تعيش بلدية الناظور حربا باردة، غير معلنة للعموم ولا مكشوفة للعيان، وذلك منذ الإطاحة بالرئيس السابق سليمان حوليش، أبطالها أعضاء التشكيلة المسيرة الجديدة، بحيث يتضح بجلاء أن هناك اختلافا في التوجهات لدى أطراف بعينها من الكتلة الأغلبية، ورغم أن الأمور تبدو في الظاهر هادئة للعامة، إلا أن التطاحنات والتجاذبات لا تتوقف داخل الكواليس، وتصل في أوقات كثيرة إلى حد "حشيان الهدرة" علنا وفوق الطاولة. وحتى يكون المتتبع الناظوري على بيّنة مما يحدث داخل القصر البلدي، حقُّه الذي لا يتناطح بشأنه إثنان، فإن العارفين بخبايا الأمور يكشفون عن خيوط صراع وإن بدا باردا وصامتا فإنه في الحقيقة محتد ومشتد، بين "لوبي" يرغب بالاستمرار في شيوع الفساد والتمادي في غيّه غير مكترث لمصلحة المدينة ولا مقيم لها اهتماما، وبين مجموعة تمثل تيارا ينشد التغيير، مما بدا ذلك صارخا في عديد الملفات التي تفجرت مؤخرا داخل أسوار الجماعة، والتي كان لها كبير الأثر على سيرورة العمل والتدبير، وأصبح بالتالي التوتر هو الجو السائد داخل المكتب المسير. لنوضح الأمر أكثر.. ف"لوبي الفساد" الذي يسعى إلى الإبقاء على "الفوضى" كنهج وطريقة عمل في تسيير المجلس الجماعي، حتى يتمكن من قضاء "أغراض" و"مآرب" المواطنين من الدرجة الأولى، من أصحاب المشاريع الكبرى وأصحاب "الشكارة"، موازاة مع العمل على تشكيل قاعدة انتخابية سواء من الداعمين بالمال أو وسط بعض الأحياء الشعبية، ولو على حساب مصلحة المدينة وتنميتها، (...) يتحلون بالجرأة والشجاعة و"الصنطيحة" كذلك، وب"تخراج العنين" في الكثير من الأحيان، رغم إدراكهم أنهم على خطأ، ويكفي أن يعرف المواطن الناظوري أن بعضهم وعوض البحث عن سبل تطوير مداخيل الجماعة، يقوم بالعكس عبر إعفاء منعشين عقاريين من تأدية مبالغ كبيرة للمجلس، وذلك بالتحايل بطرق أصبحت أكثر من مفضوحة.. وهذا اللوبي الذي ورث ما ورثه ممن سبقه في الفساد، وتحالفه مع آخرين من نفس التوجه، هدفه الأساس، السيطرة على مجموعة من القطاعات الحيوية داخل المجلس لما تدره من دخل، وبطبيعة الحال ليس لضخه في صندوق البلدية الفارغ من أصله، بل في حساباتهم البنكية، وما يمكن الزعم به أن طموح لوبي الفساد يتعدى هذه الولاية ويسعى للسيطرة على المجلس في الانتخابات القادمة، وفي حال تمكنه من ذلك فما علينا جميعا سوى إقامة صلاة الجنازة على الناظور، لأن ذلك يعني دقّ آخر مسمار في نعش هذه المدينة، ولأن ذلك يعني أن الناظور لن يكون باستطاعتها الوقوف على قدميها مرة أخرى، وستعود إلى الوراء تارة أخرى. أما بخصوص المجموعة المناشدة للتغيير، والتي برزت ك"تيار" جديد في المشهد، فإنا نطلق عليها وصف "المجموعة" لأنها في الواقع تمثل أقلية داخل المجلس الجماعي، بل إذا ما توخينا الحقيقة فإنها لا تمثل سوى شخصين أو ثلاثة فحسب، ويوصفون بكونهم أقل جرأة من لوبي الفساد، ورغم امتلاكهم لصلاحيات داخل المجلس، إلا أنهم لا يلجئون إلى استعمالها في كثير من الأحيان، تاركين المجال أمام "لوبي الفساد" للعب أوراقه، وهو ما سوف يضعهم لا محالة في نظر المواطن الناظوري محل شبهة حتى ولو كانوا منها براء، سيُنظر إليهم كما لو كانوا شركاء في كل كبيرة وصغيرة مما يقع داخل دواليب البلدية، بحيث لن يتم استثناؤهم بعد أن تتفجر الفضائح سواء في طريقة التسيير أو من المجاملات والمحاباة التي يقدمه للبعض على ظهر مصلحة المدينة ومداخيلها.. ف"مجموعة التغيير" هذه، التي يتضح أنها أصبحت مغلوبة على أمرها داخل المجلس الجماعي، ورغم الممانعة في الرضوخ لبعض الطلبات الغريبة ل"لوبي الفساد"، إلا أن هذا الأمر يبقى غير كاف، من أجل وضع القاطرة على سكتها الصحيحة، والقضاء على الفساد، والعمل على إخراج المدينة من واقع البؤس والفوضى الذي تعيشه. وبما أن تخليص مجلس بلدية الناظور من الفساد المتعشعش في دواليبه، من هواجس المواطن الناظوري، فبطبيعة الحال لن يتوان الأخير عن تقديم الدعم ل"مناشدي التغيير" داخل الجماعة، لكن حتى يتأتى ذلك، يجب أن يكون لهذه "المجموعة" الاستعداد للكشف للعموم عن ما يحدث وما يقع داخل كواليس المجلس، وأن تستمر في محاربتها للوبي الفساد، أن تخرج للعلن لإعطاء برنامج العمل الذي تود أن تسيير عليه الجماعة، إذ بالرغم من بعض الاجتهادات الصغيرة، فإنه ليس هناك برنامج واضح للمجلس الجديد، وغير متبنٍ لأية رؤية مستقبلية، لهذا وإن أرادت "المجموعة التي تنشد التغيير" كسب الدعم الشعبي فعلا في محاربتها لمدّ "الفساد"، ينبغي أن تخرج إلى العلن، لا أن تبقى مختفية تشتغل بمفردها في خجل. مشكلة المكتب المسير للمجلس الجماعي، اليوم، واضحة، وجلية بصورة لا غبار عليها، ويمكن تلخيصها من اقتباس للكاتب الأمريكي "شارلز بوكفسكي"، تكمن في أن من يريدون التغيير يغلب عليهم الشك والخجل، فيما المفسدين تغلب عليهم الثقة الزائدة في النفس، هذه هي المشكلة للأسف.