هذا وقد دخلت روسيا – وما كانت تسيطر عليه من أراض – عهدًا جديدًا، وذلك في أعقاب قيام الثورة البلشفيَّة[1] عام 1917م بزعامة فلاديمير إيليتش أوليانوف الشهير باسم “لينين”، وإطلاق الثوَّار على أنفسهم “الحزب الشيوعي الروسي”. وقد قام اتِّحاد الجمهوريَّات السوفيتيَّة عام 1922م، فظهرت جمهوريتي أوزباكستانوتركمانستان عام 1924م، وطاجيكستان عام 1929م، وكازاخستان وقيرغيزيا عام 1936م، وفي هذا العام تمَّ تقسيم القوقاز إلى جمهوريَّات مستقلَّة هي: أرمينيا، وأَذْرَبِيجَان، وجورجيا، وأصبحت أبخازيا والإظهار وأوسيت أقاليم ذات حكم ذاتي. وبعد موت لينين عام 1924م وتولِّي ستالين الحكم تعرَّض المسلمون في فترة حكمه لصنوف القهر والتعذيب والقتل والتهجير، وتقسيم أراضيهم والاقتطاع منها؛ بهدف تغيير التكوين الديموغرافي والعرقي والديني، ففي عام 1943م سُلِّمَتْ بلكار،[2] فكانت وطأة الترويس،[3] وتشتيت المسلمين، وتذبيحهم على أشدِّ درجاتها في كازاخستان، وقيرغيزيا. إلى جورجيا، وتمَّ حلُّ جمهوريَّة شيشان – أنجوش، وسُلِّمَتْ أجزاء منهما إلى جورجيا، وكان تولِّي المسلمين للمناصب العامَّة أدنى كثيرًا من نسبتهم الحقيقيَّة إلى كل الشعوب السوفيتيَّة، وقد فُرضت عليهم اللغة الروسيَّة كلغة رسميَّة، فانفصل المسلمون عن كتاب الله وسنة رسوله. وقد ساعد تمكُّن السلطات السوفيتيَّة من السيطرة على بلاد المسلمين في آسيا الوسطى والقوقاز انضمام بعض المسلمين للحزب الشيوعي، وتولِّيهم لمناصب مهمَّة في بُلدانهم، مما مكَّن السوفيت من ضمان ولاء هؤلاء لهم، وكان لتقسيم الأراضي الإسلاميَّة إلى جمهوريَّات وأقاليم ذات حكم ذاتي يُقْصَدُ به قطع كلَّ صِلَةٍ بين هذه الشعوب وبين الأُمَّة الإسلاميَّة من ناحية، وبينها وبين كُلٍّ من تركيا وإيران من ناحية أخرى، وبينها وبين بعضها البعض من جهة ثالثة، في إطار سياسة “فرِّق تسُدْ”.[4] وقد تمثَّلت السياسة الاستعماريَّة الروسيَّة في نشر الأيديولوجيَّة الإلحاديَّة، وزرع الثقافة الشيوعيَّة، وتحطيم نظام الأسرة القويِّ المتماثل لدى المسلمين، وإطالة أوقات عمل المرأة بين زملائها من الرجال، ومنع الدراسة الدينيَّة وتدريس اللغة العربيَّة منعًا باتًّا، ومَنْعِ الكتابة بالحرف العربي، وفُرضت اللغة الروسيَّة كلغة ثانية على الشعوب المسلمة في وسط آسيا والقوقاز، يتابع تنفيذ هذه المخطَّطات سكرتير الحزب الشيوعيِّ في البُلدان الإسلاميَّة المحتلَّة.[5] على أن المسلمين لم يَقِفُوا مكتوفي الأيدي أمام التحرُّكات التنصيريَّة والاستعماريَّة لروسيا الشيوعيَّة، ومن ثَمَّ بدأ التركستانيُّون مقاومتهم الباسلة تحت قيادات عديدة أسمَوْهم الروس (الباصماجية)، وقام العلماء بتشجيع المقاومة ورفض الاستيلاء الروسيِّ الشيوعيِّ على تركستان من خلال مؤتمرات وندوات ومجلاَّت وجرائد، فشكَّلوا جبهة التحرير التركستانيَّة السرِّيَّة للاتِّصال