وتحرم فيها تكريم الدولة لسيد القمني، وإن كانت الفتوى لم تشر إلى الاسم صراحة.
فجاء في فتاوى الدار: "اطلعنا على الإيميل الوارد بتاريخ 9/7/2009 المقيد برقم 1262 لسنة 2009 والمتضمن: ما حكم الشرع في منح جائزة مالية ووسام رفيع لشخص تهجم في كتبه المنشورة الشائعة على نبي الإسلام ووصفه بالمزوِّر، ووصف دين الإسلام بأنه دين مزوَّر، وأن الوحي والنبوة اختراع اخترعه عبد المطلب ...".
وكان جواب دار الإفتاء المصرية كالتالي: «أما بخصوص ما ذكر في واقعة السؤال: فإن هذه النصوص التي نقلها مقدم الفتوى -أيا كان قائلها- هي نصوص كفرية تخرج قائلها من ملة الإسلام إذا كان مسلمًا...".
وجرأة الفتوى ليست في مضمونها، ولكن في كونها فتوى للمؤسسة الدينية الرسمية، وإن كانت الجرأة في هذه الفتوى تعود إلى مصدرها فإننا لم نعدم بعض الفتاوى الجريئة في مضمونها هذا العام.
ومن ذلك ما أفتى به بعض رجال حزب العدالة والتنمية بالمغرب من جواز رفع ضرائب الخمور كخطوة لتقليل استهلاكها بغية الوصول إلى التحريم التام.
ويؤصل الدكتور مولاي عمر بنحماد -نائب حركة التوحيد والإصلاح في المغرب- هذا الرأي بقوله: "إن تحريم أم الخبائث وتطهير البلاد منها، ليس لنا معه موقف وسط، ولكن ما دامت السياسة هي فن تدبير الممكن، فعلماؤنا الأجلاء حددوا مراتب تغيير المنكر، وهي أربعة: من منكر إلى معروف وهذا لا خلاف فيه، ومن منكر إلى منكر أخف منه، وهذا لا خلاف حوله أيضا لمصلحة شرعية، والثالث من منكر إلى منكر مساوٍ له وهذا يحتاج لنظر، والرابع المنهي عنه هو من منكر إلى منكر أشد منه، وهذا لم يقع فيه من يطالبون برفع الضريبة عن أم الخبائث".
الفتوى وضدها
من العبارات المشهورة أنه لا ينكر تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال، هذا العام شهد فتاوى تدخل تحت هذا السياق، كان أبرزها ما سئل عنه الشيخ عبد الخالق الشريف -من علماء مصر- يوم 10-11-2009م، حول مباراة مصر والجزائر وما سمعنا عنه من أمور عدوانية وقال السائل: "هل هذه الرياضة شرعية؟ وماذا تقول بعد أن سمعنا أن إسرائيل وصفتها بالحرب العالمية الثالثة؟"، فأجاب الشيخ:
كرة القدم وإن كانت في أصلها مباحة للاعبين؛ لأنها تقوي عضلاتهم وتجعلهم في تقدم بدني عال، لكنها بالنسبة للمتفرجين قد تصل إلى حد الكراهة، إذا أكثر من ضياع الوقت في مشاهدتها، أما إذا وصل الأمر إلى تضييع الصلاة وخروجها عن وقتها، أو هذا التعصب الزائد الذي يدعو إلى سب المسلم لأخيه المسلم، والاستعداد العدواني، وغيرها من مظاهر الجاهلية، فإن أمر مثل هذه المباراة وأمثالها وكل ما يؤدي إلى هذا التعصب الذي قد يترتب عليه قتل أو جرح، أو سب، أو شتم، أو تضييع الصلوات، يصل إلى النهي والتحريم، سدا للذريعة، وحماية لأمة الإسلام.
ثم سئل الشيخ يوم 17/11/2009م بعد المشاجرات الدامية بين مصر والجزائر، فأجاب:
إن كرة القدم بهذا التعصب الذي رأيناه، وبهذا الضياع للشعوب، وبهذا الإهمال، الذي نشاهده تعتبر جريمة لا مجرد مكروه أو محرم، بل من الأمور الغليظة في التحريم لما ينتج عنها من كره الشعوب بعضهم لبعض، وإيذاء الشعوب بعضهم لبعض، وحدوث القتلى والجرحى، والتكسير في الممتلكات العامة والخاصة، وضياع عشرات الساعات في المناقشة حول هذا وذاك، ولا أحد من هؤلاء جميعًا يمضي مع كتاب الله ولا عُشر ما يقضيه مع الكرة.
الخمر حلال للحامل!!
ومن المغرب خرجت هذه الفتوى الغريبة، التي تبيح شرب الخمر للمرأة الحامل التي تتوحم بالخمر، وهو سؤال من امرأة غربية نشأت على شرب الخمر مع عائلتها قبل أن تسلم وتتزوج، وفي مراحل حملها الأولى -أي الوحم- توحمت على الخمر بالنظر إلى الماضي الذي كانت تعيشه، فسألت عن هذه الواقعة، عن إذا ما كان بإمكانها أن تشرب الخمر وإلا فإن الولد سيولد مشوها أو سيسقط، فأفتى الشيخ عبد الباري الزمزمي - من علماء المغرب- بأن ذلك يدخل في إطار الضرورة الشرعية لحماية النفس".
