وقف في طابور طويل ينتظر قفة “الدولة” ، آلامه هي ذاتها آلام ملايين المغاربة (فقر وحاجة وامتهان كرامة) أوجعه الوقوف في طابور المحتاجين فليس من السهل أن يمر بك الأهل والجيران والأصحاب وأنت في موقف ذلة وانكسار ، ومع تفاقم الألم النفسي وطول مدة الانتظار ومع تزايد آلام الجسد (لأنه مصاب بالقصور الكلوي) ستخور قوى “الحسين العطار” .لم يرحمه أحد ولم يلتفت جهته أحد ،أهملته السلطة وأعوان السلطة وإخوانه المستضعفون . الذين يسمعون دبيب النمل لم يسمعوا آهاته المكتومة…رفض الاستسلام فلا يمكنه الرجوع إلى بيته خاوي الوفاض ، فهناك ولا شك ستنتظره أفواه بريئة جائعة لا تفهم أن تلك القفف البائسة لا تسلم للكل وأنها تسلم في أوقات كثيرة لمن لا يستحق… مع توالي الساعات كان جسد العطار يضعف أكثر فأكثر لكن عزيمته لم تضعف ،آماله كانت صغيرة جدا بحجم رغيف خبز، ولأنه في بلد لا تنتعش فيه الآمال ولا مجال فيه للحلم فقد منعوا عنه الرغيف لا أحد يعلم بما دار في خلده في لحظاته الأخيرة ،لعله فكر في أهله وذويه ،لعله أحس بالقهر لأن وطنه منع عنه رغيفا حافيا ،لعله عاتبنا لأننا لم نلتفت لمأساته لأننا منشغلون بكل أنواع العبث ،لاهُون منصرفون إلى متعنا الشخصية، ولا نعلم شيئا عما يدور حولنا كل ما نعرفه الآن أن السيد “الحسين العطار” انتقل إلى جوار ربه مظلوما جائعا مريضا مقهورا وأن ساعة الحساب آتية لا ريب وما على ظالميه إلا أن يعدوا للسؤال جوابا ، إن لم يكن هنا فهناك، في محكمة يكون القاضي فيها هو الله حيث لا جور ولا رشوة ولا محاباة لأحد .