ياسين عدنان؛ هذا الشاعر الذي ينتعل سحب الحرف فيمطر قصائد تخصب أرض الشعر، يطرز فيها ذاتا تتفاعل مع الإنسان في كينونته الكبرى. يعبر الأقاصي في زورق الحلم حاملا أزهارا مائية. هو ذلك المثقف الذي يجوب خريطة الإبداع العربي، بعين فيلسوف يحسن التحاور مع الآخر. فمنذ "الغارة الشعرية" التي فتحت كوة سحرية أمام الشعر المغربي المعاصر، والشاعر يَغُدُّ السير لمعانقة سماء الاختلاف، وصُنْع صوت كَنَارِيٍّ يغرد خارج السرب. فهو الشاعر القاص والصحفي والإعلامي الذي يحيا قرب نهر النَّدَاوَةِ، من هنا تبدأ حكايته المتغنجة بين أسرار الإبداع. يداه محبة تكتب مشيئتها في هذا العالم الذي لا يحسن الإصغاء لمنعطفات الروح. يتشح بنور الأبجدية، ويجري في صحرائها حيث يروي عطشه باجتهاده في إيجاد مجرة عدنانية يعلو فيها صوت جمال الوجود. قدره أن ينتشي بخمرة الكلمات ويضيع في مراياها، لا يستيقظ من عطرها إلا ليعانق طيفها. لقد عودنا صاحب " مانيكان"، "رصيف القيامة" و "لا أكاد أرى" على قراءة الذات بأصابع تحمل قلق الحياة. فبين الشعر والقصة والإعلام وجد ياسين عدنان نفسه. ليصبح معد ومقدم برنامج "مشارف"، تلك المظلة التي تقينا من زوابع الجحود الذي يعيشه المثقف المغربي خاصة، كما تضخ أوكسجين التغيير في رئة مشهدنا الثقافي. ولكي يصنع جسرا بين المجتمع والمثقف اجتهد في برنامجه، وحمل الكثير من القضايا التي تمس الذات الثقافية المغربية، وأعاد صياغة أسئلتها، محاولا البحث مع ضيوفه على أجوبة تغذي وتحترم عقل المشاهد العربي. هذا البرنامج الذي راهن على التفرد، استضاف قامات فكرية وإنسانية مغربية وعربية لها بصمتها الخاصة في المنجز الثقافي العربي المعاصر.ليصبح علامة مائزة لا يمكن تجاهلها. لكن فجأة دثره الغياب، لنقرأ في الجرائد بأن البرنامج قد توقف، ومما جاء في البيان: " تُعزى أسباب المنع حسب الصحافة الوطنية إلى مواكبة "مشارف" للحراك المجتمعي، الذي تعرفه بلادنا ومعها العالم العربي في ربيعه الديمقراطي...". إن التفاعل مع "حركة 20 فبراير" ومناقشتها في البرنامج أمر بديهي، فما أكثر البرامج التي استضافت ربيع المغرب الديمقراطي، فلم "مشارف " بالضبط هو المحكوم عليه بالصمت؟ لذا نرى؛ بأن هذا ليس سببا كي نصادر حريته، ونقيد أطرافه بسلاسل الموت والتجاهل، لأنه من الصعب أن يولد من جديد برنامج مثله، يسيره شاعر يحمل معه الأحلام العذبة أنى حل وارتحل. فهل يمكن القول بأنه على حق عندما قال في قصيدة (زهرة عبَّاد اليأس) من ديوان رصيف القيامة: سئمتكَ أيها العالم سئمتُ العيش بالتقسيط سئمت مصافحة الآخرين سئمتُ صباح الخير والبرد والثرثرات الجرداء سئمتُ المشي في هذي الجنازة الباذخة التي تُسمَّى عزاءً الحياة سئمت الثامنة صباحاً والوردة والكهرباء ولم أعد قادراً على الحب."