من أجمل الأشياء أن تأتي مجموعة من الدول العربية إلى بلدك، وتلتقي بها، لتغني معها لحن “الإتحاد” و”الوحدة”. من كل قطر عربي اجتمعوا في المدينة الحمراء، وكان لبرنامج “نسيج” الفضل الأكبر في أن نلتقي بمدينة مراكش المغربية، حول “مفاهيم التنمية الشبابية المجتمعية” بحضور شباب من: اليمن، المغرب، الجزائر، مصر، تونس، ليبيا، الأردن، لبنان وفلسطين، مثلوا بلدانهم بشرف. ثلاثة أيام عاش فيها النشطاء الشبابيون العرب لحظات جميلة، قربت كل واحد منهم من ثقافة الآخر، وتجاربه الجمعوية والمؤسساتية، لا ينامون إلا قليلا، لأن الفرصة لا تتكرر، وإن تكررت فيلزمك أن تنتظر وقتا طويلا، لأن المتغيرات لا تسير وفق إرادتنا في أغلب الأحيان. أروى بلباسها اليمني المحافظ، من بلاد الأصالة حلت بأقصى المغرب الأقصى، لتعطي خبرتها للشباب في مجال المفاهيم التي اكتسبتها، تصمت لوقت كبير، لكن تلخص ما قاله – زياد ومروة- بأناقة ورزانة. ومروة بكاريزميتها ما إن تبدأ في شرح المفاهيم، حتى يعم الهدوء أرجاء القاعة، تتحدث بسلاسة وطلاقة، وحينما تحس بأن التعب بدأ يدب في الشباب، تضرب كفا على كف وتقول بالمصرية “حنلعب”. زياد، رزين ومتواضع، لما يتأخر المتدربون، يعتذر للحاضرين على عدم التزام الآخرين بالوقت، رغم أنه غير معني بذلك، لكن قمة التواضع لمسناها في شخصيته، وطريقة تدريبه بيداغوجية نشيطة، ويشرح بلا ملل “رح انبلج”. زياد، ومروة، وأروى، هؤلاء كانوا مدربي الورشة الأولى التي كنت ضمن أعضائها، فكان لزاما علي أن أتوقف عندهم من البداية، أما المجموعة الثانية فديدنها مع الصديق زهير ماعزي، في انتظار أن يدلو بدلوه هو الآخر. في ورشة “نسيج” اكتشفنا مهارات التدريب المتطورة، البعيدة عن الإلقاء الممل، والخطابات الصماء التي تنسى مع انتهاء كلام آخر محاضر، فتجعل رأسك فيه “شقيقة”، يخيل إليك أنك مريض ب “انفصام الشخصية”. ننتبه لمدة ربع ساعة على الأكثر، ثم تعطى للمجموعة فرصة للنقاش المستفيض، النابع من المجتمع، لأن الفئة المنتقاة، التي لا تتكلم من برج عاجي، أو تُنظْر لظاهرة معينة لحاجة في “نفسها”، لكنهم شباب ولدوا من رحم المعاناة الاجتماعية الفقيرة، وفي أحسن الأحوال “المتوسطة”، كما أن لديهم بصمات موشومة في محيطهم المحلي، لا يتقنون الكلام المعسول بلا عمل، بل شعارهم “قول وعمل”. ورشة “نهر حياتي” كانت هي الفرصة التي منحتنا مفتاحا لنلج بحر تجارب المشاركين، ليبوحوا بأسرارهم التي لن تسمعها منهم، إما خوفا من أن تأخذ عنهم موقفا ك “نرجسي” أو لأن المقام لن يولد ليكون هناك مقال، كل حسب وجهة نظره. سأمر على السريع، بما بقي في مخيلتي حين حكت لنا الصديقة الموريتانية فقدانها لأعز صديقة لها في حياتها، فصمت الجميع لأن ما كتب على الورقة اعتقدوا أن الموت كان من وراء الفقدان، غير أن للحكاية سيناريو آخر. سيحكي الشباب عن مسار حياتهم تباعا مع الوقوف عند أشخاص أثروا في مشوراهم الدراسي والمهني، هناك أساتذة كانوا طرفا في معادلة التغيير، وهناك فرص اقتنصوها، صديق يقول “تجربة الهجرة إلى أمريكا علمتني…، وآخر يكمل “فرنسا استفدت فيها…، على الخط يبوح شاب ثالث: ولادة ابني بعملية قيصرية غيرت نظرتي للحياة، وتغلبت على المحنة، لأن ابني منحة… أما نهر الصديقة اليمنية فلن أفتح منفذه، لأنه يعج بوقائع لن أنجح في إيجاد لحظة عابرة أقتنصها، لأغلق صنبور السرد الدرامي لفتيات يمنيات تزوجن ولازلن، عمرهن ثماني سنوات، على طريقة الزواج التقليدي “الفاتحة”… آه، أمااه. سيتذكر الحاضرون أشخاصا، إدريس العامري بسمته الحسن وانضباطه، فاطمة الزهراء ماء العينين بحيويتها وحركيتها الدائمة للسهر على أن تسير فقرات البرنامج على أكمل وجه، محسن حفيظ بشغبه الدائم، والصديق الجزائري عبدالله شوتري بنقاشه الهادئ والهادف، وربيع الشيهب بطربه الجميل، أما أصدقاءنا الموريتانيون وكل العرب المشاركين فكانوا في مستوى التطلعات، وأستعطفكم، لا تنسوا فرح الأردني أحمد العقرباوي في عيد ميلاده والمفاجأة التي قدمتها له نسرين، فتخيل نفسه أنه بجناحين، فبدأ ينط من على الأريكة، ويرسل القبلات للمهنئين، كان أسعد الناس في العالم تلك الليلة، ولكم في العمل التلمذي لحظات من الفرفشات. إيقاع الوداع كان صعبا، فخديجة بجمالها الإريتيكي أسقطت دمعتها البراقة، أما فاطمة الزهراء فسعادتها لا تقاس بأي ميزان، ولا غرابة إن سمعتموها تقول “جداا فخورة بالشباب المغربي المشارك،…رفعتم راسي فووووق…شكراا لكل واحد منكم”، ونوفل الحمومي صرخ “الصحراء مغربية”، مع ذلك فالجميع ظلت في نفسه غصة، لأن اللحظات الجميلة تمر بسرعة البرق، من دون أن تمنحنا عقارب الساعة هدية جميلة، معلنة عن توقف “تكتكاتها” لبرهة من الزمن. انتهت ورشة نسيج المنعقدة بمراكش، على إيقاعات الشعارات الوطنية، وبعيدا عن الديماغوجية السياسية المتشنجة كل غنى دون عقدة ”وان تو ثري.. فيفا لالجيري، وعيون عينيا والساقية الحمرا ليا”، والتحق الشباب ببلدانهم بعدما اغتنموا الفرصة لزيارة بعض المدن المغربية بعجالة، والأمل يحذوهم إلى لقاء في فرصة قادمة، لكن سيظل صدى صوت مروة يتردد بحرقة في كل مكان “أدي إيه المجتمع بيريد، ومافيش لي….”.