محمد سالم / ... بعد الدعوة إلى التدريس بالدارجة التي أثارت رفضا المغاربة، وأثبتت أن القضايا المرتبطة بالهوية ليست مجالا للعبث بها استهلت الندوة بكلمة ترحيبية للدكتور عبد السلام بوسنينة، رحب من خلالها بالمؤطرين والحضور، كما أبرز فيها أهمية اللغة العربية، ليمرر الكلمة للأستاذ محمد بن الهداج الذي نوه في البداية بالمجهودات التي تقوم بها إدارة المؤسسة لاحتضان مثل هذه الفعاليات الثقافية، لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن قضية اللغة التي اعتبرها من القضايا الشائكة التي كانت، ولا تزال تحظى باهتمام كثير من الباحثين، على اختلاف مجالاتهم ، وهو اهتمام لا علاقة له إطلاقا بما يطبع تعامل المبتدئين منهم مع بعض القضايا، كاستبدال الفصحى بالدارجة للتدريس في المؤسسات التعليمية ، فهذا التصور يعكس سطحية الفهم الذي يتم التعامل من خلاله مع اللغة العربية، ويضيف الأستاذ بن الهداج أن هذا التهافت العشوائي لا يأخذ بعين الاعتبار حجم المشكل وتشعباته، ولا يستند إلى منهج علمي ملموس، وكأن مسألة اختيار اللغة، مسألة في غاية البساطة، لا تتعدى إطار تفضيل لهجة على أخرى ليس غير، وبذلك تستوي الفصحى بالعامية، متناسين أن كل نظام من العلامات والرموز يحمل في أحشائه، حتما خلفية فكرية تختصر نفسها، ورؤيتها وتحليلها ، وفي ختام مداخلته دعا إلى الابتعاد عن تناول القضايا التربوية كفضول فكري، أو نشوة ذهنية ، أو خدمة لأغراض مصلحية سياسوية محدودة ، أو الانخراط في مسار التحليلات الانطباعية الجزئية والنماذج المنغلقة على اللحظة. بعد ذلك، أعطيت الكلمة لضيف الشرف الدكتور فؤاد بوعلي رئيس الاتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، حيث انطلق في شرح تصوره حول السياسة اللغوية، استهلها بالحديث عن اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية بالبلاد، وهذا ما أكدت عليه كل الدساتير التي وضعت بالمغرب، لأن اللغة العربية حسب رأيه تعتبر حجر الأساس لبناء الهوية المغربية، ونظرا لأن اللغة العربية هي أولا وقبل كل شيء لغة القرآن الكريم والديانة الإسلامية، وسِجل لأمجادها الثقافية والحضارية، كما وضح السيد بوعلي أن الدفاع عن اللغة العربية لا يجب أن يتحول إلى تعصب انطوائي، بل يجب التفتح على كافة اللغات الحية، ولمسايرة الركب الحضاري، وإغناء الثقافة المغربية عن طريق التلاقح، ودعا في هذا السياق إلى انفتاح المؤسسات التعليمية على اللغة الانجليزية والإسبانية، لما تحتويه من حكم، وآداب، وعلوم، ليبنوا على أساسها مبتكراتهم ومكتشفاتهم، ليضمنوا لشمس الثقافة العربية أن تشع، وتسطع، وتنال إعجاب سكان المعمور . بالمقابل، نبه إلى تأثير اللهجة الدراجة على تعلم اللغة العربية الفصحى، فالتلاميذ يتأثرون بالمحيط اللساني الذي يتم فيه هذا التعليم، ذلك أن أغلب البنيات التي ينتجها التلاميذ بعد مرحلة معينة من التعلم، تعكس تأثيرات لغوية خاصة بكل منطقة جغرافية، متميزة باستعمال لهجة معينة، لهذا ألح على الاهتمام بدراسة أغلاط التلاميذ الشفهية والكتابية لتنقيتها من شوائب الدارجة التي لصقت بها. الدراجة هي لغة التداول الشعبي، ولا يمكنها أن تتضمن المعرفة، نجدها متداولة في الوسط العائلي والاجتماعي العام ، كما تستعمل في الشارع، وفي السوق لقضاء مختلف الحاجيات، لهذه الأسباب، ولأخرى، خرجت عن نطاق الحديث تستمد مسألة تناول قضية اللغة مشروعيتها وأهميتها، خصوصا بعد الدعوة إلى التدريس بالدارجة التي أثارت رفض قطاعات واسعة من المغاربة، وأثبتت أن القضايا المرتبطة بالهوية ليست مجالا للعبث بها. وفي ختام مداخلته، فند الأستاذ بوعلي التصور النمطي المغلوط حول عجز اللغة العربية عن مواكبة التطور العلمي، حيث أكد أنها راكمت من الناحية المعجمية متنا لغويا يتيح لها التعبير عن كل المنتجات، وهي مسايرة للتطور التكنولوجي ، كما أنها لغة حوسبة بامتياز. هذا، وقد أغنى الحاضرون الجلسة بأسئلتهم ومداخلاتهم التي ساهمت في تعميق النقاش، حيث أبدى الحضور تفاعلا ايجابيا مع موضوع الندوة.