جلست طويلا أمام الصفحة البيضاء,لا شيء يلوح في الأفق.أسهو لفترة ثم أعود للصفحة الناصعة البياض,تعكس بقسوة شديدة شلل تفكيري وعجز قلمي.الليلة أفكاري مشتتة,اختلطت الأوراق في دهني و تداخلت فيما بينها,تستعصي الكتابة.أخشى من ليلة ارق.اترك المكتب والقلم و الورق و ارتمي على الأريكة أمام شاشة التلفزة.انفلينزا الخنازير,مجاعة إفريقيا,وابل من القنابل فوق حلب و دمشق,انفجارات و أشلاء بشرية متناثرة... أغير المحطة,حوارات مجترة في اتجاهات معاكسة لا سبيل لتقاطع ممكن..فوضى لا تطاق..محطة أخرى,أجساد شبه عارية معروضة عبر شطحات هستيرية دونما انسجام مع موسيقى رديئة مستهلكة وكلمات تافهة لحد الغثيان.أغاني بلحن متكرر تسمع بالعين المجردة لإثارة الغريزة الحيوانية,الرمانة,التفاحة..أغاني بطعم فاسد..يزداد توتري واشمئزازي,ارغب في الفرار بنفسي من نفسي فيعجز العقل و الجسد كما عجز القلم.لم اعد احتمل السكون من حولي و الغليان في دواخلي. استنجد بالمذياع..متعبة الروح و الجسد أنا..تنبعث نغمات رقيقة وصوت طروب حرك بعنف حزني الدفين..قصة أشواق لمحمد الحياني.لحن ينساب كماء زلال يسري في عروقي الجافة: قدحي أنا قد جف يا رقراق..ترقرق عيناي, تحملني رعشة إلى متاهات النشوة الكبرى تسمو بي,ثم لا تلبث أن تنزلق بي في أغوار الذاكرة يطفح محجري بالدموع. ما الذي يفجر نبع الدموع و أنا استمع و استمتع بخشوع بأنشودة "قصة الأشواق"؟ اهو اللحن العامري الخالد؟ أم الشعر الجواهري الرفيع؟ أم الصوت الحياني الشجي؟ أم أن الأغنية كأخواتها راحلة و القمر الأحمر و الشاطئ و اذكريني, تذكرني بالزمن الجميل زمن سموه بسنوات الجمر. أنا لا اذكر من تلك السنوات إلا جمر الحب الذي غدا الآن رمادا. لا اذكر إلا الطفولة السعيدة و الشباب المنطلق و راء الموسيقى الحالمة و موسيقى الروك و الريكي.شباب ترعرع بين أغنيات مبدعين اقترنت أسماؤهم بالمرحوم.المرحوم الحياني, المرحوم إبراهيم العلمي, المرحوم احمد البيضاوي,المرحوم العربي باطما, المرحومة الأغنية المغربية..لا اذكر إلا زمنا كنت أضع خدي على خد شقيق النعمان و أسائل عن الحب و الحبيب وريقات الأقحوان. يتابع الحياني: رقراق يا أنشودة تحكي عمر الجمال و قصة الأشواق..ته في الحقول الخضر كالحلم ..ته يا جميل فكلنا عشاق. كل ذاك يثير حاجتي للبكاء, يعجز القلم و ما أنا بعصية الدمع. انفتح جرح الروح و الجسد.يبكيني شوقي إليك و إلى أيام أمس قريب تشابكت فيها أيدينا و نحن نسير الهوينا تحت سماء ممطرة, فتتسلل أصابعك بدفء إلى خصلات شعري المبلل. يبكيني حنيني إلى ليال طوقت فيها عنقك بذراعي المغرمتين, وغرست راسي في كتفك و يداك العاشقتان على خصري.جسد واحد أنت وأنا يتمايل على إيقاعات فيروزية.حبيتك في الصيف حبيتك في الشتي.آه آه عاشقة متشظية أنا الملم ذكرياتي على صدى همساتك الشعرية. أقوى من الشوق ما بي, حبيباه. فهل تذكرك "قصة الأشواق" بي ؟