على غير عاداتها، يوم الأحد، استيقظت الصغيرة حنان الزهري في الصباح الباكر، وارتدت وزرتها البيضاء بعد أن نسجت أمها جدائل شعرها الأشقر المنساب ضفيرة. وقفت الشقراء نظيفة المظهر، جميلة المحيى، وقد علت وجهها ابتسامة عريضة، رفقة زملائها ومديرها، على باب مدرستها الصغيرة، لتستقبل زوارها، فاليوم خاص بفرعية "إجروانو" التابعة لمجموعة مدارس إريانن (إقليمالحسيمة، شمالي سرقي المغرب)، والضيوف مختلفون. تطوع بالألوان ضيوف حنان، شباب اختاروا طريقة فريدة في التطوع، حملوا حبهم للألوان والرسم، وطبعوه على جدران المدارس، يجوبون القرى البعيدة، ويحيون جدرانها ألوانا، فينقصون من حدة تهميشها، حسب تصورهم، بالصباغة والغرافيتي. 11 شابا أكبرهم في الثلاثين، وأصغرهم لم يتجاوز ال 15، أغلبهم من مدينة إمزورن، ضواحي الحسيمة، تجمعوا في مبادرة "أونلاين" وتصدقوا بمواهبهم في الرسم والغرافيتي وصناعة الجداريات على جدران المدارس، يقيمون بها ورشات تدريبية، ويشاركهم الأطفال في إعطاء جدران المدرسة حياة، ويزرعون جذوة الفن في نفوس الصغار. لزيارة حنان ورفقائها، تجمع شباب جمعية أولاين بكورا بمركز إمزورن، بحافلة صغيرة شقت بهم الطريق وسط الضباب الصباحي، نحو مدرسة إجروانو الواقعة على علو يفوق 1080 مترا فوق سطح البحر، والبعيدة عن أقرب مركز حضري "منطقة تامنسيت" بحوالي 11 كيلومترا. الجزيرة نت، رافقت الشباب في رحلتهم التطوعية، عبر طريق غير معبدة تتلوى وسط المرتفعات، حيث توغلنا مع شباب أونلاين في قلب جبال الريف الشامخة. هنا الأرض تبدو أكثر جرأة وقد تجردت من كل غطائها النباتي، وبقيت رؤوسها صلبة عارية. وكلما نظرنا إلى الطريق نتلمس وصف أغنية "سعيدة فكري" لجبال الريف عن قرب، ونرى واقع البعد والتهميش الذي يطال معظم سكان القرى. تقول فكري "يا جبال الريف شفتك تبكي، ودموعك ذايقة لمرارة، تكتمي همك ولا تشكي، من لونك بان البرهان" وتضيف "يا جبال الريف يا أم الفرسان، يا ما نبتو من أرضك شجعان". يقول محمد الحسني، وهو فنان تشكيلي ورئيس جمعية أونلاين، للجزيرة نت "إن الشباب يزورون المدارس البعيدة في القرى المعزولة، بمعدل مدرسة كل أسبوع، ويعتبرون أن العالم القروي محروم من أبسط الأشياء". ويضيف أنه ورفاقه يعتمدون في تطوعهم على موهبتهم، ويطمحون لرسم البسمة على وجوه الأطفال الصغار عبر تزيين الجدران وتلوينها "هذه طريقتنا في فك العزلة". يقول التشكيلي عماد أعروص في حديثه مع الجزيرة نت "الفن لغة موحدة، يفهمها الجميع، ورسائل الفن تصل بسرعة، لنا فرشاة وقريحة وبعض الصباغة، نزرع بها أملا في الجيل الصاعد". بدأ طلاب المدرسة يبتهجون، وهم يرقبون عمل فريق الفنانين، ويحاولون تقليدهم على الأوراق والأسوار الصغيرة، والعجلات المستعملة كمزهريات بالمدرسة، داعبوا الألوان، وجربوا الصباغة، وانخرطوا في مسابقة لأحسن لوحة، أعلنها المدير وأدارها الفنانون. بينما عزف عماد ومحمد وكريم وسفيان، والباقون، ألحانا مختلفة بالأشكال والألوان، في سيمفونية تطوع خاص، لبسوا أقمصة تحمل شاراتهم، وبصموا شيئا من آمالهم وأحلامهم في المكان. لم تكن شمس فبراير/شباط التي أشرقت على استحياء وحدها الساطعة، ففي الجدار المقابل لمدخل المدرسة أشرقت شمس العلم والحرية، لوحة أبدعها التشكيلي الحسني، وخط تحتها عبارة "طريق العلم طريق للحرية". واختار عماد أن يترك للتلاميذ بمدرستهم توصيات بضرورة النظافة والحفاظ على الماء، وأبدع باقي الفنانين في تنسيق الألوان وعبارات التحفيز على العلم والقراءة واحترام الأستاذ. وجاءت رسوم الأطفال أيضا مستوحاة من الطبيعة، ومحيطهم من شجر وزهر وطيور، وعبرت عن أحلامهم وتطلعاتهم لغد أحسن. يقول مدير مجموعة مدارس إريانن محمد الطاهري إن مدرسته استقبلت نشاط رسم الجداريات لخلق فضاء جذاب للتلاميذ، ولتحفيزهم على الإبداع وفتح المجال أمامهم للمعرفة والبحث. جدارية "طريق العلم طريق للحرية" للتشكيلي الحسني (الجزيرة) تأسست مجموعة أولاين حديثا على خلفية نشاط بيئي جمع الشباب، ليتمحور نشاطهم فيما بعد على موهبتهم، وينطلقوا في إحياء الجدران المهمشة تحديدا، وقد لونوا جدران دار للرعاية الاجتماعية بمدينتهم مستغرقين أكثر من 15 يوما، بالإضافة إلى أكثر من 24 مدرسة كلها في قرى الحسيمة. شباب أونلاين جعلوا للفن بذورا تركوها على جدران المدارس لتنبت في عقول ومواهب الأطفال وتصنع جيلا يتوق للإبداع، ودعنا دينا ولينا وحنان وأحمد وباقي التلاميذ، بعد أن حدثونا عن أحلامهم بأن يصبح منهم الطيار والمهندس المعماري والصحفي والفنان.