اسوا ما سمعته هذه الايام من احد الاصدقاء المهنيين في جلسة عادية عبارة : انكشف الحال على واقع ان الناظوراقليم فقير جدا ..اصابني مصطلح " الفقر " بالصدمة وجعلني اعيد ترتيب المصطلحات ، فقد كان اقصى ما يمكن يستعمل هو مصطلح " الازمة " وهي في قاموس المعاني العامة مرحلة ذات امتداد معين في الزمن تفضي فيما بعد الى واقع اخر ، وفي عالم الاقتصاد غالبا ما تكون الازمات مرحلية ناتجة عن خلل في وظيفة احدى المكونات المشكلة للبنية المحلية او تكون ناتجة عن استيراد خلل اقليمي او عالمي في اطار العولمة الاقتصادية للاقتصاد الراسمالي المهيمن على الساحة الدولية الحالية فمثلها مثل فيروس معدي ينتقل الى اقتصادات البلدان ويؤثر فيها على حسب القوة المناعية والدفاعات الداخلية . فهل من الضروري ان تؤدي الازمة الى " الفقر الاقتصادي " ان جاز لنا هذا التعبير الاخير ؟ قبل البحث في هذا التساؤل علينا ان نعرف الارضية التي ننطلق منها لوصف اقتصاد معين ، اي ماهية هذا الاقتصاد ؟ وما مدى خضوعه للعوامل المؤثرة محليا وخارجيا ؟ ومدى قدرته على استعادة عملية الانتاج وخلق ظروف صحية بديلة للحالة المرضية ؟ اي بعبارة بسيطة انجاز تشخيص علمي تقني للحالة . في حالات الازمات الاقتصادية لكثيرمن البلدان الحديثة بغض النظر عن مستوى تقدمها يتم الاعلان بشفافية وبسرعة عن وجود اختلال في جانب من الاقتصاد قد يكون مرتبطا بالتضخم او بازمة سيولة او ازمة قطاع كالقطاع المالي او العقاري وانظمة اشتغال القروض كحالة الجارة الشمالية للمملكة ، وقد يصل الحد ببعض البلدان لدرجة اعلان افلاس الاقتصاد ليتم اعادة تدوير العجلة من تحت الصفر كحالة الارجنتين في العشرية الماضية ..وهنا نتكلم دائما عن مناخ ديموقراطي يسمح بتداول المعلومات وتقييم النتائج بعيدا عن الاحتكار والتطبيل السياسي ومن ورائه الاعلامي في حالات اخرى لدول تعرف هشاشة في الحرية الاقتصادية كحالة مصر والجزائر مع اختلاف في كثير من المعطيات الاقتصادية والديموغرافية بين التموذجين. ومن هنا تكون الازمة احيانا تصحيحا جيدا لحالات من الفوضى في اشتغال بعض القطاعات التي تضخمت وانتجت واقعا غير الواقع الاقتصادي الحقيقي للبلد او المنطقة وبالتالي لا مكان للحديث عن " الفقر " هنا رغم قساوة عمليات التصحيح والشروط المفروضة من الهيئات العالمية كالبنك الدولي او المفوضية الاوربية بالنسبة للبلدان الاروبية التي تخضع لنظام تضامني صلب بدافع المحافظة على مكتسبات التنمية والوحدة النقدية " اليورو " واذا رجعنا الى منطقتنا نجد ان الازمة الاقتصادية كمعطى كان امرا متوقعا منذ منتصف العشرية السابقة وخاصة ابتداء من 2007 ، على اعتبار المنطقة منفتحة بشكل كبير على المحيط الاروبي من خلال اعتمادها على عائدات الجالية بالدرجة الاولى ، بعد الانشطة الغير المهيكلة والتي لاتخضع لاي قانون او منطق اقتصادي ، هذه الانشطة التي فاقمت الوضع لانها خلقت تضخما ماليا ورواج مرحلي مزيف . لكن هذه الازمة المتوقعة لم يتم الاعلان عن وصولها الينا لاسباب ليست علمية ، وبدا المغرب كمنطقة هادئة اقتصاديا في محيط متقلب ومظطرب وبدت نسب النمو مرتفعة تصل 5 بالمائة في حين ان جيراننا الاروربين منهم من بقي في عتبة الصفر . وبالتالي تأجل تشخيص الازمة لاسباب سياسية اكثر منها اقتصادية وتفاوتت الجهات والاقاليم في تأثرها فاذا كانت اقاليم كطنجة والرباط والبيضاء ومكناس ومراكش واكادير حافظت على وتيرة جيدة من الانتاجية وخلق الثروات وفرص الشغل بالنظر لبنياتها التحتية الجيدة ولتخصصها في قطاعات اقتصادية معينة ، فان اقاليما اخرى كالناظور تأثرت بشكل رهيب وعرفت ركودا لامثيل له ، فالامر اكبر من ازمة عابرة لان القطاعات تضررت بشكل متواصل بدون بروز افق في الخروج من النفق ، وبالتالي بات من الضروري التفكير في اجراءات مستعجلة من شاكلة الاعفاءات الضريبية والتدخل لفرض حالة من اعادة التوازن بضخ اموال من الدولة في مشاريع مستعجلة كميناء الناظور غرب المتوسط وتفعيل وكالة تنمية اقاليم الشمال والشرق باعطاء حصة مهمة من المشاريع للاقليم ، والاهم من هذا وذاك استعادة ثقة الجالية المقيمة بالخارج في اقتصاد وطنها واقليمها بالاستماع الى مشاكلها التي غالبا ما تكون مع البيروقراطية ، ولما لا اعطاء الجالية صفة مميزة في التشريعات والقوانين والمساطر ، فهي عصب الاقتصاد الوطني والمحلي بكتلة نقدية تناهز 6 مليار اورو سنويا ، ولكم ان تتخيلوا نصيب الاقليم من هذه الودائع لحجم عدد الجالية المنتمية الى الناظور. حقا لم استطع الاجابة على سؤال الفقر الاقتصادي والجزم به ، لكني اعتقد ان الفقرالحقيقي يكمن في غياب المبادرة و التشخيص العلمي للحالة ، نعم الازمة موجودة و بحدة ايضا بكل صراحة ، لكن ما دامت الحلول موجودة نراها رأي العين فنحن نعيش فوضى اكثر منها فقرا . اعتقد ان حاجتنا الى التنظيم اكبر من استثمارات خارجية او منح اروبية ، لان اساس ثروتنا موجود ، فقط لم نحسن استغلاله . انها ياسادة الفوضى وليس الفقر واللامبالاة وانعدام المسؤولية وليست الهشاشة ..امكانياتنا اضخم اذا كان التدبير واقعيا وفعالا تتبعه الشفافية والمحاسبة .. مع تحياتي ومحبتي للجميع