وأنا أغالب الحمى التي اجتاحتني في ليلة طويلة اختلت فيها علاقتي بالزمن حيث كنت أعتقد أني أغمضت عيني لبضع ثوان وعندما أفتحهما وأنظر الى عقارب الساعة أكتشف أن ما اعتقدته مجرد رمشة عين دامت ساعتين أو أكثر..وبينما كنت أحاول اعادة تعديل ساعتي البيولوجية وأغالب السهاد لا أدري كيف سرحت بي الذاكرة بعيدا عندما كنت مراهقة، ولا أدري لم استحضرت وجه امي سلطانة، تلك المرأة البعيدة في الذاكرة وفي الزمن والتي لم أرها الا في زيارات معدودة كانت تقوم بها لبيتنا إلا أنها كانت تثير فضولنا بأحاديثها الغريبة، كانت صفحة تاريخية تمشي، فقد عاصرت أربعة ملوك، وتتذكر جيدا السلطان الحسن الأول، وتحكي لنا ما كانت تسمعه عن حركاته (غزواته) و عن حاشيته، كما كانت تحكي لنا عن السلطان مولاي يوسف وعن رؤيتها له عندما كان يغادر قصره يوم الجمعة ويلتقي بالناس خارج أسوار قصره "حيت بنادم كان قليل" وتحكي بحميمية أكثر عن محمد الخامس، وعن العملات التي كانت متداولة، وكانت تحدثنا عن وجه آخر للرباط غير الوجه الذي نعرفه اليوم، فقد كانت حدود المدينة تنتهي عند السور الاحمر الكبير، وما بعده "غير الخلا والقفار".. ماتت أمي سلطانة المرأة السوداء القصيرة القامة وذات الذاكرة القوية جدا لدرجة أنها كانت تغرق في التفاصيل الدقيقة جدا مع أنها كانت كفيفة البصر، وكانت تصر أنها عاشت أكثر من مائة سنة، ومات جيل بكامله دون أن ندون من ذاكرته الكثير.. لكن لم قضيت ليلتي المحمومة في ذاكرة امي سلطانة؟ ...