دائما ما رويت قصة حب عنترة وعبلة من وجهة نظر واحدة بوصفها قصة الهيام الخالد والإخلاص الكبير الذي يبديه كل طرف للآخر، ساعة يكون مفهوم الحب تجردا وغاية في التسامي الروحي والشغف الإنساني والوله. وقد دخلت هذه القصة التاريخ الإنساني، العربي بالتحديد.. كعلامة على العشق الكبير شأنها كقصة قيس بن الملوح وليلى، وروميو وجوليت على المستوى العالمي، وغيرها من القصص. لكن الحقيقة التي ربما تصدم الكثيرين أن عنترة بن شداد ذلك الفارس المغوار الذي أحبته عبلة ربما لم يكن مخلصا لها كما ينبغي. فالرجل قد خانها وهو في ذروة حديثه عن الحب والهيام والفتنة، ومع ثلاثين امرأة، بل كان قد تزوج من بعضهن بشكل معلن. فهل يا ترى كان لعنترة فلسفة خاصة في هذا الحب الذي يشغف بأكثر من امرأة، في حين كان اهتمامه الأساسي بامرأة واحدة فقط.؟! أم للقصة وجهة أخرى؟! من هو عنترة؟ يروي لنا صاحب كتاب "الأغاني".. أبو فرج الأصفهاني أن عنترة ينتمي إلى قبيلة عبس العربية، وفي البدء رفض والده الاعتراف به، لأن أمه جارية تدعى "زبيبة" أسرت في إحدى الحروب. وبالنسبة للفترة التي عاش فيها عنترة فهو من مواليد 530م على الأرجح، وتشير العديد من النصوص إلى أنه عاصر الشاعر عروة بن الورد الذي عاش في الفترة نفسها. حبه لابنة العم بحسب الرواية المتوارثة، ظل عنترة منبوذا عن القبيلة إلى أن بلغ الشباب وقاتل ببسالة دفاعا عن قومه فتم الاعتراف به وتحرر من العبودية التي ينظر بها الناس إليه، ليصبح حرا ومن ثم يحب ابنة عمه عبلة بنت مالك ذات الحسن والصيت، وراح يدبج القصائد في جمالها وهيامه بها، وأن حبه لها أفنى عظامه. وكتب المعلقة الشهيرة ضمن المعلقات السبع في عصر ما قبل الإسلام هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحا دار عبلة واسلمي معركة من أجل الحبيب وإذا كان عنترة قد خاض عشرات المعارك مع القبيلة ليحرر نفسه ويحقق الفوز، فإن المعركة الأشرس كانت من أجل عبلة حتى ظفر بها حبيبة وزوجة. ذلك لأن شقيقها وزوج اختها المسماة "مروة" تآمرا عليه. لكنه كسب معركته بعد أن استجاب لطلب والد عبلة بأن يحضر مائة من "النوق العصافير" وهي نوع من الإبل النادرة، وكان أمرا تعجيزيا استطاع عنترة بحسب "الأسطورة" المتداولة أن يقهره ويأتي بهذه النوق/ التي لم يكن يملكها سوى ملك العراق النعمان بن المنذر، وهنا جاءت الاستجابة لطلب الزواج رغم أنف الرافضين. بداية الخيانة بعد الزواج بدأت قصة الخيانة المعلنة، فعبلة كانت تعلم بما يفعله عنترة، رغم أنه استمر في تدبيج القصائد. كان ذلك الشغوف بالنسبة للمجتمع يظهر الآن بوجهه الحقيقي. صحيح أن الرجل يمكن أن يتزوج كثيرا ويمتلك الجواري ولكن الحبيب الحقيقي لا يفكر بسوى امرأة واحدة. فماذا كانت ردة فعلها؟! كان أن مضت ستة أشهر على الزواج دون حمل.. عبلة لم تحمل، وهي الزوجة التي تحلم بأن تكون أما وتنجب من فارس أحلامها. كما أن عنترة هو الآخر يريد أن يرى نسله. تقول الحكاية: هنا لعب الشيطان برأس الفارس عنترة الذي كثيرا ما يذهب للحروب لأنه بطل القبيلة فراح وتزوج من ثماني نساء، دون أن تتكلم عبلة أو تعترض. وإن كان لأحد أن يشكك في ذلك فهو على أي حال قد ورد في السيرة المتناقلة عن عنترة كما ذكرت أسماء هؤلاء الزوجات، ومنهن واحدة كانت أميرة في بلاط قيصر الروم اسمها مريمان، تزوجها عنترة بعد أن حرر أحد فرسان الروم. .. وعبلة تظل في القلب لكن زواج عنترة وتلاعبه مع النساء جهرا وسرا، لم يمنعه من الهيام بعبلة التي كان يعود لها من فترة لأخرى وبعد كل معركة. وقد كانت عبلة متأكدة أو تتوهم – لا أحد يدري تماما – أنه لا يحب غيرها وأن حلمه من وراء كل هؤلاء النساء إنجاب الذرية. وبالفعل فقد أنجب ولدين على الأقل من كل امرأة تزوجها. ولهذا فقد ظلت عبلة تقول: "لو ملك عنترة مائة امرأة ما يريد سواي، ولو شئت رددته إلى رعي الجمال". قد نكون بحسب الرواية متأكدين من حب عبلة لعنترة.. لكن هل كان عنترة يحب عبلة حقا؟ أم أنه حب مزيف؟