إن اندحار البدوي في المعركة أو قتل أحد من أفراد عشيرته أو ذويه ، كان يثير في نفسه مشاعر الحقد والكراهية والانتقام ، فهو يحاول الثأر من الغالب أو القاتل متى تهيأت له الظروف ، ومتى وجد الفرصة سانحة للانقضاض عليه ، إنقاذا لكرامته ، فهذا مالك بن حريم الهمداني يفخر بسطوة قومه وبأسهم فيقول : يقود بارسان الجباد سراتنا لينقمن وترا وليدفعنا مدفعا فأصبحن لم يتركن وترا علمنه لهمدان في سعد وأصبحن طلعا والثأر عادة تأصلت في طباع العربي ، وأصبحت جزء من كيانه إذ أراد أن يعيش محترما بين أفراد قبيلته ، لأن الأخذ به دليل على الشجاعة والقوة ، والسكوت عنه دليل على الخضوع والذلة والاستكانة ، وباعت على الاستهانة بالفرد والقبيلة .فيكون أو تكون هدفا لغزوات أخرى . وقد أدت هذه العادة إلى صراع عنيف ميز العصر الجاهلي وكانت سببا لكثير من الحوادث والأيام التي وقعت بينهم كما أن الخروج عليها كان يعد عارا كبيرا ويوصف الذي لا يرد اللطمة التي أصابته جبانا ويستحيل على الرجل الكريم المحتد أن ينسى ضررا لحقه ولا يرتاح باله حتى ينتقم لنفسه ويثأر لها . ويعد الثأر شريعة مقدسة عند العرب في العصر الجاهلي ،فهو مثل النار المستعرة في قلوبهم والعربي لا يهدأ له بال إذا لم يأخذ به ، وما تتبع قيس بن خطيم لقاتلي أبيه وجده والانتقام منهما ،إلا دليل على إدراك الُار مهما طال أمده . ثأرت عديا والخطيم فلم أضع ولاية أشياء جعلت إزاءها ضربت بذي الزرين ربقة مالك فأبت بنفس قد أصبت شفاءها وشايحني فيها ابن عمروبن عامر خداش فادى نعمة وفاءها طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر لها نفذ لولا الشعاع أضاءها ملكى بها كفي فانهرب فتقها يرى قائما من خلفها ما وراءها وقد لعبت المرأة دورا كبيرا في شحذ همم الرجال للأخذ بالثأر فهذه كبشة أخت عمرو بن معد يكرب ،تعير قومها لتكاسلهم في إدراك الثأر ،وتحرضهم على الامتناع عن قبول الدية ،لأن في ذلك عارا وضعفا . أرسل عبد الله إذ خان يومه إلى قومه لا تعقلوا لهم دمي ولا تأخذوا منهم إفالا وابكرا وأترك في بيت بصعدة مظلم ودع عنك عمرا أن عمرا مسالم وهل بطن عمروا غير شبر لمطعم فان انتم لم تثاروا واتديتم فمشوا بإذن النعام المصلم ولا تردوا إلا فضول نسائكم إذا ارتملت أعقابهن من الدم ومن تقاليد الثأر أيضا جر ناصية الفرس ، وقطع ذنبها ،فعندما أراد الحارث بن عباد أن يطلب ثأرا له طلب فرسه "النعامة" ،وقال قصيدته المشهورة التي ذكر فيها اسمها أكثر من 50 مرة وكان أول من فعل ذلك ،فاتخذته العرب سنة ،إذا قتل لأحدهم عزيز وأراد أن يثأر له ،فعل بفرسه مثل ما فعل الحارث بن عباد . والظاهر أن اتخاذ بعض الظواهر خلال فترة الثأر كالتقليل من الأكل والشراب والامتناع عن الاغتسال وحلق الشعر ،لابد أن تكون لها جذور دينية قديمة ،داخلتها بعض الأساطير الشائعة ،فاتخذت هذا الشكل الذي تعارف عليه الناس . وكان قسم من العرب إذا مات أحد أقربائهم يذبحون ناقة ، أو يربطونها ثم يدعونها تموت جوعا معتقدين أن الروح لم تنفصل عن الجسد تتشكل بهيئة طير يسمونه الهامة أو الصدى ، وهي نوع من البوم لا تبرح تطير بجانب قبر الميت نائحة ساجعة ،تأتيه بأخبار أولاده ،فإذا كان الفقيد مات مقتولا تصيح صداه قائلة "اسقوني " ولا تزال تردد نفس اللفظة حتى ينتقم له أهله كن قاتله بسفك دمه .قال قراد ابن عواية . ألا ليت شعري ما يقولن مخارق دا جاوب الهام المصيح هامتي. " الفروسية في الشعر الجاهلي " : نوري حمودي القيسي ص:112.13.14.15.16.17.18