لم تعد اللباس الرثة والجلوس على أرصفة الطرقات وقرع أجراس المنازل والتمظهر بمظهر المسكنة، والاستعطاف بكلمات تقطع أوتار القلوب، دليل يبرهن احتياج المتسول لمسألته، بل إن ظاهرة التسول كغيرها من الظواهر اتخذت منحى أكثر تقدما يتماشى ومشية العصر والعولمة، وذلك باستخدام وسائل التقنية الحديثة المتنوعة وعلى رأسها الانترنت التي وجد فيها عديمي الضمائر مرتعا خصبا لممارسة مهنتهم، إذ أصبحت عتبات بريدنا الإلكتروني تعج بالمتسولين الذين تختلف لديهم طرق وتتوحد عندهم الأهداف في تحقيق الربح المادي عن طريق الاحتيال، حيث تبدأ عملية النصب هاته بخلق عناوين ومواقع إلكترونية معدة لذات الغرض، كأن يختلق المتسولون عاهات جسدية يجسدونها في موقعهم الإلكتروني الرسمي بالصوت والصورة، يستعطفون به أصحاب القلوب اللينة، أو يدعون كونهم رؤساء بعض الجمعيات المتخصصة في جمع التبرعات للمنكوبين وضحايا الحروب والفيضانات، أو بحجة الأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين والفقراء والمساكين ..بحيث لا يقف الأمر عند هذا الحد حيث نجد بالمقابل أناس يتسولون مدعين أنفسهم رجال أعمال من دولة ما يرغبون في استثمار أموالهم في بلد غير بلدهم عن طريق عقد شراكة مع شخص له رغبة في ذلك، هذا الشخص سيتوصل(طبعا عبر الإيميل) في حالة موافقته، بجميع الضمانات التي تضمن له مواصلة المشروع حتى نهايته، هاته النهاية لن تكون مجدية بدون دفع مبلغ محدد عن طريق البنك لصاحب المشروع والذي غالبا ما يكون ثمنا بسيطا قد يصل إلى 500 درهم مقارنة مع المشروع الاستثماري الضخم الذي أوهم به الطرف الآخر، وبالتالي يحصل المستثمر المتحايل بواسطة رسالة إلكترونية منمقة على مبتغاه في رمشة عين بدون ملل ولا كلل. فخلف الحواسيب يتجمهر الآلاف من القصص الواقعية المعاشة أبطالها لصوص في جلباب السعاة (المتسولون) يستغلون براءة الذين لاحول لهم ولا دراية بالأمر، فقط لكونهم غلبوا جانب الثقة العمياء في شخص لا يعرفون شكله ولارسمه إلا بواسطة بريد إلكتروني يذوب بمجرد تحقيق الغرض. لكن هذا لا يعني كون المواقع المتاحة على الأنترنت كلها وهمية وإن كانت الدراسات الحديثة تثبت أن عملية الاحتيال والنصب باسم التسول أو بهدف آخر آخذة في الارتفاع ، فيجب أخذ الحيطة والحذر من كل رسالة وصلت لبريدنا الإلكتروني ولا نعتقد جازمين أن الشبكة العنكبوتية خالية من الإجرام. للتواصل مع الكاتب [email protected]