وممن رد على الشيخ الزمزمي الأستاذ المهندس فريد زين الدين العثماني من خريجي كلية الشريعة، وجاء في رده:
"الثابت علميا ألا خطر على الجنين من عدم إطفاء شهوة المرأة لشيء تتوحم عليه، والغالب في مجتمعنا وفي أسرنا أغلب النساء لا يجدن المواد التي يتوحمن عليها، ونحن في أغلبنا في أحسن حال، فلا جنين سيشوه أو يسقط لمجرد عدم إيجاد الكافيار والسمون والشمبانيا لامرأة توحمت عليها".
وتابع: "يذهب أكثر أطباء علم النفس إلى أن تلك الميول الغريبة التي تنتاب بعض النساء خلال فترة الحمل الأولى هي نتيجة للتغييرات الهرمونية التي تصيب جسم المرأة الحامل ينجم عنها نوع من الاكتئاب والتقلب في المزاج والإتيان ببعض السلوكيات الغريبة رغبة منها في لفت انتباه الغير، خاصة الزوج لمعاناتها، وغالبا ما يحدث هذا الأمر لدى النساء ذوات التركيبة العاطفية الهشة".
فتاوى قديمة تتجدد
وفي جدة بالسعودية؛ حيث السيول الجارفة التي خلفت عشرات الضحايا والمفقودين، وبينما راح رجال الشرطة يفتشون عن المفقودين راح رجال الفقه يفتشون عن الحكم الفقهي في المدة التي يحكم فيها بموت المفقود، فذهب جمهور الباحثين إلى الرأي السائد القديم (استمرار البحث أربع سنوات قبل الحكم بموت المفقود)، بينما ذهب آخرون، مثل الدكتور قيس المبارك -عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية- إلى أن من جرفته السيول في موضع منحصر كمدينة من المدن، كما حدث في مدينة جدة فإنه يعتبر في حكم الميت وليس في حكم المفقود.
ولفت المبارك إلى أن ما يتعلق بالميت حكما وليس يقينا من أحكام مصاحبة كالإرث وعدة الزوجة، والحقوق إنما يُرجع فيها إلى القضاء ليفصل فيها بعد النظر في القرائن والدلائل والبينات التي صاحبت حالة الفقد للتيقن من موته حقيقة.
فتاوى مجمعية
ناقشت المجامع الفقهية في هذه السنة حزمة من القضايا الفقهية المختلفة، وقالت فيها كلمتها، فقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي أبعاد الحرية الدينية وضوابطها في الإسلام، وانتهى قراره بعد مناقشة الأبحاث المقدمة في هذا الصدد إلى أن الحرية الدينية مكفولة للناس، وأنه لا يكره أحدا على الدخول في الإسلام، وأن الخلاف المذهبي والفقهي بين المسلمين سائغ مقبول ما لم يصطدم بثوابت الإسلام.
وقرر أن الردة جريمة شرعية تستوجب العقوبة، وأنها ليست حقا مكفولا باسم الحرية، غير أنه اختار أن الحكم بالردة لا يتولاه إلا أهل العلم الراسخون؛ نظرا لخطورة ما يستتبعها من أحكام، وأما العقوبة عليها فمقصورة على القضاء وحده دون آحاد الناس، وعلى القضاء أن يتمهل قبل العقوبة فينذر المرتد ويزيل شبهته... وقد سكت القرار عن نوع هذه العقوبة، هل تكون قتلا أو سجنا أو غيرهما.
كما ناقش ذات المجمع ضوابط حرية التعبير عن الرأي وأحكامها، وبعد مناقشة الأبحاث المقدمة في هذا الصدد، قرر المجمع أن حرية التعبير عن الرأي مبدأ مكفول إسلاميا، بيد أن الحرية فيه ليست مطلقة كما هو الحال في الليبرالية، ولكنها مقيدة بقيود وضوابط، ترجع معظمها إلى الصدق والموضوعية والتوثيق، وعدم المساس بثوابت الدين الإسلامي وقيم المجتمع، ويصادر هذا الحق تماما إذا تعدى إلى التشهير بالناس أو الازدراء بشعائر الإسلام.
وحسم مجمع الفقه الإسلامي الدولي رأيه في أثر مرض السكري على الصيام، بعد تأجيل له مرتين لمزيد من الدراسة والبحث، فقد أجله في الدورة السابعة عشرة لسنة 2006، كما أجله في الدورة الثامنة عشرة لسنة 2007، ثم حسم الأمر في دورته التاسعة عشرة لسنة 2009، فقد قسم المجمع المرضى بالسكري إلى أربع فئات:
الأولى: المرضى ذوو الاحتمالات الكبيرة جدا للمضاعفات الخطيرة بصورة مؤكدة طبيا.
