عاشت – ولا تزال- بلادنا قبيل وبعد 20 فبراير إلى غاية الأسبوع الماضي جدالا واسعا صاحب الحراك الاجتماعي المغربي الذي أدارت دفته مكونات حركة 20 فبراير والجهات الداعمة من جهة، و من جهة أخرى النظام المخزني المغربي ومن يدور في فلكه، ليصل أوجه بُعَيْدَ الاستفتاء على الدستور. الأخير اعتبرته الحركة ممنوحا لم يستجب لمطالبها الاجتماعية والسياسية والحقوقية، فيما دافعت أغلب الأحزاب السياسية ودهاقنة وزارة الداخلية عن المبادرة باعتبار أن الدستور جاء متقدما مقارنة بنسخة 1996، لكن غالبا ما يقعون (الداخلية وأعوانها)في خطا منهجي يستثني الظرفية التاريخية التي أرغمت دوائر القرار في المغرب على تقديم هذه التنازلات المبهمة في مضمونها والحمالة الأوجه في كنهها.فهل يمكن اعتبار دستور فاتح يوليوز2011 استطاع وضع المغرب في السكة الصحيحة للديمقراطية المنشودة؟ تشير اغلب المؤشرات المصاحبة للاستفتاء، منذ خطاب 9 مارس التاريخي للملك محمد السادس،عن مسار سلبي تنهجه لوبيات الفساد والاستبداد وبعض رؤوس الحاشية المحيطة بالعاهل المغربي لعرقلة عملية الانتقال الديمقراطي التي أعلن عنها الملك في خطاب 9مارس، دون أن نصل لديمقراطية حقه، وظهر ذلك جليا في الحملة المشوهة بإجبار المواطنين للتصويت ب”نعم” بكل الأساليب، حيث استعملت منابر الجمعة بشكل فج واعتبار “لا” إثما، ومنابر الإعلام العمومي والمستقل للدعاية لتوجه واحد وأوحد، بالإضافة إلى تزيين مداشر وقرى وأحياء مدن المغرب بلافتات تحث المغاربة بالتصويت ب”نعم”، ونصب الخيام وتوزيع المناشير –الممولة من ضرائبنا- التي تسهر وزارة الداخلية وأجهزتها المختلفة على طبعها وتوزيعها بشكل واسع بالاستعانة ب”المقدمين” و”الشماكرية”، إضافة إلى كل ذلك الإيعاز للأحزاب السياسية المرتبطة بالنظام المغربي بتنظيم مسيرات موحدة ممولة من طرف الدولة للرد على مسيرات مكونات حركة 20 فبراير، والأدهى والأمر من ذلك كله التزوير الواسع الذي شهدته عملية الاستفتاء يوم الجمعة حيث صوت المواطنون دون التأكد من هويات أغلبهم، ووصل الأمر بتصويت فرد عن عائلته بأكملها، وإرغام المواطنين وتهديهم في أرزاقهم في حالة عدم التصويت في الاستفتاء لصالح ال”نعم”، والشواهد على هذا الكلام كثيرة لا تفي مقالة كهاته لسردها كلها، فالهدف إعطاء مؤشرات وليس إحصاء واستقراء قد يفقد للأسطر بوصلتها. فيما اتجهت غالبية المغاربة لمقاطعة العملية برمتها حيث وصل عدد المقاطعين لحوالي 15 مليون مواطن، ما يعادل أكثر من 60%، لفقدهم الثقة في العمليات الانتخابية والخطاب الرسمي، في ظل غياب مؤشرات ملموسة تؤكد صراحة رغبة النظام المغربي على التغيير والإصلاح. إن بلادنا اليوم بشعبها التواق للتحرر من أبقة الفساد والاستبداد، تجتاز مرحلة حرجة تحتاج فيها لتضافر جهود كل القوى الحية والفاعلة في المجتمع، للاستمرار في الضغط -على لوبيات فاسدة وجائرة- لتحصيل الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، في ظل ممانعة هذه اللوبيات ضد التغيير والإصلاح، واستمرارها في إنتاج سياسيات لا تليق بتاتا بمغرب ما بعد 20 فبراير و9 مارس.ولعل توجيه النقاش العمومي بعد الاستفتاء لمناقشة تواريخ الانتخابات بين وزارة الداخلية وأحزاب هرمت بسبب عوامل الزمن ومكايد المخزن، بدل وضع الملفات الساخنة على طاولة التفاوض، دليل ملموس أن متطلبات الإصلاح الديمقراطي التي تطالب بها فئات شعبية وازنة تبقى سرابا يحسبه بعض الشرفاء ماء عذبا، وأن الدستور وإن مر بدون شرعية شعبية كما هو مأمول منه وكما تتم الدعاية له، فانه يبقى حبرا على ورق كسابقيه في ظل غياب ضمانات واليات مصاحبة تؤكد فعلا رغبة دوائر القرار عن عزمها على التغيير، خصوصا بعد مرور أسبوع كامل تأكد منه أن إرسال بلطجية وشماكرية ل 20 فبراير، أو محاولة بعض من يدعون انتسابهم للحركة التشويش على مهرجانات لأحزاب سياسية، يمكن أن ينقل االثورة المغربية السلمية والهادئة من ساحة الحوار والنضال السلمي إلى ميادين العنف والعنف المضاد الشيء الذي حدث منه جزء غير يسير لحد ألان، نأمل أن يُتجاوز بأناة وصبر وحلم من كل الأطراف، لأن مغرب الوحدة والحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة يستدعي من الجميع تغليب الصالح العام على مصالح ذاتية جزئية ظرفية آنية سواء تعلقت بالغلاة أو الطغاة.