الشعب الذي لا يعلم شيئا من تاريخه القديم هو شعب أمّي يعاني كارثة أخلاقية وثقافية تجعل الإنسان يفقد هويته الوطنية و بالتالي يفقد روحه و يصبح في عداد الشعوب البائدة و المغرب يعاني من هذه الكارثة، فمقررات التاريخ المدرجة بمناهج وزارة التعليم تتعمد إسقاط الحقبة التاريخية للمغرب التي سبقت الفتح الإسلامي، السبب وراء كل هذا هو طبيعة التاريخ الرسمي للمغرب الذي يجعل من الفتح العربي الإسلامي لشمال إفريقيا هو خط الانطلاق الذي شكل النواة الأولى للمغرب ككيان تاريخي و جغرافي و سياسي و ثقافي كأن عقبة هو من اكتشف المغرب الأقصى كما اكتشف كريستوف أمريكا، و في السياق نفسه مؤخرا عملت حكومة مغرب القرن 21 على إقامة مهرجان 12 قرنا من تاريخ المغرب الذي عرف شعارات رنانة تنادي بمغرب الحداثة و الديمقراطية و المواطنة، لكن الحكومة و هي تروج لمنتوجها الثقافي طمعا في جلب السياح و المستثمرين، تأكد مرة أخرى أن سياستها اتجاه الأمازيغ تقوم على التهميش و الإقصاء دون الحديث عن سياسة التعريب التي تعتبر وليدة حزب الاستقلال الفاسي، فالمغرب الرسمي وهو يحتفل بمرور اثنا عشرا قرنا (1200 عام) على تأسيس الملكية المغربية أقصى بذلك حقب مهمة و غنية من تاريخه الفكري و السياسي و الحضاري، فاختزال تاريخ مرحلة معينة يعني إقصاء إحدى المكونات الأساسية لهوية الشعب المغربي و انتقاص للحضارة المغربية التي تحسب بآلاف السنين و ليس ببضعة قرون فقط، حتى عندما يتناول الباحث الأكاديمي تاريخ المملكة المغربية فانه ينطلق من الملك إدريس بن عبد الله الذي قدم من الشرق و تحالف مع القبائل الأمازيغية و أسسوا بذالك أول دولة إسلامية مستقلة عن دار الخلافة ببغداد، ف 1200 عام هو تاريخ بناء مدينة فاس واستقلال الدولة عن سلطة الشرق، و ليس تاريخ الملكية المغربية التي وجدت منذ وجد الإنسان المغربي ككيان وحضارة، فكل الدراسات التاريخية تأكد أن المغرب عرف النظام الملكي منذ نشأته الأولى، وكل المؤرخين العرب القدامى و الجدد الذين تناولوا تاريخ المغرب الثقافي والسياسي لم يأتوا على ذكر هذه الحقب القديمة المهمة في صفحات الحضارة المغربية، و لم تتضمن أي من كتبهم سيرة ملوكه الأولين، انطلاقا من ابن خلدون مرورا بالنبوغ المغربي والاستقصاء وصولا إلى مجمل تاريخ المغرب لعبد الله العروي. حتى التاريخ الرسمي المعتمد بالمؤسسات التعليمية هو أيضا لم يشر إلى مغرب ماقبل الإسلام في سجل الحضارة المغربية و لا يعترف بما قدمه الملوك الأمازيغ للمغرب كدولة لها كيان و حضارة، حتى المغاربة أيضا لا يعرفون عن ماضيهم القديم شيئا باستثناء ما درسوه بأقسام الابتدائي بأن: ((سكان المغرب الأولين هم البرابرة أبناء أمازيغ قدموا من الشام عن طريق الحبشة و مصر و لبسوا البرانس و سكنوا الكهوف))، هكذا نجد الدولة المغربية اختزلت أهم الفترات التاريخية التي عرفها المغرب في سطرين و أسقطت كل المكتسبات الثقافية و السياسية و اللغوية و همشت الدور الطلائعي الذي لعبه المغرب بمنطقة شمال إفريقيا وأوروبا على مر العصور، و القلة فقط من بعض الدارسين و الباحثين و المهتمين من اهتم بتاريخ المغرب القديم و غالبيتهم ينتمون إلى جامعات و مؤسسات غربية أو معاهد خاصة، بينما الأكاديميات والجامعات المغربية لم تخصص لتلك الحقبة أي مؤلف أو دراسة و لم تساهم بأي بحث ميداني للكشف عن التاريخ القديم للمغرب، و لم تقم بأي مجهود بإماطة اللثام عن الحقب القديمة بينما نجد الدول الأخرى خاصة تلك التي نتقاسم معها الجغرافية و الثقافة تبدأ تاريخها من العهد القديم بحيث شكل مفخرة حضارية و وطنية. فهل سيأتي يوم ندون فيه كل تاريخنا وحضارتنا دون إقصاء أو تسييس؟