الثانية: المرضى ذوو الاحتمالات الكبيرة نسبيا للمضاعفات نتيجة الصيام، والتي يغلب على ظن الأطباء وقوعها، وأصحاب هاتين الفئتين يجب عليهم الفطر ويحرم عليهم الصيام.
الثالثة: المرضى ذوو الاحتمالات المتوسطة للتعرض للمضاعفات نتيجة الصيام.
الرابعة: المرضى ذوو الاحتمالات المنخفضة للتعرض للمضاعفات نتيجة الصيام، وأصحاب هاتين الفئتين يجب عليهم الصيام، ولا يجوز للطبيب أن ينصحهم بالفطر.
وعلى صعيد آخر، جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي مخيبا لآمال التغريبيين حول قضية العنف الأسري، تلك القضية التي ينادون فيها بتعظيم حق الزوجة في رفض إعفاف زوجها، ووصم الزوج الذي يمارس حقه الجنسي مع زوجته دون رضا منها بالمغتصب!!!.
فقد ناقش المجمع ما يثار حول العنف الأسري، وقرر أن العنف الأسري المحرم هو اعتداء أعضاء الأسرة بعضهم على بعض اعتداء يفضي إلى الأذى البدني أو المعنوي، غير أنه قرر أنه لا يدخل في العنف الأسري ما قررته الشريعة من أحكام يروج لها الليبراليون على أنها من العنف، مثل حق الزوج أو الزوجة في الاستمتاع الجنسي بالآخر حتى لو لم تتوفر الرغبة لدى الطرف المطلوب، كما أن الطلاق والتعدد والقوامة لا تدخل في العنف المحرم.
وعلى صعيد الصيرفة الإسلامية ناقش مجمع الفقه الإسلامي الدولي التورق بأنواعه الثلاثة (التورق البسيط والمصرفي والعكسي)، فأجاز الأول فقط ومنع الآخرين، مؤازرا بذلك مجمع الرابطة في تحريمه للتورق المصرفي من قبل.
وعلى صعيد الفتاوى الطبية، ناقش مجمع الفقه الإسلامي الدولي حكم التدخل الطبي في العمليات المستعجلة، وانتهى إلى أنه يجب على المريض أن يأذن للطبيب بالمداواة في هذه الحالة، وإلا كان آثما، وإذا امتنع المريض من إعطاء الإذن فيجوز للطبيب التدخل دون إذن للإنقاذ، واشترط المجمع -تحوطا من الاستغلال التجاري- أن يتولى فريق طبي لا يقل عن ثلاثة أطباء استشاريين التأكد من تشخيص المرض والعلاج المقترح له، على ألا يكون الطبيب المعالج من بينهم، مع إعداد محضر بذلك موقع عليه من الفريق، وإعلام إدارة المستشفى بذلك، كما اشترط أن تكون المعالجة مجانية، أو تقوم إحدى الجهات المحايدة بتقدير التكلفة.
فتاوى شاذة
ولم ينقض هذا العام دون أن نتعرض لبعض الفتاوى التي تدل إلى تراجع مستوى الصنعة، وتواضع نصيب أصحابها من العلم والوعي والفهم.
ففي سويسرا كانت أزمة المآذن والتصويت لحظرها، واكتوى المسلمون هناك، وأحسوا أن حظر مئذنة المسجد ما هو إلا ضيق بالإسلام وأهله، ونية في التضييق على هذا الدين وأصحابه.
كان هذا ما رآه المسلمون في غرب أوروبا، بيد أن ثلة في الشرق رأت أن هذا الاجتواء من المسلمين في غير محله!!!، وأن بكاءهم على المآذن بكاء على غير مبكى، وأن المآذن في الإسلام ليست فريضة، ولا ركنا، بل ولا مجرد سنة، وعلى المسلمين أن يفقهوا ذلك، وأن يوفروا غضبهم حتى تستباح الفروض والأركان!!!.
فتاوى سياسية
لم نشهد هذا العام توغلا كميا للفتوى في الميدان السياسي، ولكننا رأينا الفتوى تقتحم صميم المجال السياسي لنرى فتوى تحرم على رئيس دولة بوصفه وشخصه السفر خارج البلاد، فقد أصدرت هيئة علماء السودان فتوى بعدم جواز توجه الرئيس السوداني عمر البشير إلى الدوحة لحضور القمة العربية بعد صدور مذكرة اعتقاله من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.
والفتوى تتقاطع مع عدد من الملفات السياسية والقانونية، منها أنها تنال رئيس الدولة نفسه وتمنعه من السفر باسم الدين، ومنها أن الموقعين عليها قاموا بعمل مفاضلة بين المصلحة القطرية والمصلحة القومية؛ حيث كان المنع متعلقا بحضور قمة تتعلق بفلسطين في حالة طارئة، فضلا عن محاولات مستميتة لإفشال القمة، ومنها الموقف من شرعية المواثيق الدولية والأممية، ومدى جواز التنصل منها!.. وكل فتوى وأنتم طيبون!!.
--


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.