يقول "ستيفن كوفي" (Stephen R. Covey) وهو أب لتسع أبناء وجد 49 حفيد، وصاحب الكتاب الشهير "العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعلية" إن الأسرة هي أهم وأعظم مؤسسة في العالم؛ إنها لبنة البناء في جدار المجتمع، ولا يمكن أن تقوم قائمة أية حضارة دون تماسك الأسرة، ولا أن تحقق أية مؤسسة أخرى في الوجود دورها المهم.. إن البناء الحضاري في أي مجتمع يحتاج إلى قواعد وأسس بالغة الأهمية للوصول إلى غايته الإنسانية في الكمال, وهذا يتطلب حسابات إستراتيجية تجعل من العمل مهمة مقدسة في حياة الشعوب والأمم, لذلك تعطى الأولويات وتسخر لها الإمكانيات من أجل الوصول هدفها النبيل وغاياتها السامية. وبما إن الأسرة هي وحدة اجتماعية وهي نواة المجتمع واللبنة الأساسية في بنائه, فإذن الوحدة الاجتماعية مهمة جداً في مشروع البناء الحضاري للإنسان والمجتمع. وكلما زاد وعي الأفراد داخل الأسرة زادت مهمة الفرد في المجتمع وزاد تحمله للمسؤوليات المختلفة, نظراً للثقافات المختلفة التي يمتلكها الأفراد داخل إطار الأسرة ومعرفتهم بالنواحي الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر في حياة الفرد وأسرته التي تزيد الأسرة تقدما ورقيا, وهذا ينعكس إيجاباً على حياة المجتمع وتقدمه وبناءه الحضاري. لان الأسرة هي المجتمع الصغير الذي يترعرع داخل إطاره الطفل وتتهذب سلوكياته وتصرفاته ويكتسب ثقافته الاجتماعية وعلاقاته الأسرية من محيط الأسرة. والتكوين الأسري كما هو معروف يعتمد بالدرجة الأولى على الأم والأب والأبناء ويربط هؤلاء بروابط القرابة والدم وربما تزداد الأسرة وتتعدى هذه الدرجات من القربى لتشمل الجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة. ومهما زاد عدد أفرادها تبقى الأسرة عنوان جامع لهذا التكوين الاجتماعي المهم, ويبقى الوعي الاجتماعي والثقافي والصحي والاقتصادي الفيصل الضروري لحياة الأسرة ورقيها وتقدمها. وبناء المجتمع حضارياً يرتكز بصورة رئيسية على وعي الأسرة وتكاملها الإنساني, وتقدم المجتمع في مسيرته الحياتية في المجال السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي مرهون بتكامل وعي الأسرة داخل إطار المجتمع, وهذا يعتمد على إيمان الأسرة بمنظومة القيم والمعارف الإنسانية واحترامها للبعد الإنساني للفرد بممارسة حقه الطبيعي في التعبير عن الرأي والعيش والاختيار. وللأسرة دور كبير في خلق مناخات إنسانية مناسبة وملائمة للفرد لممارسة دوره والانتقال في مراحل النمو الطبيعية الى سن الرشد والكمال, حيث تقوم الأسرة على إشباع حاجات الفرد المادية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية والعقائدية. لكي تنمو مدارك الفرد داخل الأسرة بصورة سليمة دون أن تترك عقد نفسية أو آثار سايكولوجية يمكن أن تكون سبب انحراف الفرد وبالتالي يؤثر ذلك سلباً على تقدم المجتمع وبناءه الحضاري. فالأسرة هنا تلعب دورا في تنمية المواهب والطاقات الابداعية للطفل من خلال ممارسة هواياته وتوفير الأجواء الآمنة له, لتحقيق الراحة والاطمئنان كالمسكن والملبس والصحة والتعليم والترويح. ومن أهم عوامل بناء الفرد داخل الأسرة هو الشعور بالانتماء الى الأسرة والارتباط الشديد بها, وهذا يجعل ثقته بنفسه عاليا جدا وتقبله لأسرته كبير وواسع من خلال الاحترام والتقدير المتبادل بين أفراد الأسرة وهذا يحقق مكانة اجتماعية راقية للأسرة والأفراد, مما يجعل وحدة البناء الأسري داخل المجتمع متماسكة ومتراصة, ويجعل تقدم المجتمع وبناءه الحضاري يسير بشكل سليم ومعافى. ومن أهم ما يكتسبه الفرد داخل محيط الأسرة هي التنشئة الاجتماعية والعقائدية فتنمو معتقدات الفرد الدينية ويكتسب أساليب التعامل مع المجتمع ويكتسب القيم الإنسانية والأخلاقية والعادات الحميدة والتقاليد السليمة من محيط الأسرة لينطلق بها الى محيط المجتمع من خلال الاحكتاك المباشر مع أقرانه في الشارع والمدرسة والعمل. وكلما كان سلاح التنشئة قويا وسليماً ومعافى كلما أصبح بناء المجتمع أكثر حضارياً. والأسرة الناجحة هي التي تحترم الثقافة العلم فالثقافة والعلم هي من الأسس التي يرتكز عليها المجتمع في عملية البناء الحضاري بكل المجالات الثقافية والاقتصادية والصحية. فلا يمكن لمجتمع أمياً أو مريض صحيا أو مشوه ثقافياً أو فقير اقتصاديا أن ينهض بعملية البناء الحضاري. فكل المؤثرات تلعب دوراً كبيراً في وحدة البناء الحضاري لأي مجتمع.