يعود موضوع "تقسيم المغرب" إلى التداول بكثرة في وسائل الإعلام الوطنية هذه الأيام ، خاصة مع تزايد ضغوط الاتحاد الأوربي وأمريكا والأمم المتحدة على بلادنا فالاتحاد الأوربي يستخدم ورقة الاتفاقية الفلاحية للضغط على المغرب ، وأمريكا تلوح بورقة حقوق الإنسان كلما رغبت في الحصول على مكاسب جديدة داخل بلادنا والأمم المتحدة تبتزنا من خلال إثارة القلاقل في الصحراء ، ومن الواضح في ظل هذه الضغوط أن "نظرية المؤامرة" بدأت تتلاشى تدريجيا ليحل محلها "واقع المؤامرة". لم يعد هنالك مجال للحديث عن النظريات بعد شروع القوى العظمى عمليا في ابتزاز المغرب ،تمهيدا لتقسيمه على غرار ما حدث في باقي بلدان العالم الإسلامي ، الكل اليوم يتحدث عن مشروع الصهيوني "برنارد لويس" بعدما دعت الحاجة إلى إعادة قراءته على ضوء المتغيرات الدولية الجديدة ، صحيح أن مشروع لويس كان نظريا صرفا وأنه عندما عرض وثيقته على الكونغرس الأمريكي عام 1983م لم يكن يتوقع أن تحظى بكل ذلك التأييد حيث سيصادق عليها الكونغرس الأمريكي وسيتحول لويس نفسه لاحقا حسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى منظر لسياسة التدخل الأمريكية في المنطقة العربية أثناء إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش ، كل هذا اليوم أصبح متجاوزا، فالذي يجب أن نقف عنده هو الأدوات التي اعتمد عليها الغرب في تفتيت العالم الإسلامي . حسب وثيقة لويس فأفضل مدخل عملي للتقسيم هو المذهبية والعرقية وهكذا سنرى أنه ووفق خطط مدروسة سيتم تفجير الصراع السني الشيعي في العراق لتفتيته وستستخدم الورقة الكردية للغاية ذاتها ، وفي سوريا ستستعمل الدول العظمى ورقة العلويين وفي مصر ستثير النزاع بين الأقباط والمسلمين ،وطبعا لم يحدث كل ذلك فجأة ،فوثيقة لويس بعدما صودق عليها في الكونغرس رصدت لها ميزانية ضخمة ليجري تنزيلها على أرض الواقع كما وضعت لها استراتيجية دقيقة رسمت فيها أهداف التقسيم وطرقه ووسائله بشكل مفصل .إن التقسيم الذي وضعت أرضيته النظرية عام 1983م ستباشره أمريكا في حرب الخليج الثانية وكان من المنتظر أن يثور الشيعة بعد هزيمة صدام ثورة لا تبقي ولا تذر غير أن صدام سيخمد ثورتهم في مهدها لتدخل بعدها أمريكا إلى بغداد بعد حصار طويل أنهك العراق وشل قدرته على المقاومة ، ومنذ ذلك الحين سيجري تعديل وثيقة "لويس" حسب المتغيرات والظروف دون المساس بجوهرها (تفتيت العالم الإسلامي اعتمادا على العرقية والمذهبية). وستحمل رياح "الربيع العربي" مناخا ملائما للدفع بالتقسيم إلى منتهاه ففي سنوات قليلة ستدخل العديد من البلدان العربية في دوامة احتراب داخلي استنزفت مقدراتها بالكامل . ما يعنينا من كل هذا الكلام أن الغرب وعلى رأسه أمريكا اشتغل منذ وثيقة "لويس" المشؤومة على إنضاج الشروط الملائمة لتفتيت العالم الإسلامي وأنه أذكى نعرة الصراع العرقي والمذهبي وساهم في صناعة رموز طائفية على امتداد العالم الإسلامي ثم وفر لهذه الرموز كل أسباب النجاح ،حيث سيفتح أمامها إعلامه وسيمولها وسيضع هيئاته الحقوقية رهن إشارتها وسيمارس ضغوطا قوية على الحكومات للسماح لهذه الرموز بهامش حرية أوسع. ولنعد إلى المغرب الذي كان مستهدفا في مخطط لويس مثله مثل باقي بلدان العالم الإسلامي حيث سنجد أنه لا يختلف في شيء عن باقي البلدان الإسلامية وسيظهر اهتمام الغرب بتأجيج النزعات العرقية والمذهبية بالمغرب منذ الحقبة الاستعمارية (قبل لويس بأمد طويل) ، إذ سيفصل الظهير البربري بين العرب والأمازيغ وستعزل السلطات الاستعمارية بطريقة ماكرة الريف عن باقي أقاليم المغرب كما ستحرص على خلق مشكل في الجنوب المغربي لاستثماره عند الحاجة ، اليوم وقد عاد الحديث عن التقسيم بقوة سنتبين أن الوضع في المغرب قد يكون مأساويا لا قدر الله إن لم يتم التعامل مع أدوات الاستعمار الجديد بالحزم المطلوب. لقد تميز المغرب عبر قرون بوحدته المذهبية بعد أن ارتضى المذهب الفقهي المالكي مذهبا رسميا ،وهذا ما جعله عصيا على التفتيت من جهة المدخل المذهبي رغم المحاولات المتكررة لنشر التشيع بغية ضرب المذهب المالكي من الداخل فضلا عن المحاولات اليائسة لعلمنة المجتمع والتي تهدف بدورها إلى محاصرة المذهب المالكي من خارج المنظومة الفقهية، غير أنه وككل بلدان العالم الإسلامي يضم المغرب أعراقا وقبائل كثيرة وهذا مدخل راهن عليه الغرب ولا يزال لضرب لحمة المغاربة ،إذ سنجد أن جيوشا من الباحثين الغربيين بدأت تجوب المغرب طولا وعرضا في العقد الأخير للاطلاع على عادات القبائل المغربية وطبيعة الفروق بينها ، كما سنجد أن معظم النعرات القبلية والعرقية التي يثيرها أنصاف الباحثين بالمغرب يجري تضخيمها على نحو مثير للاستغراب في الإعلام الغربي بل إن مثيري تلك النعرات لا يجدون حرجا في التصريح بحصولهم على تمويل أجنبي ولا يجدون حرجا البتة في الجلوس مع الصهاينة الذين خرج "لويس" عراب التفتيت من رحم حركتهم ،على اعتبار أن الخصومة مع الصهاينة تهم "العرب" ولا علاقة لهم بها ، بل إنهم صنعوا علما لدولتهم المقبلة وهذا أخطر ما في الأمر ، وصار ديدنهم التفريق بين المغاربة العرب وإخوانهم المغاربة الأمازيغ ،ومثل هؤلاء انفصاليو الداخل الذين لا يتركون فرصة تمر دون المجاهرة برغبتهم في فصل المغرب عن صحرائه ومثلهم أيضا حركة ظهرت في الريف تدعو لفصل الريف عن باقي البلاد ولهذه الحركة علمها الخاص ونظرتها الخاصة أيضا للوحدة الترابية ،وهؤلاء جميعا يوحد بينهم الاستقواء بالغرب ، يلجؤون إليه كلما ألم بهم كرب بل إن خطابهم نفسه ينهل من معين الغرب المعرفي والإيديولوجي ،ومن البدهي أن يرى فيهم لذلك أداة التفتيت الأساسية ووسيلة مثلى لتحقيق غاياته، وإن لم يبادر المغاربة إلى لفظ هؤلاء والتبرؤ من خطابهم اليوم فإنهم ولا شك سيصيرون شوكة في خاصرته غدا .