شخصيا، لو كنت واحداً من مسؤولي هذا الوطن، لسارعتُ إلى استدعاء مول "الكنز" الذي ظهر في بولمان والتفّ حوله الآلاف وقادهم عن طوع صوب أعلى قمّة جبلية نهار رمضان لإستخراج كنزٍ دفين لا يقدر بثمن، من أجل تكريمه أيُّما تكريم، بحيث كنتُ سأحضّرُ له الغيّاطة والدقايقية قبل أن أُنظّم على شرفه حفل عشاءٍ باذخ أعزم لها كلّ أعيان المنطقة وسياسييها وفاعليها، حتى أُقدّم لهم مُول "الكنز". فالرّجل والحقّ يُقال، ما أسداه لنا من خدمة لا يُضاهيه فيها حتى مركز الأبحاث والدراسات وجامعات علم الإجتماع، بعد وضعنا أمام دراسة سيكولوجية وبسيكولوجية، لشريحة عريضة من المواطنين المغاربة، كشفت لنا حقيقة موجعة لطالما حاولنا تغطيتها بالغربال، تفيد بصورة صارخة بأنّ ثمّة بين ظهراني هذا الشعب من لا يزال يُؤمن بالخرافات والأساطير لم يعُد للعقل أن يصدقها في زمن التكنولوجيا المتطورة، وأن الواد "للي جا ياخدنا"، وأن الكثيرين منّا يعلقون أمالهم في "الميتافيزيقا"، وينتظرون تحسُّن أوضاعهم من خلال التشبّث بقشّة وببارقة أمل، ولو كان هذا "الأمل" مجرد ضربٍ من الخرافة. إنّ واقعة "الكنز" عرّت حقيقة الفوارق الإجتماعية التي يعيشها المغرب اللاّسعيد، فهذه الفوارق لا تقتصر على ما هو إقتصادي وحسب، إنّما بالأساس حتى على ما هو ثقافي وفكري وعلمي، ولكم أن تتخيلوا حجم الهُوّة بين المغرب في المركز والمغرب العميق في حال لو حاول مول "الكنز" إقناع الرباطيين برُؤياه عن وجود كنز في قعر واد أبي رقراق، لكان مصيره بدون شك إيداعه في أقرب عنبرٍ للمجانين، لكن ما دام الكنز مطموراً بدوار "سرغينة" فيقينا هناك الآلاف ممّن سيؤمنون بالخرافة، بدليل أنّ الآلاف صعدوا أعلى قمة جبل لمعاينة إستخراج الكنز في الوقت الذي كان عليهم إحضار سيارة إسعاف، كما أماطت الواقعة اللّثام عن كون الشعب سرعان ما يمكن دغدغة عواطفه بمجرد استعمال الخطاب الديني الذي تتعطل معه خاصية "العقل" عن التفكير، ليتحوّل إلى ممياء تنقادُ وتنصاع بطريقة آلية عمياء. وهكذا، لم أتفاجأ كثيرا بما حدث أمس في دوار "سرغينة" الواقع بضواحي بني ملاّل، فالأمر ليس مستغرباً إلى هذا الحدّ اتجاه شعبٍ ما فتئ يؤمن حتى النخاع بالزوايا والأضرحة وامتلأ بهذه الثقافة حدّ التخمة، وقد سبق لمكّي الصخيرات أن إدعى قدرته الخارقة والعجيبة على علاج مرضاه من الصمّ والبكم والعُمي وذوي الأمراض المزمة والمستعصية، كما لم تمض سوى بضعة أيامٍ إعتقد الناس بنزول الملائكة مُحلقةً فوق سماء مكناس، بينما هي مجرد أضواء الكاشف الضوئي، وقبلها رأينا ما لا يُعدُّ ولا يُحصى من الأمثلة الحيّة لهذه الاعتقادات الباطلة، نذكر منها على سبيل الاستئناس مسح العوانس وجوههنّ بأصواف أضاحي العيد للتعجيل بحلول قدرهنّ! نهايتُه، لا يجب أن تمّر واقعة "كنز سرغينة"، مرور الكرام كسابقاتها، بل ينبغي أن تكون بالضرورة فاتحة نقاشٍ موسع، جادٍ ومسؤول، ينخرط في معمعانه المجتمع بكافة أطيافه وقواه الحيّة وبخاصة فئته الانتيليجنسية الواعية، سعياً وراء خلخلة بنية المنظومة الثقافية الراهنية في مقابل خلق ثورة فكرية بهدف تدشين عصر سيادة ملكة العقل، عوض الإنجرار والإنسياق خلف كل ما من شأنه توظيف الخطابات المهترئة لاستغلال جذوة العواطف الدينية للمغاربة.