مع مطلع القرن العشرين، ستتآكل مجموعة من المحددات الكلاسيكية التي كانت تنظر إلى الوثيقة الدستورية باعتبارها فقط بنية فوقية شكلية تقدم لتبرير السلطة الحاكمة، وذلك بفعل وجود فجوة بين النص القاعدة وحالات سياسية يصعب على الوثيقة الدستورية تأطيرها، وستبرز فكرة جديدة تعتبر "مضمون النص الدستوري عقدا مفتوحا للخلق و التشكيل المستمر، و نصا في طور البناء عبر آلية التأويل الدستوري" – على قول الأستاذ محمد أتريكن ( عضو المجلس الدستوري )، الأمر الذي يجعل الدستور الحي هو الذي يعرف ليس من خلال فصوله و لكن انطلاقا من فهمه و إعماله و تطبيقه. ما نصبو إليه من طرحنا مختلف هذه الاهتمامات في الصناعة الدستورية المغربية الجديدة، هو إعطاء نموذج تحليلي لأزمة القراءة الدستورية التي تقتصر إلى حد كبير، عند بعض السياسيين، على تفكيك حد النص المكتوب، دون مراعاة المبادئ الكبرى لقراءة و فهم الدستور: على رأس هذه المبادئ نجد مبدأ "وحدة النص الدستوري". و يقصد بوحدة النص الدستوري أن الدستور متكامل في مبادئه و أهدافه، و هو ما يمكن التعبير عنه أيضا بمبدأ تكاملية الفصول، حيث تتمتع جميع فصوله (180 فصل بالإضافة إلى التصدير)، بنفس القوة الدستورية. و هو ما أكد عليه المجلس الدستوري على الأقل في قراره رقم 817-2011 بمناسبة فحصه لدستورية القانون التنظيمي رقم 11-27 المتعلق بمجلس النواب. بمعنى انه لا يجب أن يقرأ و يفسر أي فصل من الدستور بمعزل عن فصوله الأخرى، بل يجب اعتمادها كوحدة واحدة تتكامل فيما بينها بما لا يبعث على التعارض الذي لا يعتبر من المبادئ التي يبتغيها الدستور كأعلى قاعدة قانونية. … و فيما يلي نموذج عن بعض إشكالات القراءة الدستورية الغير الموفقة، و التي افتقرت إلى القراءة السليمة لوحدة النص الدستوري: المعارضة مؤسسة دستورية: كلنا نتذكر المذكرة التي طالبت بالتحكيم الملكي على اعتبار أن المعارضة مؤسسة دستورية، و التي قوبلت بالتجاهل التام لافتقادها أدنى مقومات القراءة الدستورية السليمة. هذه المذكرة التي اعتمد فيها أصحابها على الفصل 10 من الدستور في عبارته " يضمن الدستور للمعارضة مكانة تخولها حقوقا… من شانها النهوض بمهامها….في العمل البرلماني…". الإشكال في هذه القراءة الخاطئة هو عدم اعتماد مبدأ وحدة النص الدستوري، حيث مثلا بالرجوع إلى الفصل 60، التي لم تذكره المذكرة، نجد المسألة محسومة حين اعتبر أن "… المعارضة مكون أساسي في المجلسين…"، هذا دون الرجوع إلى الفصول (13، 32-36-44-49-54-56-147-151-161-162-163-164-166-168-170)التي حصرت و حددت كافة المجالس و الهيئات و المؤسسات الدستورية. و بالتالي و بموجب وحدة النص الدستورية اعتبرت هذه المذكرة لا أساس لها و سرعان ما تم تجاهلها في مسألة تنصيب الحكومة الثانية: كلنا نتذكر أيضا عريضة الإحالة على المجلس الدستوري، بصدد الطعن في قانون المالية لسنة 2014، على كون الحكومة الثانية غير منصبة و بالتالي غير دستورية، و التي اعتمدت فيها المعارضة بشكل كبير على الفصل 88 من الدستور. في هذا الصدد تفاعل المجلس الدستوري مع مسألة تنصيب الحكومة، حيث نستشف من قرار المجلس الدستوري رقم 13-931 انه قام بقراءة عمودية لمجموعة من الفصول أهمها ( 42،47،49،88،103…)، و هو بذلك أخذ بوحدة و تكاملية الفصول الدستورية، و خلص في قراره النهائي إلى أن "…التنصيب من لدن مجلس النواب ينصب على البرنامج الحكومي و ليس على التركيبة.."، ليصرح بان المآخذ المستذل بها للطعن في دستورية قانون المالية برسم سنة 2014، لا تنبني على أساس دستوري هي، إذن، أمثلة لكثير من السلوكيات و المواقف و القرارات الناتجة لعدم الأخذ بمبدأ وحدة النص الدستوري، و بالتالي لافتقار هذه القراءات لأهم مبادئ تفسير و إعمال النص الدستوري، وعليه تكون الثقافة الدستورية، أول ضحايا ثقافة القراءة السياسية الخاطئة للوثيقة الدستورية .