بالعالم، وتوجيه المقاومة التي دامت من عام 1918 إلى عام 1923م، ثم ضَعُفَت بعدها وظلَّت كذلك إلى عام 1932م ضعيفة؛ لأنها لم تكن تتلقَّى أيَّة أسلحة أو عتاد، أو دعم من أيَّة دولة، اللَّهمَّ إلا ما كانت تستولي عليه من السلاح من مخازن الأسلحة الروسيَّة وجنود الروس المنهزمين. والحقيقة أن الغزو الروسي لتركستان كان غزوًا بشعًا غير إنسانيٍّ، يعتمد على الإبادة والإعدام والنفي والسلب دون رحمة، ومحاربة الدين الإسلامي الحنيف ونشر الإلحاد والشيوعيَّة عَنوة بين أفراد الشعب التركستاني المسلم، وقد كان هناك شبه اتِّفاق بين الصين والروس، لتستولي الصين على التركستان الشرقيَّة، والروس على الغربيَّة.[6] هذا. ويمكن بيان مراحل العدوان الروسي على المسلمين في ستِّ مراحل كما يلي:[7] 1) المرحلة الأولى (1918 – 1924م): في هذه الفترة قُتِل عدد كبير من التركستان تحت ستار تمكين الحكم الروسيِّ الجديد؛ ففي عام 1918م أصدر لينين أمرًا بالزحف على البلاد الإسلاميَّة دون إنذار مسبق، فأخذت الدبابات تحصد المدن حصدًا، والطائرات تُمطر البلاد بالقنابل دون تمييز بين عسكريِّين ومدنيِّين، وفي نهاية هذا العام استولى الروس على شمال القوقاز، ثم استولَوْا على جمهوريَّة أَذْرَبِيجَان، وسقطت خِيوَه عام 1920- 1921م، ودار قتال مرير للاستيلاء على جمهوريَّة بخارى. 2) المرحلة الثانية (1924 – 1928م): وكان القتل في هذه المرحلة تحت ستار إقامة الجمهوريَّات السوفيتيَّة؛ حيث قُتل كلُّ من عارض هذا الاتِّجاه، وفي هذه الفترة تمَّ إدماج تركمانستانوأوزباكستان، وفي عام 1926م أُلغيت المحاكم الشرعيَّة، وبُدِئ في استخدام الحروف اللاتينيَّة بدلاً من الحروف العربيَّة، واستتبع ذلك إغلاق آلاف المدارس الابتدائيَّة، و500 مدرسة عالية، ولم يَبْقَ بمنطقة تركستان الإسلاميَّة سوى مدرسة “مير عرب” ومدرسة “مبارك خان”. 3) المرحلة الثالثة (1928 – 1936م): وفيها أُلْغِيَ نظام الإقطاع، وأُقيمت المزارع الجماعيَّة، وفي هذه المرحلة قُتل رجال الإقطاع وأعوانهم، وألوف من الشخصيات الدينيَّة التي خِيفَ من دفاعها عن الملكيَّة الخاصَّة. 4) المرحلة الرابعة (1936 – 1938م): وهي أخطر مراحل الإبادة؛ إذ قُتل فيها مَن نُعتوا بأنهم أعداء الشعب، وسَقط في هذه المرحلة ألوف من المسلمين من الطلبة والأساتذة والصحفيِّين، وتمَّ إدماج بقيَّة الجمهوريَّات الإسلاميَّة في الاتحاد السوفيتي. 5) المرحلة الخامسة (1938 – 1945م): وفيها انتشر سلاح الدفاع الداخلي، وتعرَّض للإرهاب والطغيان والإبادة عددٌ كثير من الناس بحُجَّة أنهم جواسيس. 6) المرحلة السادسة: التي جاءت بعد هذه المراحل وكان شعارها الجبهة الأيديولوجيَّة، وهي ترمي إلى القضاء على التاريخ والفكر والأدب التي لا تتناسب مع الماركسيَّة. وهكذا أخضع الشيوعيُّون المناطق الإسلاميَّة في 16 سنة، بينما استغرق القياصرة 183 سنة ليفعلوا ذلك[8]!